جمال زقوت يكتب: أين المنظمة والسلطة؟.. هدنة حماس من الانقسام إلى الانفصال

جمال زقوت

منذ سنوات و”مقاومة حماس” في قطاع غزة تتحول تدريجيًا و بانتظام إلى أداة لتكريس حكمها أكثر مما هي وسيلة لدحر الاحتلال. لقد تمكنت حماس خلال “حرب آيار 2021” من اختطاف هبة الشيخ جراح، والتضامن الدولي غير المسبوق معها ضد عنصرية الاحتلال في هذا الحي المستهدف بالاقتلاع والسيطرة الاستيطانية، ومعه عدد كبير من بيوت المواطنين في أحياء القدس المختلفة المهددة بالهدم والمصادرة، الأمر الذي كشف في نفس الوقت قلة حيلة كل من المنظمة والسلطة في إدارة المعركة بأي من أبعادها الجماهيرية أو السياسية والدبلوماسية أو حتى الإعلامية.

 

عادت حماس منذ تلك الحرب إلى مشروعها الأصلي، مُدَّعِيةً حقها الحصري في تمثيل الشعب الفلسطيني. وحتى تسوق لهذه المقولة امتشقت مجددًا “عقلانيتها” التي طالما انفردت بها حركة الإخوان المسلمين منذ انطلاقة الثورة في الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي. بالتأكيد ليس المقصود هنا الدعوة لاستمرار “الحرب”، بما يعني استمرار العدوان وجرائم القتل والتدمير التي تقوم بها حكومات الاحتلال الإسرائيلي دومًا بذريعة تختلقها أو بدونها. ولكن الواجب والمسؤولية يقتضيان تسليط الضوء وإجراء حوار هادئ حول مضمون الهدف الحقيقي الذي تريده حماس من ناحية، وتسعى إليه إسرائيل من الناحية الأخرى، في ظل غياب مطلق ومريب لمنظمة التحرير والسلطة الوطنية والفصائل المنضوية في إطارهما. هذا في وقت تعتبر فيه المنظمة نفسها الممثل الشرعي الوحيد، كما تؤكد السلطة أنها تمثل الشرعية .

 

لقد اتضح الهدف الإسرائيلي بصورة جلية بعد ثلاثة حروب محدودة شنتها حكومة الاحتلال، مستفردة بحركة الجهاد، و”مُحيِّدةً حركة حماس”، بالرغم من محاولاتها تضليل العالم والمجتمع الإسرائيلي ذاته بأنها في حروبها ضد الجهاد تسعى لتصفية “إرهاب الجهاد” وقدراتها العسكرية، وما تسميه “الخطر الإيراني” على تخوم خطوطها الجنوبية مع قطاع غزة. إلا أنها في حقيقة الأمر كانت في نفس الوقت تفحص وتراقب مدى التزام حماس بتفاهمات “المال والاقتصاد مقابل الأمن والهدوء”، الأمر الذي يبدو أنه يترسخ يوميًا كخيار متنام من قبل إسرائيل، وقد بدأ عدد من كتّاب الرأي في إسرائيل يُروّجون لهذه المقولة، ويطالب بعضهم “جاكي حوجي- معاريف” باعتماد هذه التفاهمات كخيار استراتيجي وكونه السيناريو المفضل لإسرائيل لمرحلة ما بعد الرئيس عباس، وما قد يرافقها من احتمال تفكك أو انهيار السلطة في صراع الطامعين بوراثة الخلافة وفق متابعتهم لواقع السلطة ومراكز القوى فيها .

 

تطلعات وأطماع حماس للسيطرة على التمثيل والمنظمة ليست جديدة، ولكن الأهم هو ما لم يُلتَفت إليه لغاية الآن، وهو غياب أو تَغَيُّب المنظمة والسلطة عن القيام بأي من مسؤولياتها لمعالجة معضلات التمثيل التي تواجه شرعيتهما المتآكلة، سواء بالمراجعة، أو العودة للشعب وحقه الدستوري، أو الإقرار باستحالة الاستمرار في احتكار وادعاء الانفراد بالتمثيل، بينما قوى رئيسية لا تزال خارج مؤسسات الوطنية الجامعة، سيما في ظل ارتفاع منحنى تراجع التأييد لهما في الشارع الفلسطيني، والأهم في ظل تفكك الحركة الوطنية وتغييب المنظمة لدورها في الدفاع عن المصالح العليا للشعب الفلسطيني وقيادتها للكفاح الوطني في مواجهة مشاريع الاحتلال لتصفية قضية شعبنا.

 

هذه الحقائق بمجملها، وبما تعنيه من استمرار الانقسام هي المحرك الأساسي لأطماع الحكومات الإسرائيلية لتصفية المشروع الوطني، وتسارع وتائر الضم للضفة الغربية على يد حكومة سموتريتش – بن جفير برئاسة نتانياهو، وهي أيضًا الركيزة الأساسية لإحياء توجهات حماس للسيطرة على التمثيل، وما يرافقها من خطط الانفصال بغزة، وربما انتظار فرصة لمد سلطتها لكانتونات الضفة، حيث بات كلاهما، أي انفصال غزة وترسيخ “كانتونات ضفاوية للمدن الكبرى”، يشكل اللعبة الوحيدة على طاولة البحث الاستراتيجي لحكومة الاحتلال، باعتبارها تشكل الضربة القاضية للمشروع الوطني التحرري، وهي تمسك بخيوط ترسية عطاءات مثل هذه المشاريع لمن يلبي شروط الطاعة ويفوز بمزادها الأمني.

 

في هذا السياق يمكن النظر لحوارات حماس ومحاولات احتواء الجهاد في القاهرة. فالبحث في شروط ما يسمى بالهدنة طويلة الأمد، والتي تتوج من وجهة نظر إسرائيلية عملية تحوّل “مقاومة حماس” إلى معول لضرب كيانية المؤسسات التمثيلية، وتصفية إمكانية إقامة دولة فلسطينية مستقلة في الضفة والقطاع المحتلين منذ الخامس من حزيران 1967. وطالما الأمر كذلك، فإن كل ما يقال عن نتائج لزيارة الرئيس أبو مازن للصين حول مبادرة لإحياء عملية السلام من خلال مؤتمر دولي، فإن استراتيجية عمل السلطة والمنظمة لن تتجاوز استمرار اللهاث وراء سراب تسوية سياسية لن تأتي، طالما السائد هو الانقسام وخطر الانفصال وتفكك عناصر القوة الفلسطينية.

 

صحيح أن قطاع غزة بحاجة فورية ومنذ سنوات لخطة إنعاش اقتصادي تعالج آثار الحصار الإسرائيلي المدمر على حياة شعبنا في القطاع. ولكن هنا تبرز مجموعة من الأسئلة، أولها حتى لو وافقت إسرائيل على كل شروط حماس الاقتصادية، فهل ذلك سيكون كافيًا لمعالجة الآثار المدمرة للحصار والحروب التي شنتها إسرائيل على القطاع؟.. الجواب على هذا السؤال قطعًا بالنفي، سيما وأن التجربة ذاتها تقول إن مفتاح تطبيق هذه الشروط سيظل بيد إسرائيل، وهي قادرة على إغلاق الباب في أية لحظة، بل وأن تبقيه أداة ابتزاز مفتوحة لتحقيق كامل مشروعها التصفوي. أما السؤال الآخر فهو: هل يستطيع من يدير ظهره للقطاع أن يتعامل مع هذا التحدي في وقت يمتنع فيه عن إطلاق أي مبادرة أو الاستجابة لصوت العقل وللنداءات والمبادرات التي تدعوه لإعطاء الأولوية لاستعادة الوحدة، بما يحشر توجهات حماس واحتواء مخاطرها؟.. ثم لماذا يتهرب الطرفان من الإقدام على الممكن والمتوفر فيما يضع معالجة أزماتنا في أيدينا من خلال ترتيبات انتقالية تصون وحدة شعبنا وانجازاته، وتضع المعالجات الاقتصادية والإدارية في يد حكومة وحدة انتقالية لتضميد جراحات الناس وعذاباتها في إطار وطني يحترم مواطنة وإنسانية الناس وحقوقهم، ويدعم قدرتهم على الصمود تمهيدًا لإجراء انتخابات عامة شاملة؟.. من يريد إنهاء الاحتلال وإقامة دولة مستقلة وانتزاع حق تقرير المصير، فممره الإجباري الوحيد هو صون وحدة الكيانية الوطنية، وليس الانزلاق نحو كانتونات فئوية انفصالية وامتيازات المتصارعين على الوراثة .

 

إن معالجة معاناة شعبنا في القطاع، واستنهاض مقاومته المشروعة ضد الاحتلال والاستيطان وتهويد القدس المحتلة يمر عبر طريق واحد، وهو استعادة الوحدة وإعادة الأمل لشعبنا. الوحدة ذاتها هي التي تغلق باب الأطماع الإسرائيلية في الاستفراد بشعبنا وقضيته، وتفتح باب طريق الحرير الذي يُمكن أن تلعبه الصين وغيرها من قوى النظام الدولي قيد التشكل. وإلا، كما دفعنا ثمن النظام الدولي بعد الحرب العالمية الثانية بنكبة عام 48، فإن تخاذل الأطراف المهيمنة على المشهد الانقسامي لجهة استخلاص عِبَر ودروس التاريخ سيكون نكبة جديدة، فهل سيسمح شعبنا بتمريرها مرة أخرى؟.

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]