«خارطة طريق قرطاج».. لتحديد مصير تونس
تخيم على المشهد السياسي في تونس، حالة من الترقب الحذر، مع تناقض التوجهات بشأن مبادرة الرئيس التونسي، الباجي قايد السبسي، للبحث عن مخرج آمن للوضع الراهن، بتشكيل حكومة وحدة وطنية، تتحمل عبء إنهاء الأزمات الإقتصادية والسياسية في البلاد.. وكان قائد السبسي دعا في الثاني من يونيو/حزيران الجاري، إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية لإخراج البلاد من وضع اقتصادي واجتماعي صعب، مشترطا أن يشارك فيها الاتحاد العام التونسي للشغل «المركزية النقابية» والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية «المنظمة الرئيسية لأرباب العامل».
وأعلن السبسي أن حكومة الوحدة الوطنية، لن تنجح إن لم تشارك فيها هاتان القوتان.
ورغم توافق القوى السياسية والشعبية في تونس، على ضرورة “رحيل” حكومة الصيد، بعد أن فشلت في أداء دورها، وعجزت عن معالجة الأزمات والقضايا .. إلا أن الشارع السياسي قي تونس، يشهد إنقساما تجاه دعوة الرئيس السبسي للمشاركة في حكومة الوحدة الوطنية ، والتي تراها القثوى السياسية “حكومة إنقاذ” .. ورفضت أكبر قوتان نقابيتان المشاركة، حيث أعلنت المنظمة الرئيسية لأرباب العمل في تونس ، دعم مقترح الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي تشكيل حكومة وحدة وطنية، لكنها رفضت المشاركة فيها مثلما اشترط قائد السبسي لإنجاحها. وسبق أيضا للاتحاد العام التونسي للشغل أكبر نقابة مركزية في البلاد، أن أعلن رفضه المشاركة في حكومة الوحدة التي دعا السبسي لتشكيلها لكنه أعلن دعمه للمقترح.
ولفت المسؤول بالاتحاد العام للشغل، سامي الطاهري، إلى أن مقترح الرئيس التونسي يأتي تفاعلا مع الوضع الراهن للبلاد على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، حيث ازدادت الأوضاع صعوبة وفق ما تعكسه كل المؤشرات والإحصائيات الرسمية، وهو ما أصبح ينذر بما هو أسوأ وأخطر ما لم يتم التحرك بالسرعة اللازمة وبالفاعلية المطلوبة.. بينما ترى قوي نقابية، أن مبادرة رئيس الجمهورية محاولة لإخماد الحراك الاجتماعي.. وقال الأمين العام لحركة الشعب، زهير المغزاوي، خلال ندوة بالعاصمة التونسية، إن مبادرة رئيس الجمهورية بتشكيل حكومة وحدة وطنية، بدت موجهة بالأساس الى الاتحاد العام التونسي للشغل دون سواه، في محاولة لإخماد الحراك الاجتماعي في البلاد”. وأكد المغزاوي، أن الاوضاع الاجتماعية المتردية التي يعيشها الشعب التونسي، هي المسؤول الوحيد عن بروز التحركات الاجتماعية واندلاعها في مختلف جهات البلاد.
وأوضح “المغزاوي” ، أن هذه المبادرة هي إقرار بفشل الائتلاف الحاكم في ادارة المرحلة الحالية، والتي لا تحتاج الى حكومة وحدة وطنية، بقدر ما تقتضي ارساء برنامج وطني قادر على محاربة الفساد والإرهاب، والمحافظة على استقلالية القضاء وتحسين الخدمات الاجتماعية لفائدة المواطن التونسي وخدمة مصالحه، و الشروع في تنظيم حوار وطني يجمع بين مختلف الاطياف السياسية، للتباحث والتشاور حول العديد من المحاور التي تستجيب لانتظارات المواطن التونسي، باعتبار ان الحوار يظل هو الخيار الاستراتيجي الوحيد للخروج بالبلاد من الأزمة التي تعيشها.
ومن جانبه، يؤكد السياسي التونسي ،عبادة الكافي، عضو كتلة الحرة بالبرلمان “حركة مشروع تونس” ، أن اختيار أعضاء الحكومة الجديدة سيكون صعبا، لأنها يجب أن تضم كفاءات عالية تكون في الوقت ذاته كفاءات سياسية، حتى يتسنى لها فهم الوضع السياسي ولا تتعامل مع الوضع بطريقة تقنية جافة،
الرئيس التونسي، بدأ منذ أسبوع تقريبا ، عددا من اللقاءات المكثفة، شملت نخبة من السياسيين والحزبيين والنقابيين والأكاديميين، في إطار التشاور حول تشكيل الحكومة الجديدة .. ومن المتوقع أن تفرز مشاورات قصر قرطاج وسط الأسبوع المقبل، خارطة طريق، لتشكيل حكومة جديدة تقوم على الوحدة الوطنية، وهو ما يعيد الى الاذهان خارطة طريق الحوار الوطني.
ووفقا لتحليل صحيفة الشروق التونسية، فإن ما يدور هذه الايام من مشاورات لتشكيل حكومة وحدة وطنية أعاد الى اذهان التونسيين ما عاشوه في النصف الثاني من 2013 وتحديدا خلال فترة الحوار الوطني، والتي انتهت باستقالة حكومة علي العريض، وتكليف حكومة جديدة يتراسها مهدي جمعة. والصورة متشابهة تقريبا، بصرف النظر عن الدوافع الحقيقية لتنحية كل من الحكومتين، بينما تلمح حكومة “الصيد” حاليا الى امكانية المماطلة في تقديم استقالتها، ويدور حديث حول تصميمها على تفعيل الآليات الدستورية لتنحيتها. وهو ما فعله تقريبا علي العريض في تلك الفترة عندما رفض تقديم الاستقالة الى آخر محطة في المشاورات. ويكمن وجه الشبه ايضا في ان اسم رئيس الحكومة القادم سيبقى في كنف المجهول الى حد الاعلان عنه رسميا، رغم تداول أكثر من اسم تماما مثلما حصل في 2013 ،وبالتالي قد يتكرر عنصر المفاجأ الذي حصل عندما وقع الاعلان عن اسم «مهدي جمعة» مطلع 2014 دون أن يتوقعه أي كان، ويقع الاعلان هذه المرة عن اسم غير معروف لرئاسة حكومة الوحدة الوطنية.
وكشفت المصادر، أنه من المنتظر الاعلان يوم الأربعاء المقبل عن لجنة مكونة من المشاركين حاليا في اللقاءات التي يشرف عليها رئيس الجمهورية ليواصلوا التشاور في اطار ضيق لضبط خارطة الطريق وتنفيذها على ان لا يتجاوز كل ذلك شهر رمضان.
ويشير تقرير الصحيفة التونسية، إلى أنه من الثابت أن خارطة الطريق ستكون منطلقا لمشهد جديد سيلقي بظلاله حتما على الساحة السياسية خصوصا ان الحكومة ستكون ــ وفق ما تردد من كواليس الاجتماعات الاولى ــ سياسية أي تتكون من مجموعة أحزاب حتى يقع تشكيل حزام سياسي لها يساندها ويدافع عن خياراتها. وهو ما يعني ان المشهد الحالي قد يتغير خاصة بالنسبة لعلاقة السلطة والمعارضة. كما أن الحكومة الجديدة ستعمل وفق برنامج عمل مصغر تشارك فيه المنظمات الوطنية والأحزاب ويضبط هذا البرنامج اولويات المرحلة القادمة وسبل تنفيذها.
ويرى المراقبون، وفقا لتحليل صحيفة الشروق التونسية، إذا سارت الأمور في توافق تام بين المشاركين في المشاورات وتحققت الوحدة الوطنية عبر الحكومة القادمة من خلال تشريك احزاب المعارضة او المنظمات الوطنية في ضبط اولويات الحكومة والتعهد بتنفيذها، ووقع التوافق على رئيس حكومة يحظى بالاجماع وبثقة كل المكونات، فانه لا يمكن انتظار غير مشهد مثالي للوضع العام في الفترة القادمة، يحضر فيه الهدوء والاستقرار وتغيب عنه التقلبات والتجاذبات السياسية وهو ما تنتظره تونس منذ 5 سنوات.