التوقعات لا تزال قائمة خارج القاعة رقم 15 في مقر الأمم المتحدة بالعاصمة السويسرية جنيف، بين الفشل والنجاح، وذلك بعد الجولة الثانية من مباحثات غير مباشرة، عبر الوسيط الأممي دي ميستورا، في تنقلاته بين غرفتي ممثلي الحكومة والمعارضة السورية، رغم ما يراه دبلوماسي غربي مقرب من المفاوضات، ويتولى تقديم تقييم لأيام جنيف السورية الأولى، بأن الحصيلة «صفر»، وأن شبح «جنيف 2» خيم على الأسبوع الأول من الجولة الثانية لحوار «جنيف 3».
دبلوماسية «ساعي البريد»
لا يمكن تحديد النتيجة الآن، حيث لا حوار مباشر أو غير مباشر، ولا حتى تبادل للأفكار بشكل رسمي، ولا تزال الوفود تتابع ما يطرحه الآخرون من خلال المبعوث الأممي، والذي يستفزه وصف «ساعي البريد» أو «حامل الأفكار والرسائل» بين الجانبين، وهو ما حدث بحسب رواية دبلوماسي غربي مشارك في الوفد الأممي، بأن نقاشاً دار بين بشار الجعفري، رئيس الوفد الرسمي السوري، ودي ميستورا، الذي رد على محاوره «بأنه ليس ساعي بريد»، عندما طالبه الجعفري بمعرفة إجابات المعارضة، على ما طرحه من عناصر أساسية لحل الأزمة السورية، يؤدي التفاهم عليها إلى إطلاق الحوار السوري من دون شروط مسبقة.
معارضات وليست «معارضة» واحدة!
ما يحدث في جنيف، حوار سوري-سوري، لكن لا محاورين مصنفين رسميًا ونهائيًا حتى الآن، ولكن مجرد مجموعات ومنصات، والمفاوضات الجدية لا تزال مؤجلة، والبحث لا يزال مستمرًا حول القضايا الإجرائية، ومع حالة الدوران في المكان، يكرر دي ميستورا طيلة الأسبوع لمحاوريه السوريين «ممثلي الحكومة والمعارضة» أسئلة استمارته الأساسية: كيف تنظر إلى المرحلة الانتقالية؟ وهل ينبغي إصلاح المؤسسات العسكرية؟ وغيرها من الأسئلة التي تبقي النقاش في حيز المبادئ العامة، وبقيت القضية «العقدة» بحسب توصيف هلمونت أولفين الدبلوماسي السويسري، أنه لا أحد من المعارضة أو الحكومة، يعرف من بفاوض من؟! ومن هي المجموعة الاستشارية التي لا تعني المفاوضين بشيء؟ إذ أن المعارضة في حقيقة الأمر معارضات، ولا وفد سوى وفد الرياض، والآخرون من منصات القاهرة وموسكو ليسوا سوى «مجموعات» استشارية، لكن الوسيط الأممي لا يجرؤ على إعلان ذلك صراحة كي لا يغضب الروس الذين يضغطون بقوة لضم منصات موسكو والقاهرة، ومعارضة الداخل إلى المفاوضات، علماً بأن القرار 2254 وبيان فيينا صريحين، في نصهما على مرجعيات منصات القاهرة والرياض وموسكو، ولا يزال دي ميستورا يتحايل على تطبيقهما، تحت ضغوط أمريكية وسعودية!.
تأجيل البحث في خارطة الطريق
ما يمكن وصفه بالفشل أو التقدم الإيجابي، لا يزال بعيدًا، وإن كان الواضح داخل القاعة 15، أن الجانب الحكومي السوري يتمسك بمذكرة العناصر الأساسية للحل السياسي في سوريا، كقاعدة للحوار، فيما لا يزال وفد الرياض يتمسك بحكومة انتقالية كاملة الصلاحيات، لكن ما يؤجل الحكم على النتائج، هو أن دي ميستورا لم يحل رسميا المذكرات الصادرة عن الطرفين إلى طاولة المفاوضات، وأن الحوار السوري لا يزال يجري فعلياً بين دي ميستورا نفسه والسوريين منفصلين.
وبالتالي تم تأجيل البحث في خارطة الطريق التي وضعها الروس في فيينا، والتي من المفترض أن تشكل مدخلاً للحل، عبر إنشاء حكومة موسعة، فتعديلات دستورية، وانتخابات تشريعية.
أفكار مرفوضة من الجانبين
وكان الوفد السوري قد قدم مذكرة تضمنت أفكاراً تنص على وحدة سوريا وسيادتها وعلمانية الدولة، ورفض التدخل الخارجي، وأولوية مكافحة الإرهاب، والحفاظ على مؤسسات الجيش والدولة، ورفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا، وإعادة الإعمار، وإنشاء صندوق دولي للمساعدة على إعادة إعمار سوريا.
وأبلغ دي ميستورا، الجانب السوري أنه ينتظر تعديلاً في الأفكار المقدمة، لكي يمكنه أن ينقل إلى الطرف الآخر أفكاراً يمكن القبول بها ..
والأرجح أن الأفكار التي ناقشها مع وفد الرياض، تستند هي أيضاً إلى أفكار لن تكون مقبولة من الجانب الحكومي السوري، لأنها تبدأ بطلب البحث من نقطة تشكيل حكومة انتقالية كاملة الصلاحيات، واستلام مفاتيح دمشق في جنيف.
الرهان على كسب الوقت
والأرجح، كما يقول محمد بلوط المحلل السياسي اللبناني لـ«الغد»، أن الوسيط الأممي يراهن على كسب الوقت لا أكثر، إذ أن الوثائق المقدمة تعبّر عن مواقف الأطراف، ومن المستبعد أن تتخلى عنها قبل أن تدخل في المفاوضات، أو أن يذهب وزيرا الخارجية الأمريكي جون كيري، والروسي سيرجي لافروف، إلى تعميق التفاهمات السورية الثلاثاء المقبل، كي يتقدم دي ميستورا، إذ إنه من المستبعد أن ينجح في فرض تعديل على هذه الأجندات من خلال الاستمارات التي يطالب من يلتقيهم بالإجابة على أسئلتها، أملاً في العثور على مشتركات يمكن البناء عليها.