جمال زقوت يكتب: الحرب الروسية الأوكرانية ومستقبل فلسطين المحتلة

جمال زقوت

جاء حديث زعيم التقدميين في الحزب الديمقراطي الأمريكي السيناتور بيرني ساندرز بما لا يعفي الولايات المتحدة من دورها في تأجيج الصراع الروسي الأوكراني، مذكرًا بأزمة الصواريخ النووية السوفييتية في كوبا عام 1962، والتي كادت أن تضع العالم أمام حرب نووية. هذا الكلام من ساندرز يكشف تمامًا أن جوهر الأزمة وطابع الحرب الدائرة، حيث وكما يبدو من تداعياتها التي تجري على الأرض الأوكرانية ويدفع ثمنها الشعب الأوكراني، فإنها تدور بجوهرها حول طبيعة النظام الدولي الذي يجري الصراع على الانتقال به من نظام أحادي القطب تقوده الولايات المتحدة منفردة، أو متعدد الأقطاب كما يسعى الاتحاد الروسي ومن خلفه الصين وبحذر شديد الهند وكلاهما دول عملاقة سيما الصين الشعبية.

 

لقد دأبت الولايات المتحدة ومنذ انهيار الاتحاد السوفييتي، سيما بعد الطريقة المذلة التي قاد فيها كل من غورباتشوف وبعده يلتسين عملية تفكك الدول السوفييتية، على التعامل مع روسيا كدولة مهمة، ولكن طالما اعتبرتها مجرد دولة إقليمية، وليس من حقها المشاركة في تقرير مصير النظام الدولي أو التدخل في معالجة الأزمات الدولية، وطالما كانت استراتيجيتها ترتكز على منع روسيا الاتحادية من لعب أي دور في السياسة الدولية، وتفاقمت هذه المعادلة من وجهة نظر أمريكية، بعد اتضاح القفزات الهائلة في الاقتصاد الصيني والاستحقاقات السياسية التي ستصاحب هذا التغير الكوني في العلاقات الدولية، سيما في ظل التقارب الصيني الروسي والذي بالتأكيد يدفع تبلورا نحو نظام عالمي جديد.

 

السؤال المهم والذي يحتاج إلى نقاش جدي وهادئ هو: هل الولايات المتحدة ومعها دول الناتو وخاصة بريطانيا سعت إلى استدراج روسيا لفخ حرب كبرى في أوكرانيا، بحيث تستنزف القوة الروسية الصاعدة، سيما في ظل الطموحات المتنامية لدى الرئيس بوتين شخصيًا، والذي كما يقولون إنه لم يخض حربًا إلا وانتصر فيها، وما ولده ذلك من شعور بالعظمة، بالإضافة إلى أنه نجح في استعادة مكانة روسيا وشعور الروس بالكرامة الوطنية والاعتزاز العالي بالقومية، وربما المبالغ بها حد الشوفينية أحيانًا، بعد أن سعت الولايات المتحدة وحلفاؤها دون ذلك كله.

 

أما السؤال الآخر فهو: هل بوتين واثق من نتائج هذه الحرب، طالما أن الولايات المتحدة وحلفاءها الأوربيين لن يخوضوا حرب أوكرانيا، بل أن واشنطن ولندن يتعاملان مع هذه الحرب على أنها تجرى على أرض بعيدة عن بلديهما، حتى لو امتدت لباقي دول أوروبا، وأن تأجيج هذه الحرب سيخدمهما على المديين المتوسط والبعيد، سيما إذا نجحت العقوبات الاقتصادية وتداعياتها في نقل الحرب لتشمل الشعب الروسي وتدفيعه الثمن اقتصاديًا، سيما النخبة الاقتصادية من حلفاء بوتين الذين يهيمنون على معظم الثروة الروسية، ناهيك أن جونسون، ربما يتعامل بعقلية ثأرية مع أوروبا بعد خروجه من الاتحاد الأوروبي والنزعة الشوفينية في علاقته معها، والتي تتعمق في بلده يومًا بعد الآخر، فتصريحاته لا تدل سوى على مصلحة مباشرة لبريطانيا بالتحريض على استمرار الحرب وتأجيج نيرانها.

 

إلى أين ستصل هذه الحرب وتداعياتها؟.. هذا ما ستكشفه الأيام والأسابيع القادمة، فروسيا لا تستطيع أن تتراجع دون تحقيق الاهداف المباشرة، سيما حيادية أوكرانيا ومنعها من دخول حلف عسكرى مناهض لها، بما في ذلك ضبط إن لم يكن سحب سلاحها الاستراتيجي الثقيل؛ في وقت أن أوكرانيا لا تمتلك أمر قرارها من هذه الشروط دون التنسيق الكامل مع الغرب، والذي كما يبدو يتصرف بطريقة من لاحت له فرصة إغراق روسيا في وحل حرب طويلة في بلد مجاور يبلغ سكانه أكثر من خمسين مليونا، وتتنامى في داخله النزعات القومية والتي ستؤججها هذه الحرب حد الشوفينية .

 

الأمر الآخر الذي بات واضحًا أن واشنطن ليست مستعدة للتدخل المباشر، وهذه استراتيجية واضحة في علاقاتها الدولية سواء من خلال النموذج الأفغاني أو العراقي، فهي تنكفئ عسكريًا على نفسها وتخوض حروبها العسكرية والاقتصادية على أرض وبلدان وشعوب غيرها. هذا هو التحدي المطروح على الدول العربية والشرق أوسطية؛ وغير معلوم مدى قدرة هذه الدول على استخلاص عبر هذا الدرس وإعادة بناء استراتيجيتها في المنطقة.

 

أمّا بكين، والتي كما يبدو قدمت وعودًا لموسكو، فهي حريصة على عدم الانجرار المباشر سواء عسكريًا أو اقتصاديًا في هذه الحرب، والسؤال: هل ستتركها الولايات المتحدة تدعم موسكو عن بعد، خاصة أن هذه الحرب كما يبدو قد مُهد لها كي تستهدف أيضًا بكين وقوتها الصاعدة إن آجلًا أم عاجلًا؟.

 

الشئ المهم أننا نحن الفلسطينيون، والذين نكتوي من نار الاحتلال والقتل والاستيلاء على أرضنا ومواردنا، ومحاولات إسرائيل المستميتة لمنعنا من ممارسة حقنا في تقرير المصير، وكضحايا القرن من العنصرية الصهيونية، فمحظور علينا الابتعاد عن هذه القيم، بل وضرورة التمسك بها وبكل قواعد القانون الدولي، سيما عدم جواز احتلال أراضي الدول والشعوب الأخرى بالقوة المسلحة، فنحن شعب ذاق الأمرين من ازدواجية المعايير في التعامل مع هذه المبادئ التي عادت اليوم، وبغض النظر عن أهدافها، لتحتل أولويات الشعوب المناهضة للحرب، هذا بالإضافة إلى أن كلا الشعبين الروسي والأوكراني لطالما وقفا مع حقوق شعبنا كما سبق وأرستها الثقافة الشعبية في الحقبة السوڤييتية، رغم تباين موقف الحكومتين الروسية والأوكرانية الراهن من السياسات الإسرائيلية ضد شعبنا، حيث حافظت الدبلوماسية الروسية على التقاليد السوڤيتية في دعم الحقوق المشروعة لشعبنا، بل و سعت من أجل استعادة الوحدة الفلسطينية، كعنصر حاسم لتمكين الفلسطينيين من نيل حقوقهم، إلا أن موسكو وكييف تربطهما علاقات مصالح كبرى مع إسرائيل، لدرجة أن موسكو لن تذهب بعيدًا في محاسبة إسرائيل على وقوفها مع واشنطن، وهذا ما أكدته موسكو إزاء مستقبل تنسيقها الأمني مع إسرائيل حول سوريا.

 

هذا الدرس يفرض علينا توخي شديد الحذر والتمسك بمبادئ القانون الدولي، والدعوة لحل النزاعات بالطرق السلمية والحوار وليس بالقوة العسكرية واعتبار حق الشعوب في تقرير مصيرها مبدأً غير خاضع للمساومات، فبدونه ودون وحدة الشعوب من أجل الحرية والسلام، قد تصبح قضية شعبنا مرة أخرى الضحية في ظل أي احتمال قد ترسو إليه هذه المعركة الكبرى على مستقبل قواعد النظام العالمي الجديد، والتي قد تطول وتمتد لسنوات عديدة.

 

دعونا نصلى لوقف هذه الحرب وصون دماء وحياة وممتلكات الأبرياء .

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]