بعد مقتل قنديل بالوش.. هل يتغير مسار محاكمات «جرائم الشرف»؟

حملوا أسلحتهم وبعد جلسات عديدة تم الاتفاق على كل شيء، المكان، الأدوات، تم استدراج الضحية، وحمل الشقيق الأصغر المسدس صوبه باتجاه شقيقته الكبرى بدون نقاش بعد لحظات غرقت في دمائها، تم كل شيء، وارتفعت الزغاريد، وتم تفرقة الحلوى بعد أن غسلت العائلة شرفها.

المشهد السابق ليس مشهدا سينمائيا، إنما هو ما يحدث فعلا في بعض الدول العربية باسم «جرائم الشرف»، والتي يرتكبها غالبا عضو ذكر في أسرة ما أو قريب ذكر لذات الأسرة تجاه أنثى في نفس الأسرة.

يقدم الجاني على القتل لأسباب تتعلق بارتكاب الأنثى المرأة أو البنت فعلا مخلا بالأخلاق، مثل الزنا والعلاقات غير الشرعية، ويزعم مرتكبو مثل هذه الجرائم، أن هذا تمّ من أجل «الحفاظ على الشرف»، أو ما يوصف في أوساط قبلية بعملية «غسل العار».

وتختلف أسباب الإقدام على مثل تلك الجرائم بحسب مناطق مختلفة من العالم، منها ما تكون بسبب اختيار المرأة الزواج من رجل من دين آخر، أو طائفة أخرى، أو عشيرة أخرى، أو من رجل لا يرضى به الأهل زوجا لها، أو بسبب قيامها بممارسة جنسية خارج إطار الزواج، أو قبل الزواج، أو لأنها أحبت، أو شوهدت مع شاب ما.

وتعد «جرائم الشرف» لدى العرب نوعا من «القربان» البشري، الذي تقدمه الأسرة للمجتمع المحيط تلبية لرغباته بضبط سلوك النساء وفق ما قرره هذا المحيط، ويحمل رسالة واضحة من القاتل وأسرته: «لقد قمنا بإزالة أسباب رفضكم لنا، فاقبلونا مجددا».

جرائم الشرف في العالم

وترتكب جرائم الشرف في المناطق الإسلامية من العالم، وتكثر في الدول الإسلامية، وخاصة مصر، وباكستان، والسعودية، ولبنان، والأردن، وسوريا، وتركيا، واليمن، وفلسطين تحت وطأة اعتقاد شعبي بأن الإسلام يدعم هذا القتل، وبسبب من الحماية القانونية التي توفرها بعض هذه البلدان للقتلة إذا أثبتوا أن دافعهم كان «شريفا»، وتعجز منظمات عالمية حقوقية عن الإدلاء بتقارير وإحصائيات دقيقة عن حجم جرائم الشرف بسبب التعتيم وعدم الإدلاء بالحقيقة.

عادة لا تأخذ هذه الجرائم هذا الاسم إلا في البلدان التي لديها نوع من الحماية القانونية تعفي القتلة من العقاب، مثلما هو الحال في بلدان مثل سوريا والأردن، حيث توجد في سوريا مادتان تحميان القتلة بهذا العذر، المادة 584، والمادة 192 من قانون العقوبات السوري.

آخر تقرير تنمية بشرية للأمم المتحدة لعام 2009 حول الظاهرة، كشف أن ضحايا «جرائم الشرف» في العالم سنويا هو 5000 امرأة، وفي الأردن، تشير الأرقام الرسمية إلى وقوع 15 إلى 20 جريمة قتل سنويا، ويشير تقرير الأمم المتحدة للتنمية الإنسانية العربية 2009 إلى أن عدد جرائم الشرف في مصر كان 52 جريمة في العام 1995، وفي العراق 34 جريمة في العام 2007، وفي الأردن 28 جريمة في العام 2005، وفي لبنان 12 جريمة في العام 1998 وفي فلسطين 31 جريمة في العام 2003.

جرائم الشرف عالمية

لا تقتصر جرائم الشرف على الدول العربية أو الإسلامية، فالعديد من القبائل والفلاحين حول العالم مازالوا متمسكين بثوابت ثقافية حول الشرف، مثل روسيا وإسبانيا والبرازيل، وبعض الدول الأوروبية والإفريقية وشرق آسيا ودول البلقان.

وفي بريطانيا كشفت الشرطة عام 2010، أن 2823 «جريمة شرف» ارتُكبت في المملكة، حسب إحصائيات صادرة عن 39 من أصل 52 مركزا وفرعا للشرطة في عموم البلاد.

وذكرت بي بي سي عام 2011، أن 8 مراكز شرطة سجَّلت خلال عام 2010 أكثر من 800 اعتداء لها لها صلة بجرائم شرف، أي بمعدَّل أكثر من 100 حالة اعتداء في كل مركز.

وسجَّلت شرطة العاصمة لندن أعلى نسبة من تلك الجرائم، إذ تم رصد 495 جريمة خلال نفس الفترة، تليها منطقة ويست ميدلاندز بـ378 جريمة، و350 في ويست يوركشير، و227 في لانكشير، و189 في مانشستر الكبرى، و153 في كليفيلاند، و118 في سوفولك، و117 في بيدفوردشير.

وفي الهند خلصت دراسة جديدة إلى أن مئات الأشخاص يقتلون سنويا بسبب وقوعهم في الحب أو زاوجهم عكس رغبة عائلاتهم، وتعود أشهر قصة جريمة شرف في الهند لعام 1991 حينما أحبت فتاة من طبقة اجتماعية شابا من طبقى أدني وهربا سويا بمساعدة ابن عمها الذي قتل معهما.

المهاجرون العرب

نقل المهاجرون العرب مشاكلهم الفكرية معهم نحو المجتمع الأوربي، ولم تعد جرائم الشرف تهدد الفتيات الصغيرات في الشرق الأوسط أو أمريكا اللاتينية فحسب، وإنما امتدت للمهاجرات الشابات في أوروبا، واللاتي يواجهن مشاكل التوفيق بين الثقافة المنفتحة التي يعشنها في أوروبا وعائلاتهن المحافظة.

باكستان.. الأولى في جرائم الشرف

لا يوجد قانون يعاقب مرتكب جريمة الشرف في باكستان، وتلقى سنويا عدد كبير من الفتيات والنساء حتفهم بسبب الشرف، حيث كشفت منظمة حقوقية باكستانية عن مقتل 1100 امرأة العام الماضي في جرائم شرف، وجاء في تقرير لجنة حقوق الإنسان المستقلة أن 900 امرأة أخرى تعرضن للعنف الجنسي، ونحو 800 انتحرن أو حاولن الانتحار.

ففي عام 2014 قتلت 1000 امرأة في جرائم متعلقة بالشرف، بينما شهد عام 2013 مقتل 869 امرأة في الجرائم نفسها، ويقول مراسلون إن عددا كبيرا من هذه الجرائم لا تعلم بها السلطات في باكستان.

قنديل بالوش

كان على باكستان أن تغير قوانينها منذ فترة طويلة، حيث تظلم النساء، لكن جاءت قنديل بالوش عارضة الأزياء الشبيهة بكيم كاردشيان، والتي قتلها شقيقها خنقا بسبب صورها عبر مواقع التواصل الاجتماعي لتحول نظرة القضاء في باكستان، فقد منعت السلطات الباكستانية أسرة الشابة قنديل بالوش من «العفو» قانونياً عن ابنهم، الذي قتل شقيقته خنقا في خطوة نادرة ضد جرائم الشرف المنتشرة في باكستان. 

https://youtu.be/aeAoiEuguCk?t=9

وقال مصدر بالشرطة، إن حكومة ولاية البنجاب منعت الأسرة تماما من العفو عن ابنها لقتل شقيقته، وهي الثغرة القانونية الشائعة الاستخدام، وتسببت في عدم معاقبة المتهمين في الكثير من جرائم الشرف في باكستان.

الأردن وسوريا

المجتمعات هناك تواجه أزمة حقيقية وتعد الأردن الأولى عربيا في جرائم الشرف، وفشلت الحكومات الأردنية المتعاقبة في الحد من ظاهرة جرائم الشرف التي يذهب ضحيتها سنويا فتيات كثر غالبا ما اكتشف الطب الشرعي بأنهن عذراوات.

قصص كثيرة تروى في المجتمع الأردني عن ضحايا جرائم الشرف حتى يكاد لا يمر شهر، إلا ويتفاجأ الرأي العام الأردني بجريمة شرف راح ضحيتها فتاة اكتشف الطب الشرعي عذريتها.

ومن أبشع القصص تلك الفتاة ذات السابعة عشر عاما، التي منعها والدها من الذهاب إلى المدرسة ثم قتلها، لأنها تحدث شابا في الهاتف، لكن بعد مقتل الفتاة تم كشف كارثة أخلاقية أخرى حيث اعترف الشاب الذي أحب الفتاة بأنها شكت له من اعتداء والدها الجنسي عليها، وبمواجهة الأب اعترف بجريمته.

ويتراوح المعدل السنوي لهذه الجرائم في الأردن ما بين 15 إلى 20 بذريعة الدفاع عن شرف مسلوب، ولم يتم تغيير قوانين العقوبات في جرائم الشرف بالأردن حتى الآن وتضطر محافظة العاصمة «عمان» للتعامل أحيانا مع مثل تلك القضايا، حيث يزوج الحاكم الإداري بعض الفتيات، سواء اللواتي وقع عليهن اعتداء جسدي أو شاركن بإقامة علاقة غير مشروعة مع شخص اخر. وفي مثل تلك القضايا يتم رفع المهر المؤجل وذلك كإجراء الزامي لحماية الفتاة.

يذكر أن منظمة العفو الدولية تناهض استخدام المواد القانونية المخففة للعقوبة في الأردن، وتحث المنظمة السلطات الأردنية على تعديلها.

تبقى مشكلة «جرائم الشرف» وعقوباتها المخففة على الجناة المحفز الأكبر لاستمرار تلك الجرائم في المجتمعات، خاصة في الشرق الأوسط، وعلى الرغم من الانفتاح والاختلاط بالمجتمعات يصر البعض عن عدم التخلي عن هذا الفكر، وتتخاذل البلدان في تعديل قوانينها لتبقى النساء في مواجهة الانتقام.