حافظ البرغوثي يكتب: طفرة متحورة لفيروس العملات تنشر المضاربات
يذكرنا تعميم البنك المركزي الكويتي للبنوك بعدم تمويل عمليات شراء العملة المشفرة بيتكوين قبل فترة بتعميم سابق أصدره البنك نفسه في مطلع الثمانينات بعدم تمويل عمليات شراء الأسهم في سوق المناخ، لكن البنوك لم تستطع التقيد بالتعليمات أمام زحف كبار المضاربين في حمى الأسهم وكانت النتيجة أن حدثت أزمة سوق المناخ لأنها كانت عمليات مضاربة خيالية لأسهم شركات أغلبها قيد التأسيس وبعضها تأسس في جزر نائية خارج القانون، ولا أصول لها في حينه، وأدت إلى إفلاسات كبيرة ضربت الاقتصاد الكويتي.
وكانت رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد ذكرت في وقت سابق أن بيتكوين وغيرها من العملات المشفرة ليست عملة، ولا تلبي المعايير الثلاثة الأساسية للعملة. كما أنها ليست مستقرة بالشكل الذي يجعلها عملة. وأضافت “هي فقط أصل تداول رقمي أو أصل مشفّر.
وحول احتمال طرح البنك المركزي الأوروبي عملةً رقمية، مثلما تسعى الصين الآن لطرح اليوان الرقمي، قالت لاغارد إن أوروبا قطعت شوطاً معقولاً في هذا السياق وتستفيد من التجارب التي سبقتها لطرح اليورو الرقمي الذي لن يكون بديلاً عن أوراق النقد بل مكملاً لها، لمَن يرغب في التعامل الرقمي في المدفوعات وغيرها.
وقد ظهرت العملات المشفرة على الحواسيب لمنظمات الجريمة لإخفاء الأموال وتداولها بمعزل عن الرقابة ثم بدأت تتحول عمليات “تعدينها “على الحواسيب بحيث يقوم أشخاص بالبحث عنها والحصول عليها وحجزها تحت التشفير الحاسوبي وبيعها وفقا للمضاربات حيث ارتفع سعر البيتكوين خلال جائحة كورونا إلى ما فوق الخمسين ألف دولار ويزحف نحو الستين مدعوما بدخول مغامرين مثل إيلون ماسك صاحب شركات تيسلا وبعض الشركات والبنوك الامريكية بحيث تعدى حجمها ألف مليار دولار.
ويحتاج الحصول عليها الى عمليات حسابية معقدة وخوادم حاسوب قوية تعمل ليلا نهارا وتستهلك هذه الخوادم من الكهرباء مقدار الطاقة التي تستهلكها دولة كالأرجنتين. ولهذا فإن البيتكوين وغيرها من العملات المشفرة وأكبرها خمسة تبقى عملة مشفرة لشريحة من المضاربين المجهولين ولعل القفزة الكبيرة في سعر البتكوين يرجع أساسا الى كونها مكانا مثاليا للمضاربة وتحقيق أرباح دون ضخ أصول مالية مؤمنة مصرفيا أو معتمدة رسميا فهي ساحة خلفية لسوق سوداء مالية لم يصدرها أحد ولا يحميها قانون ولا يعلم أسماء المضاربين إلا من اعلن عن ذلك مثل الملياردير المغامر ماسك.
ويرجع هذا إلى أن قيمتها غير مدعومة بأي شيء باستثناء اعتقاد أصحابها في قيمتها، ما يجعل سعرها متقلباً إلى حد هائل.
واستطراداً، فإنها ليست مخزوناً ثابتاً للقيمة، ولا وسيلة تبادل قابلة للاستمرار، ولا وحدة حسابية مفيدة، وتلك هي الوظائف الثلاث الكلاسيكية للعملة.
وكان ماسك نفسه وصف بيتكوين قبل أن يستثمر فيها بأنها هراء كالعملة الورقية فما الذي جذبه للاستثمار فيها! هل كانت طباعة الأوراق النقدية من قبل بعض الدول مثل الولايات المتحدة وأوروبا لسد العجز في مخصصات الدعم للأفراد والمؤسسات في مواجهة كورونا سببا رئيسا في الانتقال إلى العملة المشفرة أم أن الاقتصاد الدولي ككل مبني على كذبة أن الاوراق النقدية مدعومة بقوة اقتصاديات قوية وثبت أنها ضعيفة! وأن ما تتكلف به الدول هي أجور طباعة العملات فقط أان الاقتصاد لا يحمي قيمة عملاتها بعد انسحاب الذهب من كونه الاحتياطي المقياس لقوة العملات! فالطفرة المتحورة في سلالة العملات هي الفيروس المستجد الذي يلتهم الاقتصاد العالمي دون لقاح.
