لما ضاقت سبل كسب الرزق على قرويين عراقيين وأصبحت معيشتهم ضنكا، اضطر كثير منهم للتنقيب في ساحات معارك سابقة، بحثا عن معادن وأسلاك ضمن مخلفات حروب سابقة لبيعها وكسب قوتهم، وقد أقدموا على ذلك وهم يعلمون ما فيه من مخاطر هائلة تتمثل في ألغام وذخائر لم تنفجر.
وبناء عليه هناك كثير من الجرحى ومبتوري الأطراف في قرية تسمى “جرف الملح” بجنوب العراق، أصبح الناس يسمونها “قرية البتران”، أي مبتوري الأطراف.
فمئات من سكان القرية فقدوا أطرافهم جراء انفجار ألغام وعبوات من مخلفات الحرب العراقية-الإيرانية التي دارت رحاها لثماني سنوات بين 1980 و1988.
وروى ذات القصة كثيرون من أهل القرية الواقعة شرقي مدينة البصرة على مجرى شط العرب المائي، الذي يمثل حدود العراق مع إيران.
وكان أوائل الضحايا في الأساس من رعاة الغنم الذين يأخذون قطعانهم لترعى في مناطق غير محددة كحقول ألغام رغم انتشار القنابل والقذائف غير المنفجرة فيها.
وفي عام 1991، بدأت القرية، كغيرها من قرى ومدن العراق، تعاني الفقر نتيجة للعقوبات الدولية التي فُرضت على البلاد بعد غزو الكويت.
وقال سالم عبد النبي، وهو أحد ضحايا الألغام من أبناء القرية، «طلعت على الجبهة، بعد فلوس ماكو (لا يوجد)، مصرف ماكو، وين تروح؟ طلعت على الجبهة، أول يوم انبترت، أول ما طلعت، كل شيء أول يوم، طق علي لغم رجعت، بقيت تقريبا ست شهور على ما طبت، شديت رجل وطلعت، واستمرت مع الحصار، استمريت بالعمل».
وقال ضحية آخر يدعى أحمد صبيح، إن الناس لم تكترث بالألغام بسبب الفقر والجوع الناجم عن الحصار، وأضاف «اليوم طق عليه صاروخ، انبتر أو مات، صبحة بيطلعون، يعني الحصار عليهم وإذا ما يشتغلون يقتلهم الجوع. فمستمرين يروحون، حتى تموت الناس، يشوف بعينه صاحبه اليوم طق عليه صاروخ مات، اليوم صار يطلع يشتغل، صاحبه، يعني ماكو يوم ما يشتغل. الفقر والحصار عليهم».
وتابع شنو عبد الله، وهو مؤذن جامع القرية وضحية للألغام أيضا، «عام 1980 أول ما بديت الحرب، بدأت هجوم طائرات إيرانية ضربت المنطقة مالتنا (الخاصة بنا)، ضربتها حوالي الساعة الرابعة والنصف العصر. المنطقة كلها هجروها أهلها وبقي ناس قليلين».
وأردف عبد الله عبد الله، «زين بس وانتهت الحرب، توقفت 1987 (تصحيح 1988) بدأ شو اسمه عندنا رجوع المنطقة، رجعت المنطقة وبدأوا ينطوا (يعطوا) موافقة الحزب، يأخذ موافقة ويرجع ع المنطقة، بدأت تنتشر المنطقة، عالم (ناس) انقضت مربية حيوانات وهذا عنده شو اسمه، فبدأوا يطلعوا، يطلعون للبر من شان موسم الأمطار، خضار ورشاد للي طالع ع البر مشي. أثناء المشي والأرض مزروعة ألغام وما حد يدري تطق (تنفجر) علينا. أنا طق علي لغم، جماعه ماتوا ماتوا خلاص كلهم وجماعة اتصوبوا أكثر ثلاثة أربعة».
ومع تنامي عدد ذوي الأطراف المبتورة في جنوب العراق افتُتح مركز للأطراف الصناعية في البصرة عام 1995، بمساعدة من اللجنة الدولية للصليب الأحمر ليوفر أطرافا صناعية لنحو ثمانية آلاف مريض في حاجة لها.
وقال حسن فالح مسؤول المركز للأطراف، «أعداد المرضى في البصرة المبتورين المسجلين تقريبا هم ثمانية آلاف مريض إضافة إلى حالات التشوهات اللي تصيب القدم. طبعا مركزنا ينتج تقريبا كم 25 إلى 45 طرف شهريا بالإضافة إلى عملية الصيانة المستمرة للأطراف الصناعية اللي تقريبا هي 80 طرف صيانة شهريا».
وقد بدأت قوات الحشد الشعبي الشيعية حملة الشهر الماضي لتطهير الصحراء المحيطة بقرية جرف الملح من الألغام باستخدام جرافات ومركبات مخصصة لهذا الغرض.
وقال حيدر جواد مساعد مشرف فرقة العباس، «حقيقة ساهمت فرقة العباس القتالية في تنظيف الشارع المؤدي من الشلمجة باتجاه الحدود العراقية الإيرانية. حقيقة أكو (هناك) عدة نقاط مهمة يعني اللي هي أدت بنا غلى أنه نيجي نشارك بهذا الجهد. طبعا القضية الأولى هي القضية الإنسانية، حسب ما موجود من إحصائيات، موجود حاليا حي اسمه حي البتران وقيرب من هاي المنطقة، هدول تقريبا بين 350 بين طفل وشاب وحتى رجل كبير تضرروا بسبب هذه الألغام اللي هي مزروعة مخلفات النظام السابق».
