حكايات رمضانية| الإنشاد الديني في الأردن.. قبلة الباحثين عن «الحفل الشرعي»
يرتبط شهر رمضان المبارك، بالأصوات الندية، ترتل القرآن وتشدو بالألحان النورانية، في مديح النبي المصطفى محمد، صلى الله عليه وسلم، وبث سير الصالحين وفرسان الأمة وشجعانها.
وقد بدأ فن الإنشاد الديني مع بدء الدعوة المحمدية، فكان نشيد «طلع البدر علينا»، و«نحنُ نسوةٌ من بني النجار.. يا حبّذا محمّدٌ من جارِ»، أولى فسائل شجرة «الإنشاد الديني»، التي نمت وترعرت فأثمرت وأينعت، فأتت أكلها منشدين ومداحين، يشدون بذلك الفن الغنائي الإسلامي، واستمر أمر الإنشاد والمدح النبوي إلى يومنا هذا، متضمنا عبارات الذكر والتهليل والتسبيح.
وشيئًا فشيئًا صار للإنشاد مقاماته وألحانه، ودخلت آلات موسيقية بدأت من الرق، وتدرجت ما بين العود والكمان والربابة، لتضفي جمالًا إلى جمال وروعة إلى روعة فن الإنشاد في مختلف أرجاء الوطن العربي.
وكان للذين يتألقون في هذا الفن من ذوي الأصوات الجميلة الجذابة حضور جماهيري كبير، حيث يقيمون مجالس ذكر تضم عددا كبيرا من المشاركين والمعجبين.
وبمرور الزمن، دخلت آلة الدّف، لإضفاء مزيد من الجمال على أصوات وقصائدهم، وتطوّر الامر إلى أن أضحت الربابة آلة أساسية، وصار لكل منشد فرقة، يسمون «الجوقة» يرددون المذهب مرارًا خلف المنشد لتميل الرؤوس طربًا وإعجابًا كلما انتهت الفرقة من مقطع، في سيمفونية جماعية.
في المملكة الأردنية الهاشمية، ظهر عدد من المنشدين في الثمانينيات ومنهم الترمذي الذي يلقب بـ«شيخ المنشدين»، وأبودجانة وأبوجابر٬ وفي هذا الوقت كانت بيئة هذا الفن تنمو في الأردن الذي بات «قبلة المنشدين»٬ وظهرت أوزان إيقاعية وموشحات ومواضيع جديدة في النشيد٬ وظهرت المؤسسات وفرق متخصصة تعنى برعاية الفن الإسلامي من شعراء وملحنين ومنشدين محترفين.
ومع مطلع الألفية الجديدة، عمدت الفرق إلى إعادة هيكلة منهجها بشكل أكثر دقة ومنهجية لتطوير أفرادها٬ واتباع أسلوب الاحتراف الفني٬ بيد أن هذا الفن بقي يعاني من تهميش الإعلام للنشيد والمنشدين بطريقة أدت إلى غيابه عن شريحة كبيرة من الجمهور وبات حجز الفرق الإنشادية الإسلامية في الأفراح، مطلب الباحثين عن إضفاء الطابع الهادئ الأكثر اتزانًا على حفلاتها.
وظهرت في الأردن العشرات من الفرق الفنية الإسلامية التي تحوي في طاقمها عددا من المنشدين الإسلاميين المعروفين على مستوى الوطن العربي، ومنها فرق للرجال، وأخرى خاصة بالنساء.
ثمة من يختار دعوة منشدين إسلاميين أو فرق تعبر عن الفرح على الطريقة الإسلامية، الملتزمة من ناحية نوعية الغناء أو الموسيقى٬ وهو ما يطلق عليه هناك «الحفل الشرعي» أو «حفل على الطريقة الإسلامية».
وكان طابع الحفلات الشرعية متبعاً منذ زمن طويل في الأردن، كغيره من البلدان العربية٬ ففي بلاد الشام اتسمت العديد من الحفلات في السابق وحتى الآن في بعض المناطق بوجود الفرق الإسلامية التي تتغنى بالمدائح النبوية بشكل كبير.
وقد كان النشيد الإسلامي في الأردن يقتصر على المناسبات والأفراح٬ وكان العشرات من محبي الأغاني الإسلامية والأهازيج الشعبية يتوافدون على حفلة العرس أو المناسبة التي يتخللها حضور منشدين ملتزمين٬ وبخاصة مع وجود بيئة محافظة نوعاً ما خلال تلك الفترة.
ويتفاعل المنشدون مع الواقع المحيط وقضايا الأمة العربية خلال إحيائهم الحفلات، إذ أخذت بعض أهازيج الأعراس خلال فترة معينة طابعاً حماسياً ووطنياً كما حدث خلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى٬ فكانت الحفلة عبارة عن متنفس للشارع العربي آنذاك.
