حافظ البرغوثي يكتب: الدهماء وسلاحهم الغباء
يخلط الكثيرون في المجتمعات المتخلفة بين الرأي والتحليل السياسي، فكل كلمة تقال تحسب وكأنها موقف وليس تحليلا وفق المعطيات المتوفرة. وتجد نفسك أحيانا مضطرا للدخول في جدل مع حمقى، فلا يميز الناس بينك وبينهم.
فقد تعرض العبد الفقير إلى الله لهجمة من بعض عناصر حماس دون وجه حق منذ بداية المعركة الأخيرة، وركزت فيها منذ البدء أنها حرب لرجل واحد هو نتنياهو الذي يبحث عن إنجاز ما يمنع انهياره سياسيا والدخول الى السجن. وفي أحد الحوارات التلفزيونية لإحدى القنوات وجدت من البداية أن الهدف هو اتهام إيران وحماس بالتسبب في القتال الدامي، وتجاهل معد الحوار أن نتنياهو هو الذي افتعل كل شيء لمنع خصومه من تشكيل حكومة أولا، ولتوحيد معسكر اليمين من حوله، أما اتهام حماس كما قال أحد الضيوف من واشنطن فوصفته بأنه منطق أعوج، لأن حركة حماس تم استدراجها إلى معركة بعد ممارسات المستوطنين في القدس ومخطط التطهير العرقي، ما أثار الكل الفلسطيني أينما وجد. فنتنياهو يدرك جيدا حساسية القدس فلسطينيا، وهو من افتعل معركة النفق في القدس سنة 1996 للتنصل من إتفاقات أوسلو، وهو كان مؤيدا لشارون عندما اقتحم المسجد الأقصى سنة 2000، وحاول الشهيد أبوعمار منعها من قبل إيهود باراك، لكن الأخير رفض فاندلعت الانتفاضة الثانية مثل الأولى التي اندلعت عندما مارس الاحتلال في سنة 1987 سياسة القبضة الحديدية في المدينة، وتصدى لها المقدسيون بزعامة الراحل الفذ فيصل الحسيني الذي صادفت ذكرى وفاته هذه الأيام. فقد عمد نتنياهو إلى إرسال نشطاء اليمين وعصاباتهم إلى المدن المختلطة مع بداية العدوان على غزة لمهاجمة الفلسطينيين في يافا التي تشهد حملة تطهير عرقي، واللد وحيفا وغيرها. ومما قلناه إن نتنياهو هو الذي افتعل كل شيء في مواجهات القدس، وجر حماس إلى كمين على أمل أن يحقق إنجازا عسكريا يحيي آماله في البقاء على قيد الحياة سياسيا، وتبين أن الجيش الاحتلالي باعتراف قادته بوغت بالتصعيد، ولم يكن أعد خططا ولا حشد قوات، بل سحب بطاريات قبة حديدية من الشمال ومدرعات أثناء القتال. فهذا التحليل هو الذي حدث، بل قلت منذ البدء إنه طلب مهلة من الإدارة الأمريكية لتنفيذ خططه وأمهلته أكثر من أسبوع وفشل.
وفي إطار التحليل قلت إن أي عمل عسكري يجب أن يكون له هدف سياسي، وليس أن نقف بين الجثث والأنقاض ونرفع علامة النصر دون تحقيق إنجاز. وقام أحد الخبثاء بقص بداية التحليل وبثه عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وكأنه موجه ضد المقاومة. وهنا قامت الدنيا ونشر السذج المقطع مع رقم هاتفي مطالبين بمعاقبة العبد الفقير لله، وتلقيت خلال أيام مئات التهديدات والشتائم دون مبرر، حتى حصلنا على النص وزودنا من أراد بالحقيقة، فالبعض اعتذر، ولكن من هم في غيهم يعمهون لا يريدون الحقيقة، ربما لأنني اختلف مح حركة حماس سياسيا، ومازلت. فالبعض منهم ظن أن الوضع بعد وقف إطلاق النار يسمح له باستباحة الأعراض والعباد والبلاد، ولا يقيم وزنا لأحد، وكأنه انتصر على شعبه وليس على عدوه، وهذا هو الجهل بعينه.
وأذكر هنا أن أحد الأصدقاء بسبب معارضتي الشديدة لإجراء انتخابات تشريعية فلسطينية نظرا للتوقيت السيء ووجود حكومة اسرائيلية لن تسمح بها في القدس، وكتبت: كيف نسارع الى انتخابات بدون القدس بينما الإدارة الأمريكية الجديدة تعارض ضمها وتعترف بحقوقنا فيها، وتستعد لإعادة القنصلية فيها؟!.. كما أن الاتفاق الفصائلي في القاهرة ينص على أن تجرى في القدس والضفة وغزة، فكيف نقبل بإجرائها خارج المدينة أو في القنصليات الأجنبية وكأننا جالية أجنبية؟!.
واضاف صديقي إن أحد الجروبات على الواتس من عناصر فتح هاجموا العبد الفقير لله، واعتبروه منشقا مثل غيره الذين خرجوا بسبب الانتخابات، فهم خلطوا بين التحليل والرأي، كما في حالة سذج حماس وجيشهم الاكتروني.
مصيبة أن يخلط البعض بين الرأي والتحليل، فهم تتلمذوا على جاهل واحد، وهو الغباء الأعمى. فالتعبئة الحزبية القائمة على الغباء لن تفلح، والتفكير الأحادي يظل عقيما ولا ينتح إنجازا ولا يوحد بلدا. والمحلل الذي يقرأ ويتابع تجده غير مفهوم.