هل تضحى العزلة العالمية مصير روسيا حال غزت أوكرانيا؟

تصعيد وتحشيد ومناورات روسية وأوكرانية، في المقابل تحذيرات وتهديدات غربية من عواقبَ باهظةِ التكلِفة وتوقعات بعزلة عالمية إذا ما اجتاحت روسيا جارتَها الغربية،

200 ألف جندي

وحسب تقاريرَ غربية تنشر روسيا حاليا نحو 200 ألف جندي على طول حدودها مع أوكرانيا، وتتمركز هذه القوات في 3 مناطق أولاها: بالقرب من بيلاروسيا، وثانيتُها: قرب ما يطلقُ عليهما جمهوريتا لوهانسك ودونتيسك الانفصاليتان بشرق كييف، إضافة إلى التواجد في شبه جزيرة القرم.

وتشير تقارير إلى أن 30 ألفَ جندي روسي يشاركون في مناورات عسكرية داخل بيلاروسيا، بالقرب من حدودها مع أوكرانيا والبالغةِ نحوَ 1000كيلومتر.

وفي المقابل عزز الناتو من وجوده العسكري في الدول القريبة من روسيا، إذ ينشر الحلفُ نحوَ 1150 جنديا في إستونيا، و1650 في لاتفيا، ومثلِهم في ليتوانيا، ونحوَ 6 آلاف و500 جندي في بولندا و5 آلاف في رومانيا، و400 جندي ببلغاريا.

ووصف الأمين العام للناتو ينس ستولتنبيرج، هذه التجهيزات حول أوكرانيا، بأكبر حشد لقوات عسكرية منذ نهاية الحرب الباردة، كذلك تقول الولايات المتحدة إن روسيا قامت بحشد القوات اللازمة لشن عمل عسكري على أوكرانيا في أي لحظة، بينما لا تزال موسكو تتهم دولَ الناتو بضخ الأسلحة إلى أوكرانيا، وتطالب بوقف توسع الناتو في أوروبا الشرقية.

كذلك تطلب موسكو من واشنطن التي تقود الحلفَ، سحب جميع الوحدات القتالية من دول البلطيق وشرق ووسط أوروبا، إضافة إلى عدم نشر صواريخَ للناتو في تلك المناطق.

روسيا لا تخشى الغرب

في هذا السياق، قال الباحث في العلاقات الدولية من العاصمة موسكو، ستانيسلاف ميتراخوفيتش، إن موسكو لا تخشى من الغرب وإلا ما كانت تقوم بإجراء مناورات عسكرية على الحدود الأوكرانية.

وأضاف ميتراخوفيتش خلال مشاركته في برنامج “مدار الغد” أن الأزمة الأوكرانية نوع من أنواع الحروب الباردة لكنها ليست كالتي حدثت في الماضي، مشيرا إلى أن الوضع الآن بات مختلفا.

وأكد أن روسيا لن تسمح لحلف شمال الأطلسي (الناتو) بأن يضم أوكرانيا، وفي النهاية سيتم التوصل لحل وسط، ولكن قد تحدث سيناريوهات عسكرية.

واستكمل قائلا: “العقوبات الاقتصادية الغربية لا يمكن أن تحذف روسيا من على الخريطة العالمية، وهو أمر مستحيل، والدليل على ذلك أن القوى الكبرى لم تستطع عزل إيران عن العالم”.

وأوضح أن الولايات المتحدة الأمريكية والغرب يسيطرون على أوكرانيا، وتقوم أوكرانيا بتطبق أجندات خارجية وهي دولة ليست ذات سيادة، فروسيا يجب أن تضمن عدم انضمامها للناتو “.

وجدد التأكيد على أن روسيا تريد عم انضمام أوكرانيا للناتو، ولا يمكن لموسكو أن تقبل نشر صواريخ وقوات أوروبية عبر الحدود الأوكرانية.

عزلة

من جانبه، يرى الأستاذ في معهد العلوم السياسية في باريس، الدكتور فادي شاهين، أن أي غزو روسي لأوكرانيا ستكون نتائجه كارثية على موسكو، التي ستبصح بمعزل عن العالم.

وأكد شاهين أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يعلم العواقب الوخيمة التي ستترتب على أي غزو لأوكرانيا، ولكن هو يريد أيضا أن يكون جزءا من الغرب وألا تتحول بلاده إلى دولة “مارقة أو منبوذة”.

وأوضح أن بوتين يسعى للحصول على ضمانات أمنية تتمثل في عدم انضمام أوكرانيا للناتو، وضمان تشغيل خط غاز نورد ستريم 2″ لأنه لا يعمل حتى الآن بسبب مشاكل جيوسياسية.

وأشار شاهين إلى أن الروس خبراء في التضليل، ولديهم خبرة في الحرب النفسية على الشعب الأوكراني، وكذلك واشنطن تفعل الشيء نفسه، وعموما السرديات كلها غير مقبولة، وأوكرانيا بالفعل دولة ذات سيادة ولها الحق الانضمام لأي حلف.

وتابع: “أوروبا ليست مستعدة للاستغناء عن روسيا لأنها بحاجة دائما لغاز موسكو، وبحاجة أيضا لتبقى حدودها هادئة وغير متوترة، ولا يوجد أي أحد في أوروبا جاهز لأي سيناريو للحرب في أوكرانيا”.

عقوبات قاسية جدا

وقالت المستشارة السابقة للرئيس باراك أوباما، لوري وايتكينز، إن الإدارة الأمريكية أخبرت الرئيس جو بايدن استنادا إلى تقارير استخباراتية أن نظيره الروسي لا يزال يخطط لغزو أوكرانيا، ولكن واشنطن تأمل أن تنجح الدبلوماسية في حل الأزمة الأوكرانية.

وأضافت وايتكينز أن الرئيس بوتين طريقته دائما عدوانية، ويحشد آلاف الجنود على الحدود ويستمر في التصعيد ويقول عكس ذلك، مشيرة إلى أن المفاوضات وصلت إلى النقطة الأخيرة.

كما أوضحت أن الغرب سيفرض عقوبات قاسية على أفراد وبنوك والبلد ككل، ويمكن أن نعتبر أن روسيا سيتم حذفها من السوق العالمية، ولن تحصل على صادرات أو واردات.

وأردفت: “أتمنى أن يعود بوتين للدبلوماسية، مؤكدة في الوقت نفسه أن الولايات المتحدة ستواصل دعم أوكرانيا والتعاون مع الحلفاء والناتو، والشعب الأوكراني لديه الحق في اختيار مساره”.

وشددت على أن الولايات المتحدة لا تريد أن تدخل في حرب مع روسيا، وأن هدف أمريكا هو حماية الشعب الأوكراني، ودعم حلفاء الناتو، وهناك آلاف الجنود منتشرون بالسلاح عبر الحدود للحماية من الحكومة الروسية.

3 جبهات مفتوحة

ورغم التحشيد العسكري الروسي الهائل على 3 جبهات حول أوكرانيا، وعدم حصول موسكو حتى الآن على التطمينات الغربية اللازمة لضمان أمنها القومي، يبقى تجنب الحرب أملا أمريكيا أوروبيا وإن كان ضعيفا.

لكن السؤال الآن.. في حال تحول ذلك الأمل الضعيف إلى حقيقة، هل يعني ذلك نهاية الأزمة الأوكرانية؟ أو بالأحرى نهاية صراع روسيا مع الغرب؟

في هذا السياق قال أستاذ العلاقات الدولية بجامعة جنيف، الدكتور حسني عبيدي، إن الغرب لا يعرف نوايا روسيا حول أوكرانيا.

وأكد عبيدي أن ظروف نشوب حرب ما زالت قائمة، وستبقى المعضلة كما هي حتى وإن لم يتم الغزو المحتمل، لأن موسكو تريد تغيير معالم الخريطة الدولية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

ويرى عبيدي أن توصية (الدوما) تعتبر ورقة ضغط مهمة في يد بوتين لأنها تطالب الاعتراف بجمهوريتين جديدتين في شرق أوروبا، ومع ذلك روسيا تريد ضمانات بعدم ضم الناتو لأوكرانيا.

كما أكد عبيدي أن روسيا لديها الحق في الحصول على ضمانات أمنية لأنها دولة كبيرة تربطها حدود مع أوكرانيا، ولكن في الوقت ذاته أوكرانيا دولة ذات سيادة ولها أيضا الحق.

ومن مصر، قال رئيس مركز القاهرة للدراسات الإستراتيجية، أحمد المسلماني، إن العالم اليوم يشاهد الجولة الثانية من الحرب التي بدأت بالفعل في عام 2014 عندما ضمت روسيا شبه جزيرة القرم.

وأضاف أن دونباس شهدت مقتل 14 ألف شخص وتهجير 1.4 مليون آخرين، مشيرا إلى أن التاريخ يعيد نفسه، ومن الصعب التوقع بأي سيناريوهات، ويمكن أن يحدث الغزو وممكن  أن لا يحدث.

كما أكد أن كلمة الحرب العالمية الثالثة أصبحت على لسان بعض الرؤساء والقادة، في إشارة إلى أكبر تعبئة منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية،  ولا يمكن التوقع أو التنبؤ بأي أحداث.

وتابع: “أعتقد أن أوروبا لم تعد أوروبا واحدة، فهناك من يريد الوساطة مع روسيا، وهناك من يريد أن يصل الأمر لحد التحجيم العسكري كبريطانيا، الأمر الثاني أن إدارة ترامب قد تعود مرة أخرى وهي غير مقتنعة بأوروبا، ومن ثم على أوروبا أن تحدد هل في جانب روسيا أم ضدها”.

وأشار إلى أن روسيا تدرك أنه لا ثقة في أي مواثيق، لأن هناك اتفاقيات على عدم توسع الناتو وقد توسع الحلف الأطلسي، وهناك اتفاقيات في أوكرانيا لنزع النووي وقد أعادته مرة أخرى، ومن ثم كل الوعود والاتفاقيات لم تعد آمنة ومضمونة ما لم تكن مربوطة بتوازن على أرض الواقع”.

تجدر الإشارة إلى أن الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، قال إن روسيا تريد الحرب والاعتداء على سيادة كييف، مؤكدا أن بلاده جاهزة للرد على أي عدوان.

وطالب زيلينسكي، اليوم السبت، الغرب بضمانات أمنية حقيقية لمنع روسيا من غزو كييف، وكذلك سرعة فرض عقوبات وقائية عليها.

وانتقد زيلينسكي خلال كلمة له في (مؤتمر ميونيخ للأمن) الغرب لعدم إعلان قائمة العقوبات على روسيا حتى الآن، قائلا :”نحتاج لردع روسيا قبل غزو أوكرانيا وليس بعدها”.