تراقب الدوائر السياسية والعسكرية في الغرب، ما وصفته بمؤشرات الحرب العالمية الثالثة في سوريا، واحتمالات اشتعال المواجهة المباشرة بين القوتين العظميين الاتحاد الروسي والولايات المتحدة الأمريكية على الأرض السورية، ومن بوابة حلب الساخنة ، أم سوف تقتصر المواجهة بينهما على أجواء من الحرب الباردة؟!
من الواضح أن هناك تخوف دولي من اشتعال المواجهة بين واشنطن وموسكو، وسبق أن أعرب نائب رئيس الوزراء التركي، نعمان قورتولموش، الأربعاء الماضي ، عن تخوّف أنقرة من أن يتحول النزاع السوري إلى مواجهة عالمية، بسبب ارتفاع حدة التوتر بين روسيا والولايات المتحدة اللتين تدعمان أطراف النزاع.
استبعاد اشتعال حرب عالمية ثالثة
ويستبعد خبراء عسكريون مصريون، اشتعال المواجهة وانتقالها من حرب بالوكالة على الساحة السورية، إلى مواجهة عسكرية بين واشنطن وموسكو، لن تقف عند الحدود السورية ولكنها تشعل حرب إقليمية واسعة أو عالمية، وهذا الانحراف للدمار في المنطقة ، خارج تقديرات الإدارتين الروسية والأمريكية تماما، بحسب تعبير الخبير العسكري، اللواء محمود عبد اللطيف، لأن الأوضاع في الإقليم مهيأة للإنفجار في أية لحظة، ولن تتحمل روسيا وأمريكا التكلفة، خاصة وأن مصالح كل منهما داخل دوامة النزاع السوري ، لا تعادل مخاطر أو مغامرة الحرب التي لن تقتصر على القوتين بل سوف تنخرط فيها قوى إقليمية وعربية، لها تواجد في سوريا، سواء تركيا أو إيران أو حتى دول الخليج التي تدعم المعارضة السورية المسلحة.
حرب بالوكالة لتصفية حسابات
وأضاف اللواء عبد اللطيف للغد: الحاصل أن سوريا تحولت إلى مكان تصفية الحسابات بين القوى العالمية، وهذه حقيقة المشهد، أي ليست حرباً أهلية، كما يدّعون، وليست مسألة تغيير نظام. وليست مسألة ديموقراطية وحريات، بل هي حرب بالوكالة بين القوى الأطلسية والقوى الآسيوية، وأدواتها على الجبهة هم تنظيمات تكفيرية متشددة، ومعارضة سورية مسلحة، وجيش النظام السوري، والمعروف أن “الحروب بالوكالة” مقيدة بتقديرات حساب بين المصالح والتكلفة، وبين الهدف وحجم التضحية، مع الاحتفاظ بقنوات مفتوحة للتراجع ، وبمعنى ليس من السهل ، ولا بمنطق التقديرات العسكرية ، أن تتقبل واشنطن أو موسكو السقوط في مستنقع دموي خطير من صور الحرب العالمية، ولكن يمكن كما هو حاصل أن تدور موجهة بالوكالة طالما هي خارج حدود الدولتين.
حرب “التموضوعات” الجيوسياسية
وقال الخبير العسكري للغد: من الواضح أن اجتماع “لوزان” اليوم سيكون مراوحة أو بالأحرى مراوغة داخل الدائرة المفرغة، يقدمها الثنائي جون كيري وسيرغي لافروف، وهذا لن يغيّر شيئاً من الواقع في حلب، خاصة ما يتصل بوقف النار وإستئناف توزيع المساعدات الإنسانية وحل النزاع، أما الحديث عن بدائل عن الحل الديبلوماسي والتلويح الأمريكي ” الشكلي” بقصف مناطق النظام السوري ، هي مجرد تهديدات، تصدت لها روسيا بنصب صواريخ “أس ٣٠٠” في طرطوس، وهما ، أي روسيا وأمريكا، تتصارعان في سوريا لإعادة توضيب التموضعات الجيوسياسية الإقليمية في سياق ينبئ بنشوء ما يشبه الحرب الباردة فقط ، بأشكال وتحالفات مختلفة. ويصبّ في السياق ذاته انقسام أطراف الصراع السوري على محوري الصراع العالمي، ما يدل على عدم إمكانية حسم الصراع عسكرياً.
وأوضح “اللواء عبد اللطيف،” أن اقصى ما تصل إليه المواجهة بين القوتين ، سيكون حرب المواقع، و جولات أخرى من الصراع داخل سوريا ، ربما أكثر دموية وأشد تدميراً.، وهكذا تدير واشنطن وموسكو الصراع واستثماره على الأراضي السورية، ولذلك علاقة باستمرار الخلافات والتناقضات على الأهداف والأولويات والمصالح الحيوية والاستراتيجية في سوريا وباقي دول الإقليم.
تفارب الضرورة بين واشنطن وموسكو
ويرى الخبير العسكري، العميد علوي فهمي، أن المواجهات العسكرية داخل سوريا، وخاصة على جبهة حلب، دخلت مرحلة جديدة من نزاع متواصل تبتعد فيه إمكانية التسوية السياسية، وإن بدت ممكنة في لحظة تقاطع مصلحي عابرة .. وقال “فهمي” ما يقال عن حرب عالمية ثالثة تنفجر من سوريا، أمر مستبعد تماما ، لأن هناك ما يمكن وصفه تقارب الضرورة بين الدول الكبرى، روسيا وأميركا تحديدا، والتنسيق الروسي مع إيران وتركيا خطوات قد تكون مفيدة في التوقيت المناسب. إلا أن العملية السياسية لإيجاد تسوية ممكنة للنزاع تخص أطراف الداخل، ولكل منها موقعه المتصل بتطورات الميدان، مباشرة أو بالواسطة، عبر شريك خارجي نافذ.
على أبواب حرب باردة فقط
وأضاف : إذا تحدثنا من منظور المصالح والأهداف ، فهي أهداف لمصالح إقليمية للقوتين العظميين، ومن الممكن أن تشتعل أجواء حرب باردة بينهما ، ومن الممكن أن نرصد مؤشرات مناخ الحرب الباردة، ولكنها لن تتعدى ذلك إلى تكلفة باهظة للقوتين تعيد تماما معادلات داخلية وخارجية، وكل من واشنطن وموسكو تتحسبان جيدا لما قد يحدث، وبالضرورة لن تغامر أيا منهما للسقوط في دوامة حرب لا يعرف أحد أين ومتى تنتهي، وما هي نتائجها على الصعيد الدولي
وأكد الخبير العسكري، أن الحرب الشاملة الموسعة في صورة حرب عالمية، مستبعدة تماما، وخاصة أن الإدارة الأمريكية دخلت مرحلة “تسليم وتسلم” مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية وتشكيل إدارة جديدة، وهي صورة لا تتضح أمريكيا إلا في ربيع العام المقبل، وقبل هذا لن تتحمل الإدارة الحالية وهي تلملم أوراقها الدخول في مستنقع حرب عالمية ، ولا تختلف الصورة بالطبع عن الوضع في الكرملين، فالقوى العظمى تبني حساباتها على أسس ومعادلات أكثر تعقيدا، وليس بالعاطفة أو مشاعر انتصار عسكري عابر.
