سياسة الهند تجاه الصين باتت مشوشة بين مخاوف استعداء قوة عظمى في العالم، وتحفظات على الشراكة الكاملة مع منافس إقليمي كان عدوا يوما ما، وما زال بينهما نزاع حدودي.
تناقض واضح وصريح
مجلة فورين بوليسي الأمريكية سلطت الضوء على هذا التناقض بالإشارة إلى نقطتين، الأولى هو اتفاق زعماء وأستراليا والهند واليابان والولايات المتحدة في قمة الحوار الأمني الرباعي الشهر الماضي، على تبادل المعلومات في منطقة المحيطين الهندي والهادئ كرد فعل على النشاط الصيني في المنطقة.
وبعد أيام، خرجت أنباء مفادها أن الهند وافقت أيضًا على العمل مع الصين في مجال التعاون الفضائي، بما يسمح بمشاركة البيانات بين دول البريكس، والتي تشمل أيضًا البرازيل وروسيا وجنوب إفريقيا. هاتان الخطوتان المتناقضتان تجسدان المعضلة التي تواجهها الهند والتي تجعلها مستعدة للعمل مع بكين في مناطق معينة والعمل ضدها في مناطق أخرى، بمبدأ التعددية في العلاقات والحذر من غضب الصين.
أضف إلى التقارب بين البلدين، العلاقات التجارية العميقة التي وصلت إلى مستوى قياسي بلغ 125 مليار دولار خلال العام الماضي، لكن رغم ذلك فإن الهند لا تتطلع لصداقة مع الصين التي تشترك معها في حدود متنازع عليها بطول 2000 ميل.
والمنطق هنا أنه لا يمكن أن تكون صديقا وعدوا في نفس اللحظة، فقبل عامين قتل 20 جنديًا هنديًا وما لا يقل عن أربعة جنود صينيين في قتال حدودي شمال جبال الهيمالايا هو الأكثر دموية بين البلدين منذ عام 1967.
ورغم الهدوء الحالي على الحدود، يتمركز أكثر من 100 ألف جندي إضافي من كلا الجيشين في الجبال الفاصلة ، لكن الهند غير قادرة على إجبار الصين على إعادة الوضع الحدودي إلى ما كان عليه مطلع 2020.
واختتمت فورين بوليسي تحليلها بأن الهند تتجنب أيضا الشراكة القوية مع الولايات المتحدة خشية تصعيد الصين وهو ما يجعلها دائما في خطر الوقوع بين المطرقة والسندان.
الاستفادة من الخلافات بين الصين والهند
بداية، قال الدكتور وائل عواد، الخبير في الشئون الآسيوية، إن العلاقات (الهندية الصينية) علاقة قديمة ووطيدة بين الجانبين وكلن تشوبها بعد التوترات خاصة بعد الاستقلال عن الاستعمار البريطاني حيث استمرت الخلافات الخدودية بين البلدين.
وأضاف عواد خلال برنامج “مدار الغد” أن الخلافات الحدودية بدأت تطغى مؤخرا على العلاقات التاريخية بين عملاقي آسيا، مشيرا إلى أن بكين بدأت تنظر إلى الهند نظرة مختلفة بعد تعزيز الأخيرة التعاون مع الدول الغربية التي تعادي الصين.
كما أوضح عواد أن الخلافات تسببت في تأزم العلاقات بين البلدين، وستظل موجودة حتى بالرغم من أنه ما زال هناك تعاون اقتصادي وطيد.
ويرى عواد أن الولايات المتحدة الأمريكية تحاول استغلال الخلافات الهندية الصينية لصالحها، وهو ما فعلته إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عام 2018، كما أن الإدارة الحالية بقيادة جو بايدن تحاول تحديث الترسانة العسكرية للهند لمضاهاة الصين.
وأردف قائلا:” العلاقات الهندية الصينية يجب أن نحللها من تاريخي وليس من منظور التجورات الأخيرة، خاصة وأن البلدين يشتركان في حدود تبلغ أكثر من 4000 آلاف كيلو متر، وبالتالي فإن اندلاع حرب بين البلدين أمر سيكون خطير ومدمر لهما وللعالم”.
قضية الحدود معقدة جدا
ومن بكين، قالت سعاد ياي شين هوا، الكاتبة الصحفية، إن قضية الحدود بين الصين والهند مسألة معقدة جدا، ويعود لزمن بعيد، مؤكدة أن البلدين ذات حضارة عريقة ويجب أن يعملان سويًا لمواجهة التحديات.
وأضافت تشين هوا أن الصين تنتهج الحوار والدبلوماسية دائما في فض المنازعات مع الدول خاصة الحدودية، لافتة إلى أن بكين والهند في العام 2018 جددتا التأكيد على ضرورة أن يوفر كل طرف للأخر فرصا للتنمية.
كما أوضحت تشين هوا أن الصين تلتزم بسياساتها الخارجية، حيث أعلنت أنها لن تتدخل في شؤون الدول كما تفعل الولايات المتخدة الأمريكية مع أوكرانيا في حربها ضد الصين.
واستكملت قائلة: “هناك اتصالات متواصلة بين الصين والهند لتوفير فرص لحل الخلافات بشكل ملائم، ويمكن أن نلاحظ أن الدولتين يتمتعان بمصالح مشتركة في شتى المجالات، ومسألة الحدود قديمة ومتجذرة”.
إرث عدم الانحياز مهم
ومن واشنطن، قال برنت سادلر، مؤسس المجموعة الاستشارية البحرية لآسيا والمحيط الهادئ بوزارة الدفاع الأمريكية، إن العلاقة بين الصين والهند علاقة معقدة للغاية، وأن صناع القرار في الهند مرتبكون فيما يتعلق بهذه القضية.
وأكد سادلر أن الصين والهند يعملان على (إرث عدم الانحياز) منذ الحرب الباردة، وهذه هي الأيدلوجية لتجنب المواجهة في الكثير من الملفات بنهما، لكن الواقع يكشف أن بكين أكدت على طلبها فيما يتعلق بقضية الحدود رغم إبرام شراكات متعددة.
كما أشار سادلر إلى أنه من مصلحة البلدين عدم الانحياز ومواصلة تحقيق النمو بدلا من المواجهة مع بعضهم البعض بشكل واضح.
ولفت سادلر إلى أن الولايات المتحدة ليس لديها القوة لجذب الهند إلى معسكرها، ولكن ما يحدث هو أن الهند تنظر من حولها إلى التوتر المتزايد مع الصين وترى في واشنطن شريك إستراتيجي لها.
