«جاستا» وراء منع السندات المالية السعودية على الأمريكيين
تعد السندات إحدى أهم وسائل التمويل المالي المتاحة للشركات والحكومات، التي عن طريقها تستطيع تلك الجهات الحصول على رأس المال اللازم للنمو والتطوير والمنافسة.
وتلجأ الحكومات إلى السندات لتغطية ما عليها من ديون قصيرة الأجل أو لتنفيذ مالديها من مشاريع تنموية، ونظرا لأن الحكومات لا تستطيع إصدار أسهم لرفع رأس مالها – كما تفعل الشركات – فإن خيار السندات دائما هو الخيار الأفضل لدى الحكومات.
إلى جانب ذلك نظرا لقوة الحكومات ككيان سياسي واقتصادي يمكن الاعتماد عليه، فإنها تستطيع عادة أن تصدر سندات بتكلفة أقل من التكلفة التي تدفعها الشركات، وبطبيعة الحال كلما قل عامل المخاطرة في الاستثمار قل العائد الممكن من الاستثمار.
لتلك الأسباب لجأت المملكة العربية السعودية إلى طرح سندات في السوق الدولية، وقد وصف مصرفيون عالميون الطرح السعودي الأول الذي بلغت قيمته 17.5 مليار دولار – ما يعادل 65.5 مليار ريال سعودي – بأكبر عملية إصدار تقوم بها دولة حتى الآن، مؤكدين نجاح السعودية في الوصول إلى أسواق رأس المال العالمية، على الرغم من كونها أول عملية اقتراض تقوم بها المملكة عبر طرح سندات في السوق الدولية.
وعلى الرغم من هذا النجاح المدوي، إلا أن المملكة حرصت على وضع شرط أساسي في نشرة أول سندات دولية تصدرها في تاريخها، وهو أن لا يكون المستثمرون الراغبون في السندات أشخاصاً من الولايات المتحدة، على الرغم من أنها صادرة بالدولار الأمريكي.
والسبب في ذلك يرجع إلى موافقة مجلسي الشيوخ والنواب الأمريكي علي قانون «جاستا»الذي يسمح لأهالي ضحايا هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 بمقاضاة السعودية ومسئوليها، القرار الذي قد ينتج عنه تجميد أو مصادرة أموال الاستثمارات أو الودائع البنكية السعودية الموجودة في الولايات المتحدة الأمريكية، والذي أعتبره البعض وسيلة للسطو على المدحرات السعودية.
وكانت صحيفة «فايننشال تايمز» قد أكدت اهتمام المستثمرين الغربيين الجاد جدا لشراء سندات الدين السعودي، كاشفة تخصيص بنوك آسيوية لمليارات الدولارات من أجل شراء السندات السعودية فور صدورها، ورجحت «فايننشال تايمز» أن يتلو الإصدار المنتظر إصدار آخر قبيل انتهاء 2016 قياسا بحجم الطلب على سندات الدين السعودي، في حين كشفت وكالة «بلومبيرج» الأمريكية تقريرا يوضح أن السعودية ستطرح سندات أولية على مدى خمس سنوات بنحو 160 نقطة أساس مماثلة لسندات الخزانة الأمريكية، إضافة إلى سندات على مدى 10 سنوات بهامش 185 نقطة أساس، إلى جانب سندات أخرى على مدى 30 عاما بهامش 235 نقطة أساس.
ويتيح الاقتراض من السوق الدولية تخفيف العبء على الاحتياط السعودي بالعملات الأجنبية، الذي تراجع من 732 مليار دولار نهاية العام 2014 إلى 562 مليار دولار نهاية أغسطس الماضي؛ فيما رجحت شركة «كابيتال ايكونومس» للتحليل الاقتصادي أن الاحتياط النقدي السعودي لن ينخفض كثيرا عن مستوياته الراهنة خلال السنوات القادمة قياسا بحجم عائدات طرح السندات التي ستساهم في تمويل ثلث عجز موازنة السعودية للسنة القادمة.
من ناحية أخرى، انخفضت حيازة السعودية من سندات الخزانة الأمريكية إلى نحو 96.5 مليار دولار في نهاية شهر يوليو من العام الجاري.
وتواصل السعودية بذلك تقليصها لحجم حيازتها من السندات الأمريكية للشهر السادس على التوالي، وتصل قيمة التراجع خلال الفترة من يناير إلى يوليو إلى نحو 27.1 مليار دولار بنسبة تراجع تقترب من نحو 22%، وذلك بحسب البيانات التي تصدرها وزارة الخزانة في الولايات المتحدة.
يأتي هذا في الوقت الذي أكدت فيه وكالة رويترز رفض الكونجرس الأمريكي بأغلبية ساحقة الفيتو الذي استخدمه الرئيس باراك اوباما ضد تشريع يتيح لأقارب ضحايا هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 رفع دعاوى قضائية ضد الحكومة السعودية وهو أول فيتو يتم إسقاطه خلال فترة حكم أوباما.
وكانت نتيجة التصويت رفض 348 نائبا للفيتو مقابل 76 وهو أكثر من أغلبية الثلثين التي يحتاجها مجلس النواب لإسقاط الفيتو. وكان مجلس الشيوخ قد رفض الفيتو بواقع 97 صوتا معارضا مقابل صوت واحد مؤيد الأمر الذي يعني أن تشريع «العدالة ضد رعاة الإرهاب» أصبح قانونا.
ويمثل التصويت ضد الفيتو ضربة لأوباما وللسعودية حليفة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط التي تعرضت في الآونة الأخيرة لانتقادات شديدة في الكونجرس الأمريكي.
وقام أوباما باستخدام حق الفيتو 11 مرة كلها صمدت. لكن في هذه المرة عارضه تقريبا جميع أقوى أنصاره في آخر إجراء لهم قبل مغادرة واشنطن للمشاركة في حملات انتخابات الرئاسة التي تجرى في الثامن من نوفمبر تشرين الثاني.
وقال السناتور تشارلز شومر ثالث أكبر ديمقراطي في مجلس الشيوخ «إسقاط فيتو رئاسي هو أمر لا نتعامل معه باستخفاف لكن كان من المهم في هذه الحالة أن يسمح لأسر ضحايا 11 سبتمبر بالسعي لتحقيق لعدالة حتى لو سبب هذا السعي بعض المضايقات الدبلوماسية».
ويمثل شومر ولاية نيويورك حيث كان يوجد مركز التجارة العالمي وموطن الكثير من قتلى هجمات 11 سبتمبر أيلول وعددهم قرابة ثلاثة آلاف شخص بالإضافة للناجين وأسر الضحايا.
وقاد شومر المعركة من أجل التشريع في مجلس الشيوخ مع السناتور جون كورنين ثاني أهم سناتور جمهوري في المجلس.
وجادل أوباما بأن مشروع القانون قد يعرض شركات وجند ومسؤولين أمريكيين لملاحقة قضائية ويؤدي لانصراف حلفاء مهمين في فترة اضطراب سياسي.
واتصل بزعيم الأقلية في المجلس السناتور هاري ريد وكتب له رسالة شخصية يشرح له فيها لماذا يعتقد أن تفعيل مشروع القانون سيضر بالمصالح الأمريكية. وكان ريد هو السناتور الوحيد الذي وقف في صف أوباما.
وانتقد البيت الأبيض التصويت. وقال المتحدث باسم البيت الأبيض جوش إرنست في إفادة «هذا أكثر شيء إحراجا في مجلس الشيوخ الأمريكي ربما منذ 1983» في إشارة إلى آخر مرة أسقط فيها المجلس بأغلبية كاسحة فيتو الرئيس.