في ذكراه المئوية..جمال عبد الناصر يكتب: يوميات من حرب فلسطين

حلال مشاركته في حرب فلسطين 1948 كتب الزعيم العربي جمال عبد الناصر، يوميات عن الحرب، كشف خلالها أجواء ومناخ المواجهة العربية «المشتتة» مع العدو الصهيوني، مشيرا إلى مناورات دولية وغياب القرار العربي، وعجز الإرادة السياسية العربية .. وتحت وهج نيران المعركة بدأ تخطيط «ناصر» لتشكيل تنظيم الضباط الأحرار، لإنقاذ مصر من وضعها المتردي ،واستنهاض إرادة الأمة العربية.

 

وفيما بلي نص ما كتبه جمال عبد الناصر في يومياته: 

إن الحرب يجب أن تكون حرباً. والقائد في الميدان يجب أن يتصرف طبقاً لظروف الميدان . ولكننا كنا في حرب ولا حرب. وكان لنا قائد ولكن ليس له جنود لأنه بعثرهم على جبهة واسعة بحيث أصبحوا قوات حراسة تكاد مع التفاؤل الشديد تكفي لحماية نفسها فقط وكنت أسأل نفسي وألح في سؤالها :  لماذافعل قائدنا ذلك… لماذا شتت قواته وبعثرها بهذه الطريقة؟  لماذا سمح لنفسه أن يندفع في خط طويل مكشوف من كل ناحية أمام العدو . وبدأت أخبار الهدنة تصل إلينا في الخنادق. وجاءتنا الأوامر بوقف القتال في السادسة صباحاً من يوم الجمعة. وعاد الكلام مرة أُخرى عن الحرب السياسية. ولكن العدو لم يأخذها حرباً سياسية. فقبل حلول موعد وقف  القتال بساعات، تلقيت الأخبار بأن قوات منه قطعت الطريق بين اجملدل وأسدود. واستطعنا مع العصر أن نخرج العدو بالقوة من المراكز التي كان يحصنها على طريقنا، والتي لو بقي فيها لاستطاع أن يمنع النجدة والمؤن عن قواتنا في أسدود طوال فترة الهدنة، وقدت سيارة الجيب عند العصر إلى حيث الموقع الذي حاول العدو احتلاله، ورأيت لأول مرة جثث القتلى من جنوده وحولهم ما كان معهم من ذخائر.

 

 

ووقفت على ربوة عالية قرب هذا الموقع، ومرة أُخرى بدأت خواطري تسرح . ها أنا على ربوة عالية في فلسطين بين اجملدل وأسدود. البحر بزرقته الداكنة يمتد حتى حافة الأفق جليلاً مهيباً. والشمس الحمراء في موكب الغروب وألوانها الرائعة تهبط وراء البحر. وبالقرب مني جثث عدو يحاول أن يقتلنا وقد نجحنا في قتله. وإلى الشرق مواقع قواتنا المتناثرة، التي أدت كل ما طلب منها حتى الآن رغم العقبات التي واجهتها والمصاعب التي سدت طريقها.. وإلى الجنوب مقرقيادتنا التي تعيش في ميدان القتال وتحارب حرباً سياسية .. وإلى الجنوب الشرقي عاصمتنا التي تتحكم في أمرنا وتوجهنا إلى حيث تريد، وإرادتها اليوم هي حرب ولا حرب .. وهناك بعيداً في نيويورك مجلس الأمن حيث مجموعة من أحد عشر ً رجلا قرروا فيما بينهم أن تقف المعركة التي نعيش فيها، وعلينا أن نطيع .. وملأت رئتي بهواء البحر واستدرت إلى سيارتي عبر جثث العدو..كان حالنا قبل الهدنة حرباًولا حرب. وبعد أن عقدت الهدنة تطور حالنا إلى سلام بغير سلام.

 

 

كنا نخوض حرباً بلا استعداد في كل ناحية، كان يمكن أن يستعد لها جيش يحارب.. كان قائدنا في الميدان يخضع من القاهرة لتوجيهات هي آخر ما تقتضيه احتمالات الميدان.. وكان في نيويورك ـ حيث مجلس الأمن ـ من يملك أن يفرض الصمت على مدافعنا بإشارة من يده . وظهر التراخي ـ نتيجة لهذا كله ـ على مواقعنا، وكنت من مكاني في أسدود كأركان حرب للكتيبة السادسة أراقب هذه الحال بقلق لا أستطيع أن أخفيه . وكان الذي يزيد من قلقي أنه في الوقت الذي يحدث فيه ذلك لناحيتنا من خط القتال.. تضج الناحية الأُخرى بما يكن أن يكون نقيضاً له في كل شيء . وكان في أسدود برج عال،وكنت أصعد إلى أعلى البرج أحاول أن أمد بصري إلى الناحية الأُخرى . لم يكن عليها هدوء. لم تكن تحكمها هدنة. كان النهار يكشف أمامنا حركة متصلة. وكان الليل يفشي أسراراً يحاول أصحابها إخفاءها تحت ستار الظلام . وكنت عندما يجيء الليل، في كثير من الأحيان، أترك مركز رئاسة الكتيبة الذي كان في مبنى محطة السكة الحديد المصنوع من الأسمنت المسلح وأتجه إلى البرج العالي، وأقف هناك ساعات متصلة.. وعيوني متجهة عبر خطوطنا الهادئة إلى الناحية الأُخرى.

 

 

العدو إذن لم يأخذ الهدنة جاداً. لقد كانت بالنسبة له فرصة للتعزيز ، إنه يقفز تحت ستارها إلى مواقع حاكمة، يستطيع منها ـ يوم تنتهي الهدنة ـ أن يبدأ عملياته من أكثر المراكز ملاءمة لأغراضه . كان الموقف واضحاً لا خفاء فيه لمن يكلف خاطره فيلقي نظرة على الخريطة، أو يتجه بعينيه عبر الناحية الأُخرى من خط القتال . مع  مضي الأيام كانت همومي تزداد.. وأذكر ذات يوم أني التقيت بجندي من كتيبتنا، وخطر في بالي ـ دون سبب محدد ـ أن أوجه إليه سؤالاً أحاول أن أعرف من ورائه مدى فهمه للذي نقوم به في فلسطين.. وقلت له: إحنا هنا بنعمل إيه يا عسكري؟  وقال الجندي،ولن أنساها طوال عمري: إحنا هنا بنناور يا أفندي.. وذهلت وقلت له: نناور.. نناور فين يا عسكري؟  وقال الجندي بلهجة الذي يقرر حقيقة بدهية: في الربيكي. (هي المنطقة الواقعة على طريق السويس، اعتادالجيش المصري أن يقوم فيها بمناوراته كل عام!!) كنا إذن نناور في الربيكي، ولم نكن نحارب في فلسطين. أو هكذا كان يعتقد جندي من كتيبتنا. ولكن هل كنا نستطيع أن نلومه ؟!

 

 

وضقت ذرعاً بالبقاء في مركز قيادتنا، فذهبت أتجول في المواقع وأتعرف إلى حقيقة الجو فيها بين الضباط.. ولا أنكر أني في الحقيقة كنت أحاول أن أضم بعضهم إلى تنظيم الضباط الأحرار.. ولم أكن أتجه إلى الأمر مباشرة في أحاديثي مع الضباط، فلم أكن أريد أن أشغلهم عن الجو المحيط بهم مباشرة، ولا أن أشتت أفكارهم عن العدو الرابض أمامهم متربصاً بهم. ولكن طريقتي في ذلك الوقت كانت ترتكز على عاملين : أن أعطي الثقة لكل من أقابلهم، والعامل الثاني أن أقوي صلتي الشخصية بهم إلى أبعد حد . وكنت واثقاً ـ وبررت التجربة أسباب ثقتي ـ أن الثقة والصداقة كفيلتان عندما يحين الوقت المناسب أن تتحولا إلى شيء أعمق، وأنا أنظر حولي الآن، فأجد وجوهاً كثيرة في تنظيم الضباط الأحرار التقيت بها لأول مرة في الخنادق في تلك الفترة العجيبة من حياتنا في فلسطين.

 

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]