حكايات رمضانية| الإنشاد الديني في المغرب.. «الريبرتوار الكلاسيكي المعاصر»
يرتبط شهر رمضان المبارك، بالأصوات الندية، ترتل القرآن وتشدو بالألحان النورانية، في مديح النبي المصطفى محمد، صلى الله عليه وسلم، وبث سير الصالحين وفرسان الأمة وشجعانها.
وقد بدأ فن الإنشاد الديني مع بدء الدعوة المحمدية، فكان نشيد «طلع البدر علينا»، و«نحنُ نسوةٌ من بني النجار.. يا حبّذا محمّدٌ من جارِ»، أولى فسائل شجرة «الإنشاد الديني»، التي نمت وترعرت فأثمرت وأينعت، فأتت أكلها منشدين ومداحين، يشدون بذلك الفن الغنائي الإسلامي، واستمر أمر الإنشاد والمدح النبوي إلى يومنا هذا، متضمنا عبارات الذكر والتهليل والتسبيح.
وشيئًا فشيئًا صار للإنشاد مقاماته وألحانه، ودخلت آلات موسيقية بدأت من الرق، وتدرجت ما بين العود والكمان والربابة، لتضفي جمالًا إلى جمال وروعة إلى روعة فن الإنشاد في مختلف أرجاء الوطن العربي.
وكان للذين يتألقون في هذا الفن من ذوي الأصوات الجميلة الجذابة حضور جماهيري كبير، حيث يقيمون مجالس ذكر تضم عددا كبيرا من المشاركين والمعجبين.
وشيئًا فشيئًا دخلت آلة الدّف، لإضفاء مزيد من الجمال على أصوات وقصائدهم، وتطوّر الامر إلى أن أضحت الربابة آلة أساسية، وصار لكل منشد فرقة، يسمون «الجوقة» يرددون المذهب مرارًا خلف المنشد لتميل الرؤوس طربًا وإعجابًا كلما انتهت الفرقة من مقطع، في سيمفونية جماعية.
في المملكة المغربية، أخذت الأغنية الدينية في التأصل، واتخذت شكل مدرسة قائمة بذاتها مع حلول القرن السابع الهجري، ومضت تفرض نفسها على الساحة الفنية هناك، حتى حظيت بنصيب الأسد في مهرجان موازين، الأشهر في البلاد.
وقبل أن يأخذ الإنشاد الديني في المغرب شكله الحالي في «الريبرتوار الكلاسيكي المعاصر»، قد يعثر المنقبون في الآثار، على قصائد مديحية، من قبيل القصيدة «الشقراطيسية» المنسوبة إلى أبي محمد عبد الله بن يحي الشقراطيسي التوزري، والتي يقول مطلعها « الحمد لله منّا باعث الرّسل، هدى بأحمد منّا أحمد السبّل، خير البريّة من بدو ومن خضر، وأكرم الخلق من حاف ومنتعل، توراة موسى أتت عنه فصدّقها، إنجيل عيسى بحقّ غير مفتعل»، أو غيرها من القصائد، لكن الحديث عن عمود للغناء الديني في المغرب، برز في القرن السابع الهجري، مع متصوفة عاشوا بمصر من أصول مغربية، كما هو شأن للإمام البوصيري، تلميذ أبي العباس المرسي، والذي تتلمذ بدوره على يد المولى عبد السلام بنمشيش.
وعرف المغاربة، الاحتفال بمولد النبي محمد، صلى الله عليه وسلم، في القرن السابع مع أسرة العزفيين بسبتة زمن الموحدين.
ويصف ابن مرزوق في «المسند الصحيح الحسن»، الاحتفال بقوله: «فإذا استوت المجالس وساد الصمت، قام قارئ فرتل حصة من القرآن الكريم، ويتلوه عميد المنشدين فيؤدي بعض نوبته»، ولم تدخر الدولة السعدية جهدا في العناية بالغناء الديني إذ كان يسك الحاكم دينارًا من ذهب يمنحه للمنشد في الاحتفال بالمولد النبوي.
ولا يزال للأغنية الدينية في المغرب، حضور قوي وفيه الكثير من التنوع، وما زال الإنشاد الديني حاضرا بطبوعه وأنغامه المغربية القحة، بالزوايا المغربية، ومازالت الأغنية الدينية في قالب الأغنية العصرية تنتج، فكما أبدع السابقون «المثل العالي»، و«يا قاطعين الجبال»، و«أمحمد يا شفيعنا الهادي»، وغيرها، مازال الملحنون والمطربون يقبلون على هذا الشكل الغنائي، بل إن مهرجانا متخصصا تنظمه النقابة الحرة للموسيقيين المغاربة كل سنة، مخصص بالكامل للأغنية الدينية، كما نلحظ مجموعة من الفرق الإنشادية وفق مقامات الموسيقى الشرقية، والتي تستلهم النموذج الشامي والمصري، لا تكاد تخلو منها مدينة مغربية، بل إن أصواتا مغربية كثيرة شاركت في مسابقات على المستوى العربي، واستطاعت التميز، إما بالفوز أو الوصول للمراحل النهائية من هذه المسابقات، دليل على الصحوة التي تشهدها الأغنية الدينية بالمغرب.