في تحليل ساخر للواقع اللبناني، على الصعيدين السياسي والاقتصادي، يرى سياسيون لبنانيون، أن عبارة «السلة» مرشحة لدخول موسوعة «جينيس» في كونها من العبارات «الأكثر استخداما» في هذه الأيام في لبنان وعلى صفحات التواصل الاجتماعي، بدءا من تظاهرة “سلال التفاح” داخل الميادين العامة اللبنانية، الأسبوع الماضي، وتفريغ السلال في الشوارع، احتجاجا على ركود “سلعة استراتيجية” فقدت منافذ تصديرها، وإلى “حرب السلال” داخل المشهد السياسي، في صورة سلة شروط للاتفاق على مرشح رئاسي ينهي حالة “الشغور” أو فراغ منصب الرئيس.
سلال التفاح الفارغة
وتصدرت الواجهة مشكلة مزارعي التفاح، والذي يعد مصدر رزق لنحو 75% من المزارعين، ومعرضين لبيع أراضيهم لسداد ديونهم، بعد أن أغلقت منافذ تصدير التفاح اللبناني الشهير، وفي المقدمة الأسواق الخليجية، تحت تأثير توتر العلاقات بين لبنان والسعودية، والسوق المصرية تحت تأثير أزمة الدولار في مصر التي قيدت الواردات، وتراجع معدلات استيراد الدول الأوروبية للتفاح اللبناني، ولم يعد أمام اللبنانيين إلا الخروج بسلال التفاح من المزارع إلى الشوارع والميادين العامة، وتركها فارغة، في صورة احتجاج وطلب تدخل عاجل من الحكومة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، عبر الاتصالات مع حكومات الدول المعنية لتحفيز استيراد التفاح.
“بكركي” نعترض على مقترح “السلال”
واشتعلت “حرب السلال” بين القوى السياسية اللبنانية، على مسار البحث عن حل لأزمة “كرسي الرئاسة” الشاغر، وطرحت “سلال” أشخاص، وشروط، وأفكار، بينما تعترض البطريركية في بكركي، على مسألة “السلال” التي تضم أسماء مرشحة للرئاسة، وأفكار وشروط، وتتمسك فقط بسلة القيم والميثاق الوطني والدفاع عن الكيان اللبناني والوحدة الوطنية.
وأكد البطريرك بشارة الراعي، أن “مسألة السلة تتناقض والدستور، إذ ليس من المنطقي إفراغ الرئاسة من مضمونها قبل ملئها على قاعدة مقاطعة الرئيس العتيد إذا لم يلتزم بالسلة”.
وتساءل البطريرك الماروني: كيف يقبل مرشح ذو كرامة تعريته بفرض سلة شروط غير دستورية تحل محل الدستور والميثاق الوطني وتقييد رئيس الجمهورية العتيد؟ وموقف البطريرك أثار أيضا التساؤل: هل هذا بمثابة عرقلة لمسار التسوية؟ ولكن قوى سياسية مسيحية تجيب: “أصلاً التسوية ليست ناضجة بعد، والبطريرك تحدث من مبدأ حرصه على الرئاسة وخط البطاركة التاريخي، فشكل موقفه البوصلة التي أعادت تصويب الأمور” .
جدل حول موقف البطريرك الراعي
بينما يرى آخرون، أن كلام البطريرك يصب في خانة تحسين موقع العماد عون، الذي يمكنه أن يستفيد من موقف بكركي، للقول لمن يفرضون عليه أي شروط بأن أنظروا إلى ما أتعرض له من ضغوط تدفعني إلى عدم التنازل، لكن هناك مَن يقرأ اعتراض البطريرك الراعي على السلة، كأن لديه إحساساً بأن طرحها في هذا التوقيت يراد منه تعطيل انتخاب الرئيس أكثر منه الوصول إلى تسوية تسهّل مهمته، مع أنه لا يقول هذا الكلام في شكل مباشر، إنما يتلمس ما بين السطور في شرحه موقفَه.
وتخشى مصادر مارونية من مقايضة الكرسي بالنفوذ وصولاً إلى وضع اليد على البلد، وتقول إن مخاوفها تبقى مشروعة إلى حين تبيان العكس، وتؤكد أن انتخاب الرئيس يجب أن يكون المدخل لإحياء مشروع الدولة بتطبيق اتفاق الطائف وتنقيته من الشوائب التي شابت بعض بنوده نتيجة تطبيقه بصورة استنسابية أدت إلى تقليص صلاحيات رئيس الجمهورية.
بري يدافع عن “سلته”
وفي المقابل، تقول مصادر مقربة من رئيس مجلس النواب، نبيه بري، إنه كان يفضل عدم الدخول في سجال مع البطريرك الراعي، لأن طرحه السلة السياسية على طاولة الحوار الموسع ما هو إلا خريطة طريق لإنجاز الاستحقاق الرئاسي ولم يقصد أبداً تقييد رئيس الجمهورية، وشل قدرته على ممارسة صلاحياته الدستورية بذريعة أن هذه السلة ستؤدي إلى تقليصها.
وتؤكد المصادر نفسها، بحسب تأكيد جراسيا بيطار الرستم ، أن بري لا يتوخى من طرحه السلة السياسية وضع شروط على الرئيس فور انتخابه، وإنما يتطلع إلى التوافق على ضوابط يشارك فيها الجميع، وتفتح الباب أمام إنقاذ البلد وإخراجه من التأزم الذي يتخبط فيه، وتقول أن لبنان يمر في حالة استثنائية يتفق الجميع على أنها صعبة ومعقدة وأن هناك ضرورة للتفاهم على إطار سياسي لتفادي إدخاله في نفق جديد يصعب الخروج منه.
هناك من يرى، داخل المشهد السياسي اللبناني، أن ما يحصل هو حراك لرئيس تيار المستقبل سعد الحريري على خلفية خلط الأوراق، الذي قد يفضي إلى التوافق على عون، ولكنه يبقى ناقصا قبل أن تسير فيه كل الأطراف غير المقتنعة حتى الآن، وأن كلام الراعي لا يعيق التسوية، وإنما يهدف إلى إزالة أي عوائق، وهو ما يتوافق مع تصريح عون حين قال: «كيف ألتزم بأمور وهي خارج صلاحيات الرئيس».
ومن جانبه، يعتبر سمير جعجع الشروط بمثابة «الحمل الثقيل الذي يوضع على كاهل الرئيس قبل أن يصل إلى الرئاسة»، فضلا عن الموقف الأخير للنائب بطرس حرب الذي شدد «على عدم جواز تقييد الرئيس بشروط» والحاصل أن موقف البطريرك ينسج مع الجو المسيحي العام.
حقيقة «اسلة بري »
ويستهجن بري اتهام «سلته» بأنها تخالف الدستور وتضرب صلاحيات رئيس الجمهورية، قائلا: تعالوا ندقق في محتوى السلة المدرج أصلا على طاولة الحوار، قانون الانتخاب ليس من صلاحيات رئيس الجمهورية، بل هو يأتي نتاج توافق وطني عام، ثم أنا متفاهم مع «التيار الحر» حول مشروع مشترك، وبالتالي لا مشكلة على هذا الصعيد، أما في ما خص رئاسة الحكومة فأنا لم اخترع البارود، وعون يتفاوض أصلا مع الحريري باعتباره سيكون رئيس الحكومة المقبل، وكذلك فرنجية، كما أن الحريري يتصرف على قاعدة هذه الفرضية، فلماذا لا يقال إن الجنرال ورئيس «المستقبل» يخالفان مبدأ الاستشارات النيابية الملزمة بينما تُكال الاتهامات لي بمخالفة الدستور لانني أتعاطى بواقعية، ثم هناك مسألة تشكيل الحكومة التي يمكن أن تخضع لتفاهم مسبق من شأنه أن يسمح لاحقا بإنجاز التأليف سريعا، وهذه تختلف عن التشكيل الذي يجب أن يُترك لمشاورات رئيس الحكومة المكلف بالتنسيق مع رئيس الجمهورية.
وقال بري، في حوار مع صحيفة السفير، لا أفهم لماذا هذه الحملة على سلة التفاهمات الوطنية المقترحة والتي لا تنطوي على أي غاية شخصية أو حزبية لي، في حين أن التسريبات والمعلومات تشير إلى مناقشات جانبية وثنائية تتم بين البعض حول أدق التفاصيل المتعلقة بتوزيع السلطة في حال وصل الجنرال الى الرئاسة، فلماذا يحلل البعض لنفسه ما يُحرّمه على الآخرين؟
مخاوق الماورنة
وعلى هامش “حرب السلال”، يبدو أن لدى رأس الكنيسة المارونية في لبنان مخاوف من أن يأخذ الموارنة كرسي الرئاسة الأولى من دون صلاحيات في مقابل حصر النفوذ في أطراف آخرين.
