جمال زقوت يكتب: مستقبل الحركة الوطنية.. بين فكي الفشل والبديل الانقسامي

جمال زقوت

بات واضحاً أن مأزق الحركة الوطنية الراهنة دخل مرحلة اللا عودة، ويتحول بصورة تدريجية إلى حالة من التفكك غير القابلة للجبر، ذلك ليس فقط جراء فشل برنامجها الذي قادته منظمة التحرير لعقود طويلة لإنجاز التحرر الوطني، وإصرارها على المضي في طريق الفشل هذا، والذي بات فخاً في رمال وهم إمكانية تحقيق التسوية في المدى المنظور، بل وبفعل تخليها عن طابعها التقدمي وعن التعددية السياسية والفكرية.

كل هذا بعد أن كانت قد مثلت ائتلافاً وطنياً عريضاً وفق منظور مقبول وعملي للشراكة في صنع القرار الوطني والعمل على صونه.

لكن، وللأسف، تغير واقع الحال لصالح بنية سلطوية احتكرت الموارد والقرار، وفشلت في تحديد دورها وفلسفة الحكم المترتبة على ذلك لإحكام الربط بين مهمتي استكمال التحرر الوطني، وبناء المؤسسات القادرة على كسب ثقة الناس وتعزيز صمودها وتمكينها من الانخراط الواسع في مناهضة الاحتلال، وما ألحقه ذلك وما يزال من اتساع عزلة قوى المنظمة والسلطة عن حاضنتها الاجتماعية، حيث باتت غير ذات صلة بضخامة المهام الماثلة أم الشعب الفلسطيني، سيما في ظل التطورات غير المسبوقة في طبيعة الصراع مع حكومة الاحتلال العنصرية والفاشية في إسرائيل.

الصراع على التمثيل

على الجانب الآخر للقوى المهيمنة على المشهد، ورغم اتساع نفوذ حركة حماس والقوى التي تسير في ركبها جراء فشل المشروع الوطني للمنظمة، وانتعاش الفكر الأصولي بفعل التحولات الدولية والإقليمية، وفشل القوى الديمقراطية العربية والفلسطينية في تقديم البديل الديمقراطي إزاء هذه التحولات، إلا أن المشروع الإسلاموي الذي قادته حركة حماس وصل أيضاً إلى طريق مسدود.

فقد ظلت حماس رهينة استراتيجيات حركة الإخوان، ولم تنجح بعض المحاولات التي قادها بعض رموز التيار الوطني في الحركة للاندماج في بنية ومهام الحركة الوطنية، وظلت نزعات السيطرة على التمثيل الفلسطيني واستبدال المنظمة بحماس هي السائدة، ساعدها على ذلك إحجام التيار المهيمن على المنظمة والسلطة عن استيعاب المتغيرات في موازين القوى الداخلية، وإصراره على استمرار الهيمنة المنفردة بالمصير الوطني، بالإضافة لتسارع حالة التفكك وتَعَمُق حالة الفشل، وبما ينذر باحتمالية انهيار السلطة، سيما في ظل استعار وهم حماس على إمكانية الاستيلاء على السلطة عبر إثبات القدرة على الوكالة الأمنية مع حكومة الاحتلال، ومد مشروع حكمها لكانتونات الضفة واحتمالية تساوقها مع ذلك كواحد من السيناريوهات الإسرائيلية في المرحلة القادمة. فالعقيدة الإخوانية التي ما زالت تهيمن على القرار الحمساوي هدفها السيطرة على عقول الناس، والاحتفاظ بالسلطة لتحقيق ذلك، وكاستمرار لما كان يعرف بالمجتمع البديل، وهي خارج مؤسسات الحكم.

لعبة الانقسام والصراع على الحكم والتمثيل ظلت الأمر الوحيد الذي تمسك به إسرائيل كمن يمسك بأدوات مسرح الدمى، ولعل هذا الأمر، أي انشغال الحركة الوطنية الراهنة في الصراع الداخلي الذي تتحكم إسرائيل بأدوات استمراره، شكل السبب الرئيسي ليس فقط لتفكك الحركة الوطنية وانسداد برنامجي طرفيها المتناقضين والمهيمنين، بل وقد كان السبب الأهم لتصاعد الأطماع العنصرية للنظام السياسي في إسرائيل وحكوماته المتعاقبة، واعتقاده بإمكانية حسم الصراع بتفكيك الحقوق والقضية الوطنية معاً.

إرهاصات إعادة بناء الحركة الوطنية

إن أي محاولة لإعادة بناء الحركة الوطنية، وفي ظل انسداد احتمالات نجاح ما يسمى بالحوار الوطني والمصالحة، بما في ذلك الجهود التي بذلتها وما زالت تبذلها الجزائر الشقيقة، يجب أن تنطلق من تحليل دوافع وطابع الإرهاصات الوطنية والاجتماعية التي جري ويجري التعبير عنها في العقد الأخير، وتحديدا منذ العام 2015، والبناء عليها. فتلك الإرهاصات تتسم باللا فصائلية والانفضاض عن حالة الجمود والتكلس التي تسود معظم أطراف الحركة الوطنية، وتخليها عن دورها الوطني والاجتماعي في آن، كما أن هذه الإرهاصات والحراكات الوطنية والاجتماعية التي تتراوح رسالتها بين رفض هذا الواقع والاحتجاج على آثاره الاجتماعية والاقتصادية والحقوقية التي باتت تمس حياة الأغلبية الساحقة للشعب، وتضعف قدرته على الصمود والبقاء، خصوصا في ظل تفشى ظواهر الفساد والسيطرة الفئوية على الموارد، لم تنجح حتى الآن في بلورة بديل واقعي، رغم أنها نجحت وبقوة في طرح سؤال هذا البديل، فدعوة بعض هذه الحراكات والإرهاصات لإضراب شامل من البحر للنهر في مايو/ أيار 2021 حظيت باستجابة غير مسبوقة من الشعب الفلسطيني، وقد تكرر الأمر ذاته مع دعوة مجموعة “عرين الأسود” للإضراب العام، حيث لقيت هذه الدعوة استجابة مطلقة وشاملة في أرجاء البلاد.

سؤال البديل

من الواضح تماماً، أن سؤال البديل لهذا الواقع بما في ذلك سؤال إعادة بناء الحركة الوطنية بات سؤالاً طاغياً وتتصاعد أهميته في ظل المخاطر الوطنية الداهمة، وما قد يصاحبها من حالة انهيار وفوضى على حساب المصير الوطني والفئات الشعبية، في القرى والمخيمات والأحياء الفقيرة في المدن، التي أفقرت بفعل سياسات الاحتلال من ناحية وبفعل ما رافق الانقسام من ظواهر الفساد والمحسوبية وغياب المساءلة البرلمانية والمجتمعية على حد سواء.

السؤال المباشر الذي علينا أن نتصدى له حول مدخل إعادة بناء الحركة الوطنية، ومن هي القوى المؤهلة لتحمل المسؤولية التاريخية لإنجاز هذه المهمة وكيف؟.

وهل مدخل الدفاع عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والحقوق المدنية بشكل عام يشكل بوابة الإجابة عن هذا السؤال، سيما في ظل تخلي الحركة الوطنية عن دورها الملموس في هذا المجال، وهل يمكن التصدي لهذه المهمة بدون بلورة أدوات فاعلة، وهل يمكن لتلك الفئات الاجتماعية الصمود في وجه مخططات الاقتلاع والتهجير ومخططات إحكام السيطرة الإسرائيلية على الأرض والموارد، دون توفير ولو الحد الأدنى من متطلبات هذا الصمود وفي مقدمته الأمل والثقة بامكانية التغيير؟ أم أن الكفاح الوطني وتوسيع نطاق المقاومة الشعبية وبناء أدوات الكفاح الميداني الموحدة يمكن أن تشكل وحدها المدخل لإعادة بناء الحركة الوطنية وبرنامجها الوطني؟.

أم أنه وفي الحالة الفلسطينية لا يمكن الفصل بين الوطني والاجتماعي.. بين التحرر الوطني والبناء الديمقراطي، أي بين الكفاح الموحد ضد الاحتلال، ومتطلبات تعزيز القدرة على الصمود في مختلف الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية “الصحة والتعليم والثقافة الوطنية” والقضاء والحقوق المدنية بصورة عامة.

إن مدخل الربط يستدعي التوقف عن اجترار التجارب الفوقية التي لم تغادر أقفاص الحوار أو حتى الأنشطة النخبوية، والثقة بقدرة القوى الاجتماعية الناهضة، سيما في أوساط الشباب والنساء، والالتفاف حولها والإمساك بيدها، بما يساعدها في تطوير حراكاتها الاجتماعية والكفاحية المتدرج من طابعها المحلي المحدود إلى الطابع الوطني الشامل كخطوات أساسية في سياق إعادة بناء وتنظيم القاعدة الاجتماعية لهذه الحراكات في إطار حركات اجتماعية شبابية ونسوية ومهنية موحدة تربط كفاحها الاجتماعي التقدمي بالكفاح الوطني ضد الاحتلال، وتشكل بمجملها البنية التحتية لإعادة بناء الحركة الوطنية ومؤسساتها الجامعة في الوطن وتجمعات اللجوء.

ويظل السؤال الأكثر تعقيداً وهو هل يمكن في ظل تصاعد عدوانية المحتل أن يجري تظهير النضال الاجتماعي في هذا السياق وكيف؟

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]