جمال زقوت يكتب: محنة الحرب في أوكرانيا فرصة لتفكيك خطاب النفاق الدولي

يوميًا تكشف تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية سيما ما يخص شدة وطبيعة العقوبات التي يفرضها ما بات يمكن تسميته بالغرب على روسيا، مدى تورط هذا الغرب بالنفاق السياسي وازدواجية المعايير إزاء الصراعات الدولية و الحروب الإقليمية، وقضايا الاحتلال الأخرى خاصة في فلسطين.

ففي الوقت الذي تصعِّد فيه الولايات المتحدة وبريطانيا وحلفائهما في أوروبا وغيرها من طبيعة العقوبات التي تفرضها على روسيا، حيث لم تبُقِ شيئًا من المعاملات والمصالح الثنائية والمتبادلة خارج تلك العقوبات، والتي لم تقتصر على الشأنين الاقتصادي والسياسي، بل تعدتهما إلى قضايا الأدب والفنون و الرياضة، ومختلف مناحي الحياة الإنسانية الأخرى التي تشى برغبة هذا الغرب على شطب الهوية الروسية كشعب، فهم جميعًا يبلعون ألسنتهم إزاء ما تمارسه إسرائيل من جرائم يومية وانتهاكات خطيرة.

إن هذا السلوك الرافض للغزو الروسي لأوكرانيا، واعتباره احتلالًا عسكريًا وارتكاب جرائم حرب، كان يمكن أن يكون عاديًا لو كان يصدر عن دول أو مجموعات دولية سبق وأن اتخذت ذات المواقف من قضايا حروب أخرى وجرائم حرب وصلت حد التطهير العرقي في فلسطين منذ نكبة عام 1948، حيث تم حينها اقتلاع أغلبية الشعب الفلسطيني من بيوتهم و تسليمها لليهود القادمين من دول أوروبا وغيرها في إطار ما عرف بالهجرة اليهودية الصهيونية لإنشاء «دولة إسرائيل»،التي تسابق العالم ليس فقط للاعتراف بها، دون اكتراث بالجرائم التي ارتكبتها العصابات الصهيونية خلال حرب النكبة، أو تجاهل مسؤولياتها لتنفيذ الجزء الثاني من قرار التقسيم المتعلق بإقامة دولة فلسطين، حيث سرعان ما تم ترسيم حدود إسرائيل في اتفاقية رودس مع كل من مصر والأردن وسوريا ولبنان بما تجاوز حدود قرار التقسيم، باعتبارها خطوط هدنة دون أي اكتراث بالشعب الفلسطيني الذي تم اقتلاعه من أرضه أو بالخطوط التي أشار اليها قرار التقسيم، وقبل ذلك دون اكتراث لحضور الفلسطينيين أنفسهم وإنشاء دولتهم التي نص عليها القرار ذاته، الأمر الذي شكل بداية محاولات طمس الهوية والوجود الفلسطينيين بإرادة دولية لم تكترث منذ بداية المأساة الفلسطينية لقواعد الشرعية والقانون الدولي، و لا للقرار رقم 181 لعام 1947 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة. وبدلاً من أن تُواجَه إسرائيل بأي عقوبات على ذلك، فقد تم تقديم المساعدات الاقتصادية والسياسية والعسكرية بما في ذلك تمكينها من انشاء مفاعلًا نوويًا وانتاج قنبلة نووية.

وباحتلال إسرائيل لباقي الأرض الفلسطينية عام 1967 “قطاع غزة الذي كان تحت الإدارة المصرية، والضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية التي تم ضمها للأردن”، استكملت إسرائيل احتلال كامل فلسطين الانتدابية، دون أن يجرى مساءلتها على رفض الانسحاب الفوري وفقًا للقرار 242، وعدم التزامها بأي من قرارات الأمم المتحدة أو اتفاقيات جنيف بما فيها اتفاقية جنيف الرابعة، بل ولم تكترث لجميع القرارات المتعلقة بالقدس و الاستيطان وسياسة القتل و هدم المنازل وغيرها من جرائم الحرب، كما لم تكترث للتقارير الصادرة عن المنظمات الدولية وآخرها تقرير أمنستي الذي يصنف جرائمها ضد الشعب الفلسطيني كجرائم حرب، بل واعتبرها نظام دولة يمارس سياسة الأبارتاهيد.

ذلك كله دون أن يتحرك المجتمع الدولي لمعاقبة إسرائيل أو مساءلتها، و الأخطر من ذلك فإن سياسة المجتمع الدولي إزاء إدارة المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية وفق قاعدة “جلب الذئب والحمل” التي اعتمدها المجتمع الدولي، بالإضافة للاستمرار في طلب تقديم التنازلات من الطرف الأضعف أي الفلسطينيين، حتى بات التفاوض دون أي مرجعية سوى ما تقبل به أو ترفضه إسرائيل الاحتلالية.
هكذا استمرت عملية التفاوض لعقدين وأكثر، حتى باتت حكومة الإجماع الاستيطاني ترفض ليس فقط التسليم بالحقوق الفلسطينية كما عرفتها الشرعية الدولية، بل وترفض مجرد التفاوض، بل ويرفض رئيسها المستوطن أيضًا مجرد ذكر فلسطين والفلسطينيين، وعلينا نحن الفلسطينيون وفق سياسات الغرب أن نتفهم حالة حكومة إسرائيل وخطر حلها، بأن نقبل أو نصمت على ممارسات التهويد والاستيطان و القتل والاعتقالات اليومية هذا بالاضافة لحصار قطاع غزة المستمر منذ حوالي عقدين.

بينما وخلال مدة لم تتجاوز الشهر، فإن دول الغرب بزعامة واشنطن ولندن لم تبق ثغرة أو نافذة إلا وأغلقتها عقابًا لموسكو على اجتياح أوكرانيا واحتلالها بالقوة المسلحة، و كأن القانون الدولي يجري التعامل معه بنسختين، الأولى هو ما تمارسه دول الغرب في الحرب الروسية الأوكرانية، وأما النسخة الثانية فهي مفصلة لشعب فلسطين ومتطلبات تكريس إسرائيل كدولة فوق القانون.

انفضاح أمر هذه الازدواجية أمام الرأي العام الدولي تشكل فرصة ربما غير مسبوقة لنا نحن الفلسطينيين من أجل القيام بأوسع حملة كونية لمطالبة المجتمع الدولي أولًا للتوقف عن هذه المعايير المزدوجة، و لتحمل كامل مسؤولياته بمساءلة إسرائيل على جرائمها والانسحاب الفوري من الأرض الفلسطينية المحتلة.

من الواضح أن حكومات الغرب بقيادة الولايات المتحدة وبريطانيا، واللتان لا تخوضان معركتهما ضد روسيا الاتحادية انتصارًا لحقوق الشعب الأوكراني، بقدر ما هي لتحطيم مكانة روسيا التي أوقعت نفسها في الفخ الأمريكي؛ لن تنصاعا بسهولة لمثل هذه الحملة، كما أن الطريق للنجاح في هذه المعركة ليس معبدًا أو مفروشًا بالورود ولكنه أيضًا ليس مستحيلًا إذا ما توفرت عددا من الشروط، يأتي في مقدمتها توحيد الحالة الوطنية الفلسطينية بإنهاء الانقسام، والاتفاق على خطاب سياسي موحد على الصعيدين الرسمي والشعبي ينطلق من التمسك الحازم بمبادئ القانون الدولي وعدم جواز احتلال أراضي الغير بالقوة العسكرية، وعدم اللجوء لمثل هذه القوة لحل النزاعات بين الدول واحترام حق الشعوب في تقرير مصيرها، والأمر الثالث يتمثل في العمل بكل السبل لاستعادة الثقة بين الشعب وقيادته، وما يتطلبه ذلك من مشاركة كافة القوى في صنع القرار السياسي للمنظمة، وتحمل مسؤولية مشتركة للتخفيف من أعباء حياة الناس، وتعزيز قدرتها على الصمود عبر حكومة وحدة وطنية، و الاتفاق على موعد إجراء الانتخابات العامة بمستوياتها الثلاث، وترميم العلاقة مع حركات التضامن الأممي والقوى والاحزاب المساندة لحقوق شعبنا وذلك في إطار استراتيجية عمل مشتركة جوهرها كشف قناع النفاق الدولي وازدواجية المعايير والمطالبة بفرض ما يجب من عقوبات لإلزام حكومة الاحتلال الإسرائيلي بالانصياع لإرادة شعوب العالم وأسس القانون الدولي، وفي مقدمتها الانسحاب الكامل من الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة، و الإقرار بالحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني سيما حقه في العودة وتقرير المصير.

إن الحياد في الأزمة الأوكرانية الروسية يجب ألا يعني الصمت و الاختباء وراء أصابعنا، و ترك مجرمي الحرب في إسرائيل ليقدموا أنفسهم كوسطاء من أجل التوصل لحل هذه الأزمة. فالشعوب الأوروبية، والتي تجعلها هذه الحرب الضحية المباشرة لنتائجها الاقتصادية والسياسية و الاستراتيجية، تدرك تمامًا حالة النفاق التي تمارسها حكوماتها، كما باتت وبمرور أكثر من شهر على اندلاعها، ليس فقط ضحية الآثار الاقتصادية المباشرة على حياتها، بل و ترى بأم العين التمييز غير الانساني الذي تمارسه دول جوار أوكرانيا بين اللاجئين من أوكرانيا” الأوكراني وغير الأوكراني” تمامًا كما تمارس إسرائيل ذلك التمييز بين هؤلاء اللاجئين أي بين اليهود منهم أو غير اليهود.

إن الرأي العام و الذي ستزداد نقمته على هذه الحرب وأطرافها المباشرين وغير المباشرين تدريجيًا، وبالقدر الذي سيدفع فيه كلفة هذه الحرب والعقوبات المصاحبة لها، يشكل حليفًا موضوعيًا لمراكمة التحولات الاستراتيجية في الرأي العام الدولي وما يوفره من نوافذ تأثير واسعة، وما تستدعيه من آليات عمل غير تقليدية.

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]