جدل فلسطيني متصاعد حول إنشاء المستشفى الأمريكي في غزة
أثار مشروع إقامة المستشفى الأمريكي الميداني حالة من الجدل الكبير في الأوساط السياسية والشعبية الفلسطينية، حيث عبرت غالبيتها عن رفض فكرة إنشاء تلك المستشفى باعتبارها تنطوي على مخاطر سياسية وأمنية كبيرة، وتعمق من حالة الانقسام السياسي والجغرافي بين الضفة الغربية وقطاع غزة، فيما تؤكد حماس أن المستشفى الميداني جزء من التفاهمات التي جرت بين الفصائل وإسرائيل برعاية دولية وأممية.
واعتبرت الفصائل الفلسطينية إنشاء المستشفى الأمريكي خطوة منفردة ، تؤكد مضى حركة حماس بإبرام صفقات سرية مع الاحتلال برعاية وتمويل قطرى، خاصة بعد طلب وزير جيش الإحتلال” نفتالي بينت” من رئيس أركانه ” كوخافي” تقديم ورقة موقف تتعلق بإنشاء ميناء بحري في قطاع غزة بالإضافة لإقامة مطار دولي، الأمر الذي أثار حالة من الشك والتباين بين الفصائل والتي تنصل جزء كبيراً منها من أي معرفة بتفاصيل إنشاء المستشفى .
حالة الجدل المتصاعدة بين الفصائل وحماس بشأن المستشفى الأمريكي، جاءت في ظل الصراع المحتدم بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل والإدارة الأمريكية التي تناصب العداء للشعب الفلسطيني واتخذت سلسلة من الغجراءات بدءا من الاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها، مروا بإغلاق مكتب منظمة التحرير ووقف المساعدات عن المستشفيات الفلسطينية في القدس المحتلة وليس آخر تلك العقوبات وقف المساعدات المقدمة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين ” الأونروا”.
وقالت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، في ردها على قيادات حمساوية تحدثت عن موافقة الفصائل على إقامة هذه المستشفى:” أنها لم تكُن جزءا من أية تفاهمات أو ترتيبات تتعلق بإقامة المستشفى الميداني الأمريكي بشمال قطاع غزة، أو قبولها بتصوير ذلك وكأنه أحد إنجازات مسيرة العودة التي انطلقت وهدفها إبقاء الصراع وجذوته حول القضايا المركزية للشعب الفلسطيني”.
وحذرت الشعبية، من استخدام معاناة الشعب الفلسطيني واحتياجاته لتحقيق أهداف سياسية معادية، وذلك على ضوء تصريحات بعض القوى والقيادات المؤيدة لإقامة المستشفي والإدعاء بأن ذلك كان بموافقة كل القوى السياسية، واصفة مشروع بناء المستشفى بـالمسموم .
وقالت الشعبية: “الولايات المتحدة كانت وستبقى عدوا رئيسيًا لشعبنا، في إطار تحالفها الاستراتيجي مع العدو الصهيوني، وفي سياستها وقراراتها الهادفة إلى تصفية قضية وحقوق شعبنا الوطنية،وإن كل ما يأتينا من خلالها تحت مسميات أو صفقات سياسية أو إنسانية، يهدف إلى تأبيد ودعم الاحتلال”.
وأشار عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية، كايد الغول، أن تجاوز الجهات الرسمية في إنشاء هذه المستشفى يدلل على محاولة فرض واقع على الأرض يكرس حالة الانقسام والانفصال بالنظام السياسي الفلسطيني من جهة ويكرس الانفصال الجغرافي بين الضفة وغزة.
وأوضح أن أي دعم للقطاع الصحي، يفترض أن يتم عبر القنوات الرسمية، من خلال المنظومة الصحية الفلسطينية التي تديرها وزارة الصحة، وليس عبر جهات غير حكومية وغير معروفة.
وتابع: “الإدارة الأمريكية لو كانت جادة في مساعدة الشعب الفلسطيني لما أوقفت أشكال الدعم المختلفة عن المستشفيات الفلسطينية في القدس، ولما أوقفت الدعم عن الأونروا، ولما اتخذت قرارات سياسية تمس تصفية القضية الفلسطينية بما يخص القدس اللاجئين والاستيطان”.
واعتبرت حركة حماس إن إنشاء المستشفى الميداني الجديد في شمالي القطاع، جاء كجزء من التفاهمات الأخيرة بين الفصائل الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي برعاية مصرية والأمم المتحدة.
ورحب القيادى في حركة حماس مشير المصري ، بأي جهد يمكن أن يدعم الشعب الفلسطيني بما في ذلك الجانب الصحي الذي يحظى بالأولوية ،في ظل الأزمة الصحية التي يمر بها قطاع غزة ، أسوة بالعديد من المستشفيات الدولية الموجودة في غزة والتابعة لبعض الدول العربية والغربية.
قال المصري في حديث ل” الغد”: ” المستشفى الدولي الذي سينشأ شمال قطاع غزة يأتي نتيجة التفاهمات التي جرت بين الفصائل الفلسطينية عبر الوسيط المصري، وإن إقامة المستشفى أو إزالتها ،مرهون بموقف الفصائل الفلسطينية”، مبيناً أنه بسبب تردي الوضع الصحي بغزة، تم الاتفاق على مسارين الأول إدخال الدواء لغزة من جهات مانحة، والآخر إنشاء مشفى ميداني يتبع لجهات خيرية إنسانية باتفاق مع كافة الفصائل الفلسطينية.
وتابع: ” من يندد بكسر بعض حلقات الحصار المفروضة على الشعب الفلسطيني مطلوب منه ان يرفع هذا الحصار و أن ينهي العقوبات المفروضة على قطاع غزة وان يترك الحرية لشعبنا بعيدا عن احتياجه لأي مساعدات غربية او دولية”.
وأشار إلي أن تكون هناك مستشفى قريبة وعلى أرض غزة وضمن حماية وزارة، يعد إنجاز نسبي يمكن أن يراكم عليه لتخفيف الأزمات التي يمر فيها الشعب الفلسطيني وخاصة في الجانب الصحي”.
وأوضح المتحدث باسم الحركة حازم قاسم أن قرار إنشاء المشفى جاء لأن جزء من الحصار أثر على الأوضاع الصحية بشكل كبير في قطاع غزة، بسبب السياسة الإسرائيلية وإهمال حكومة الضفة الغربية في التعامل مع الحالات المرضية في غزة.
وقال: ” من يعارض إقامة المشفى الميداني يريدون إبقاء الحصار المفروض على القطاع، واستمرار الأزمة الإنسانية والصحية، من أجل تحقيق أهداف فئوية حزبية ضيقة”.
ودعا السلطة والحكومة وقيادة حركة فتح ، إلى رفع الإجراءات العقابية المفروضة على قطاع غزة، وليس معارضة المشاريع التي تخفف من الحصار المفروض على القطاع.
وقال وليد العوض عضو المكتب السياسي لحزب الشعب: ” إنهم في حل من التفاهمات التي تمت قبل ثلاثة أشهر 3 أشهر ،وفي حل من كل كلمة وسطر كتبت فيها لأنها تعتمد الحل الإنساني والاقتصادي على حساب الحل السياسي وهي تتجاوز التمثيل السياسي الفلسطيني الموحد وتفتح مسارا يتقاطع مع مسار ورشة البحرين بما يتلائم مع خطة ترمب”.
وأوضح العوض في حديث ل “الغد” ” هناك مستشفى عسكري ميداني يقام على آلاف الدونمات وهذا المعسكر له 3 بوابات، بوابة باتجاه غزة، وبوابة باتجاه الاحتلال الإسرائيلي، والبوابة الكبرى هي البوابة المشرعة باتجاه البحر هذا يحمل مخاطر مخاطر سياسية وأمنية وعسكرية كبيرة، حيث أن مداخله باتجاه الاحتلال الإسرائيلي وهو معد لاستقبال نحو 3000 جندي من مشاة البحرية الأمريكية”.
وتابع: “أمريكا الآن تدق أول مسمار لها بشكل ميداني وفعلي على أرض قطاع غزة هذا من الناحية العسكرية لكن من الناحية السياسية الولايات المتحدة التي تقطع الأموال عن المؤسسات الصحية في القدس وتقطع الأموال عن الاونروا وتهب القدس كعاصمة لدولة الاحتلال وتحاول أن تصفي قضية اللاجئين، وألان تأتي لتقديم مساعدات لقطاع غزة”.
وقال عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير،صالح رأفت ،إن إنشاء المستشفى الميداني الإمريكي في قطاع غزة تأتي ضمن خطة اقتصادية لصفقة القرن وهو توافق بين إسرائيل وحماس وأمريكا، وأنه لم يتم التوافق عليه مع السلطة الوطنية أو منظمة التحرير.
وشدد رافت ،على أن القيادة الفلسطينية مع تطوير القطاع الصحي في غزة ولكن ليس تحت سيطرة أمريكا وإسرائيل.
هذا الموقف ينسجم ويتوافق مع أمين سر هيئة العمل الوطني في قطاع غزة محمود الزق، الذي أكد أن كافة القوى السياسية، ترفض إقامة المستشفى الميداني الأمريكي في القطاع، معتبراً أن المستشفى يأتي في سياق مؤامرة واضحة على الشعب الفلسطيني تهدف لتحويل قضيتة من قضية سياسية كاملة إلى قضايا إنسانية واقتصادية يمكن حلها من خلال مشاريع تنفذ هنا وهناك.
وقال الزق: ” حماس تحاول أن تظهر للجميع أن اقامة المستشفى تتم بالتوافق مع الفصائل، غير أن جميعهم يرفضونه ليس بسبب عدم الحاجة إليه، ولكن بسبب ما يشكله هكذا مشروع من خطر على الوحدة الفلسطينية والسير في مسار فصل القطاع عن الضفة والتعامل معه ككيان مستقل”.
حالة التباين والرفض دفعت أطراف وهيئات دينية إلى إعلان موقفها من إقامة المستشفي الأمريكي ، إذ حذر المفتي العام للقدس والديار الفلسطينية، خطيب المسجد الأقصى المبارك الشيخ محمد حسين، من تداعيات إقامة المستشفى الميداني الأمريكي بشمال قطاع غزة، مطالباً سكان غزة بعدم التعاطي مع هذه المستشفى، وأخذ الحيطة والحذر من التعامل معه.
وأوضح الشيخ حسين، في بيان صحفي، صدر عن دار الإفتاء، اليوم الاثنين، أن ظاهر هذه المستشفى فيه الرحمة ومن قبله العذاب، ولا يفترق كثيراً عن صورة مسجد الضرار الذي أمر الله سبحانه بهدمه، ومنع رسوله “صلى الله عليه وسلم” من الإقامة فيه، لما يحمله من فساد للدين والمؤمنين وعبادتهم.
وأوضح ان اقامة المستشفى يأتي في وقت تمنع فيه أمريكا المساعدات السياسية والمالية عن الشعب الفلسطيني، وتهدي ألأراضي الفلسطينية للمستوطنين، وتتآمر على القدس والمقدسات، وتفرض عقوبات مالية على الاقتصاد والمستشفيات والمؤسسات الفلسطينية، وتحارب وكالة غوث وتشغيل اللاجئين. وقال: ” لا يمكن لعاقل أن يصدق بأن هذا المشروع بريء من الشبهات والتسييس المعادي”.