حمادة فراعنة يكتب: الأردن رأس الحربة نحو فلسطين

على أثر قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بإعلانه الإعتراف مدينة القدس عاصمة للمستعمرة الإسرائيلية، ونقل سفارته من تل أبيب إلى عاصمة فلسطين المحتلة، إتخذ الأردن شعباً ومؤسسات قراراً ذا طابع إستراتيجي مبدئي حازم، عاكساً موقفه نحو عاملين أساسيين هما:

أولاً: رفض القرار الأميركي الذي إتخذه الكونغرس عام 1995 والتصدي لتداعياته، بعد أن بقي معلقاً حتى وقع عليه رئيس البيت الأبيض يوم 6/12/2017  للتنفيذ الإجرائي.

ثانياً: دعم الخطوات الفلسطينية، لمواجهة هذا القرار إسرائيلياً على الأرض عبر دعم صمود الشعب الفلسطيني وخاصة في القدس من خلال: 1- القيادات الإسلامية والمسيحية والتوفيق بينهما وتنشيط جهودهما وإتصالاتهما الدولية إسلامياً ومسيحياً، و2- دبلوماسياً وسياسياً عبر الشراكة مع منظمة التحرير ومؤسساتها لتفعيل المؤسسات العربية والإسلامية والأمم المتحدة والأوروبية لتطويق القرار وشل فعالياته وفرض العزلة الدولية عليه، وعدم تمدده.

وبهذا شكل الأردن رأس الحربة السياسية لمواجهة القرار الأميركي وتداعياته، ووضع الصيغ الملائمة والتحركات النشطة التي يقودها رأس الدولة بواسطة خطة عمل وخارطة طريق تحمي المصالح الوطنية الأردنية بشكل متزن وفق أربعة مسارب هي:

1 – التنسيق المسبق مع القاهرة والرياض بأقصى قدر من التفاهم مع العاصمتين.

2 – التوفيق بين علاقات التحالف الأمني والسياسي مع الولايات المتحدة في مواجهة الإرهاب والقضايا ذات الإهتمام المشترك، وبين التعارضات الفاقعة بين عمان وواشنطن في مسألة الإنحياز الأميركي للمشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي والذي يمس المصالح العليا للدولة الأردنية.

3 – عدم الإخلال بمعاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية، ويبدو أن الأردن مازال أسيراً لهذا الخيار، ولذلك تتم محاكمة الخطوات الأميركية الإسرائيلية والتصدي لها في إطار تعارضها مع القرارات الدولية ذات الشأن، والقائمة على رفض الضم الإسرائيلي للأراضي المحتلة عام 1967، و التأكيد على عدم شرعية الإستيطان برمته ورحليه، وعدم قانونية الإجراءات الإسرائيلية كافة بشأن القدس وسائر الأراضي المحتلة.

التوجهات الأردنية الهادفة لحماية المصالح الوطنية الأردنية، ودعم نضال منظمة التحرير وفعالياتها وفصائلها لإستعادة حقوق الشعب العربي الفلسطيني على أرضه وخاصة عودة اللاجئين وفق القرار الدولي 194، ونيل حريته وإستقلاله بإقامة دولته الوطنية على أرض بلاده فلسطين، وفق قرار التقسيم 181، وحل الدولتين 1397، وخارطة الطريق 1515، والإعتراف الأممي المجسد بقرار الجمعية العامة 67/19 الصادر يوم 29/11/2012، وتجديده من نفس الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 18/12/2017، وتتالى هذه التوجهات والجهود الأردنية ونشاطاتها رغم المعطيات الإقليمية المشغولة بتداعيات الحروب البينية العربية، ومأزق التمزق والإنقسام العربي، ودولياً بالإنشغال في مقارعة الإرهاب، ومعالجة قضية اللاجئين المتدفقين نحو أوروبا، وتفرضان الإهتمام والأولوية دولياً، ومع ذلك نجح الأردن عبر الشراكة مع منظمة التحرير والتنسيق المسبق مع مصر والسعودية الذين يشكلون روافع لا يمكن الإستغناء عنها لسياسات التحرك الأردني، بل ويمكن الإعتماد عليها نسبياً لحماية رأس الحربة السياسية نحو تحقيق الخطوات الأردنية ونجاحها، مع وجود خلافات وتباينات أردنية مع السعودية بسبب الموقف من إيران وإمتداداتها وكيفية معالجة سياساتها في العالم العربي، ومع مصر والسعودية بسبب الموقف من جماعة الإخوان المسلمين.

نجاحات أردنية

لقد نجح الأردن في عقد إجتماعات متتالية وتراكمية بداية من عقد إجتماع طارئ لوزراء الخارجية العرب الذي بلور قراراً بتشكيل لجنة وزارية من وزراء ستة دول عربية سيجتمعون في عمان يوم 6/1/2018، لمواصلة تنفيذ ما توصل إليه الإجتماع الوزاري العربي، وعقد قمة إسلامية طارئة في إسطنبول بالتنسيق مع الرئيس التركي أردوغان يوم 13/12/2017، وعقد إجتماعين متتاليين لمجلس الأمن بالتنسيق مع القاهرة عضو مجلس الأمن، توحد خلالهما موقف 14 دولة ضد قرار واشنطن التي وظفت حق الفيتو لإحباط إصدار قرار ملزم، وعقد إجتماع طارئ للإتحاد البرلماني العربي، بدعوة من قبل مجلس النواب الأردني بالتنسيق مع المجلس الوطني الفلسطيني.

قرار مجلس النواب

قرار مجلس النواب بإستحضار معاهدة السلام أمام المجلس وتحويلها إلى اللجنة القانونية للتدقيق بالإجراءات الإسرائيلية ورصد المخالفة منها لمعاهدة السلام، لم يكن قراراً مهنياً من قبل النواب وحسب، بل هو قرار سياسي أمني بإمتياز يعكس حالة التفاهم بين مكونات الدولة الأردنية، وبمثابة رسالة مزدوجة أولها إستجابة لمطالب الشارع والأحزاب، وثانيها نحو العدو الإسرائيلي الذي تجاوز كل الخطوط الحمراء بسلسلة قراراته التي نسف فيها ومن خلالها كل رهانات التوصل إلى تسوية واقعية ومقبولة تفرض التعايش على قاعدة حل الدولتين.

 

الموقف الأردني بدا متماسكاً وهجومياً نظراً لإمتلاكه عامل في غاية الأهمية يقوم على التفاهم والإنسجام الوطني الداخلي بين مكونات الدولة الأربعة وهي: رأس الدولة، والحكومة، ومجلس النواب، والشارع بأحزابه وشخصياته ومؤسسات المجتمع المدني النشطة، حيث تحرك الأردن بقوة معتمداً على تماسك الأطراف الأربعة وتفاهمها كما يجب أن يكون، وموحداً كما نتطلع، ومتماسكاً كما نطمح، إنعكاساً للقواسم المشتركة التي تجمع التيارات السياسية الوطنية والقومية والإسلامية واليسارية، وهو موقف يتباهى به الأردنيون وأبدعوا فيه كلما تعرضت بلادنا للمس والإفتراء والضغط، ومتوحداً على قاعدة مصالحنا الوطنية والقومية والدينية، وفي طليعتها الموقف نحو فلسطين وفي قلبها القدس الشريف.

 

القدس سيادة وتراث

القدس، ليست فقط مجرد جغرافيا نتوسل عودة السيادة العربية الفلسطينية لها، وإستعادة حريتها وبريقها وألقها بما تتمتع به من مواصفات وتاريخ وإرث وعاصمة مستحقة للفلسطينيين، بل أيضاً لما تشكله لنا من مُكمل عقائدي إلى جانب مكة المكرمة والمدينة المنورة المقدستين بالمسجدين الذين يُكملهما المسجد الأقصى، وتتفوق عليهما أنها كانت أولى القبلتين ومحط الإسراء والمعراج لسيدنا محمد، إضافة إلى قيامة السيد المسيح المبشر والهادي لليهود الذين رفضوا دعوته وتعاونوا مع المحتل الروماني للمس به وصلبه، مما شكل تراثاً موحداً لسائر الفلسطينيين وللعرب ولكافة المؤمنين من المسلمين والمسيحيين الذين جسدوا الوحدة بأسمى معاييرها وأدواتها، في مواجهة السياسة الإسرائيلية الأميركية.

القدس تراث للهاشميين، يتباهون بها، وتتباهى بجهودهم منذ مئات السنين كأصحاب دعوة إلتزموا بها منذ الرسول الكريم عليه السلام، وإفتتاحها السلمي على يد الخليفة عمر وعهدته للمسيحيين التي تضمنت عدم دخول اليهود الذين تآمروا على السيد المسيح وسلموه للمحتل الأجنبي الذي قام بصلبه.

الوصايا المتجددة

في 11 أذار 1923، أوصى قادة الشعب الفلسطيني أنذاك، للشريف الحسين بن علي أمانة القدس للحفاظ عليها وحمايتها، فدفع ثمن إستجابته وموقفه من فلسطين ورفضه لوعد بلفور وتداعياته، وتم تجديد تلك الوصاية يوم 30 أذار 2015، وذلك العهد بين رأس الدولة الأردنية القائم بالوصاية الملك عبد الله، وصاحب الولاية الرئيس الفلسطيني محمود عباس بإعتباره رئيساً لمنظمة التحرير الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، ورئيساً لسلطتها الوطنية، مما حمّل الأردن إضافة إلى المسؤولية التاريخية والوصاية المبدئية، تحمل المسؤولية السياسية للعمل على حماية القدس وإرثها، وصمود أهلها من المسلمين والمسيحيين على طريق نيل حريتها وإستقلالها عن المستعمر الأجنبي الإسرائيلي.

الأردن شكل رأس الحربة في مواجهة السياسة الأميركية الإسرائيلية نحو القدس، ولذلك لم يكن صدفة أن يكون الأردن مستهدفاً من قبل أطراف عديدة تتقاطع أدواتها وأساليبها ليست العلنية التي يمكن مواجهتها، بل عبر أدوات ووسائل خبيثة تستهدف مكانة الأردن وسمعته والمس بأحد مظاهره التي يتباهى بها وهي وحدته الوطنية وإستقراره الأمني، ومن هنا جاءت الإشاعة الخبيثة الصادرة من داخل الولايات المتحدة عبر أداة إعلامية مكشوفة بإمتهان الارتزاق والبيع لمن يشتري تعودت إبتزاز بلدان الخليج العربي والأثرياء العرب الذين تعمل على مسهم عبر ضربات موجعة تحت الحزام مستغلة حرية العمل الصحفي المتاح أميركياً، فيتم توظيفها، وتجاوز المحرمات السائدة في عالمنا العربي فيتم تدميرها والقفز عن خطوطها الحمراء، مما يشكل حوافز للمتابعين للإهتمام بها لكونها تملك وقاحة النشر ولا أقول شجاعته، وتملك وقاحة المس بالمحرمات وعدم إحترامها.

لقد صمد الأردن طوال سنوات الربيع العربي المدمرة في مواجهة محاولات التسلل عبر الحدود السورية والعراقية، من قبل تنظيمي داعش والقاعدة، مثلما أحبط محاولات الخلايا الكامنة في تنفيذ عمليات تفجيرية أو عمليات إغتيال مقصودة، وبعد فشل وإحباط كافة هذه المساعي تسعى الأطراف الإستخبارية المعادية للمس بسمعة الأردن عبر الإعلام وإشاعة الأكاذيب وتعميم الإفتراءات ونشرها، ولكن الأردن الذي صمد في وجه محاولات التسلل، ومخططات الخلايا الكامنة، سيصمد في وجه الضغوط والإفتراءات، معتمداً على تماسك جبهته الداخلية، ووحدة مكوناته، وإستقلال إرادته، نحو حماية أمنه الوطني، ومواصلة دعم نضال الشعب الفلسطيني لإستعادة حقوقه الكاملة غير المنقوصة، على أرض وطنه الذي لا وطن له سواه.

h.faraneh@yahoo.com

 

* كاتب سياسي مختص بالشؤون الفلسطينية والإسرائيلية.

 

 

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]