في الوقت الذي ترى فيه تركيا أن الاتفاق الدفاعي بين فرنسا واليونان يضر بحلف الناتو، تواصل أنقرة إدارة ظهرها للمعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة والتقارب أكثر فأكثر مع روسيا.
وأضحت تركيا وفق مراقبين بمثابة الخنجر في خاصرة الحلف الأطلسي، وذلك بعد اتخاذها سلسلة من الإجراءات خلال الفترة الأخيرة عمقت الخلافات مع واشنطن وشركائها في الناتو، والتي كان أولها اقتناء تركيا منظومة صواريخ “إس 400” الدفاعية من موسكو رغم التحذيرات الأمريكية من تلك الخطوة التي تشكل اختراقا روسيا للناتو.
سياسة الصبر
بداية، قال روجر فيسك، مساعد الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، إن الولايات المتحدة الأمريكية تتعامل مع تركيا بسياسة الصبر، مؤكدا أن المشكلة بين البلدين ليست في صفقات السلاح التي تبرمها أنقرة مع روسيا، وإنما خوف من اتجاهها نحو الفكر الديكتاتوري.
وأضاف روجر فيسك، خلال مشاركته في برنامج “مدار الغد” أن هناك مؤشرا واضحا بأن تركيا تتقارب جدا مع الروس وتبعد كثيرا عن الأمريكان، لذلك هناك حاجة ماسة لعودة العلاقات الإستراتيجية بين البلدين.
كما أوضح فيسك أن عودة العلاقات الطيبة بين واشنطن وأنقرة تتطلب مزيدا من العمل الدبلوماسي، مشيرا إلى أن إدارة بايدن ستتعامل مع أردوغان بالدبلوماسية بعيدا عن الخيار العسكري.
تعميق الخلافات
ومن أربيل قال الدكتور سربست نبي، أستاذ الفلسفة السياسية في جامعة كويه، إن روسيا تحاول ابتزاز الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
وأكد نبي أن بوتين هو أفضل رئيس استطاع استدراج أردوغان إلى تنفيذ ملفاته وأجنداته، فضلا عن أنه عمق الخلافات مع تركيا والولايات المتحدة الأمريكية.
كما أشار نبي إلى أن كل هذه الأمور جعلت أردوغان يتوقع أن يستطيع الضغط على حلفائه من خلال التقرب من روسيا، موضحا أن رئيس تركيا لم يعد يملك خيار العودة.
وتابع: “كل طموحات أردوغان السياسية في المنطقة جعلته يقع في تناقضات مع دول المتوسط واليونان وأمريكا”.
انعدام الثقة
ومن إسطنبول، قال محمود علوش الباحث في العلاقات الدولية، إن تركيا لن تتخلى عن شراكتها الغربية، ويرى أن ما تفعله مؤخرا هو انتهاج سياسة متوازنة مع كل الدول.
وأضاف علوش أن هناك مشكلة رئيسية لكثرة الخلافات بين تركيا وأمريكا من ناحية، ومع الغرب من ناحية أخرى، مشيرا إلى أن أنقرة لجأت لموسكو بعد أن زودتها الولايات المتحدة بمنظومة صواريخ باتريوت.
كما أكد علوش وجود مشكلة عميقة في العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا،وحالة من انعدام الثقة بين الرئيس التركي ونظيره الأمريكي، والأخير لديه مواقف متطرفة تجاه الأول.
أمر واقع
وفيما يتعلق بالتواجد التركي في سوريا بحجة محاربة الإرهابيين، يرى ستانيسلاف بيشوك أستاذ العلوم السياسية في جامعة موسكو، أن روسيا لا ترغب في أن تكون سوريا ولاية روسية تابعة لها.
كما أوضح بيشوك أن هناك كثيرا من الخلافات في وجهات النظر بين روسيا وتركيا في الأراضي السورية، وهناك أيضا هناك “أمر واقع” مفروض على الأرض، لافتا إلى أن القوات الروسية لا تتدخل في المناطق التي تسيطر عليها أنقرة والعكس صحيح.
وأضاف: “أعتقد أن أردوغان وبوتين يتفهمان وقف النزاع في الأراضي السورية، ولا يمكن حتى تسوية العديد من المشكلات من خلال التوقيع على وثيقة لأن الأمر يستدعي وقتا طويلا:”.
جدير بالذكر أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أعلن مؤخرا عزمه شراء دفعة ثانية من منظومة الصواريخ الروسية، ولم يتوقف عند هذا الحد، بل ذهب إلى الإفصاح عن تطلعه لاتخاذ خطوات دفاعية إضافية مع روسيا وشراء المزيد من الأسلحة الروسية في تحد جديد للتحذيرات الأمريكية.
من جانبها تعتبر واشنطن أن صواريخ إس-400 تمثل تهديدا لطائراتها المقاتلة طراز إف-35 ولنظم الدفاع الأشمل لحلف شمال الأطلسي.
وتقول تركيا إنها غير قادرة على شراء نظم دفاع جوي من أي دولة حليفة في حلف الأطلسي بشروط ترضاها.
يذكر أن الولايات المتحدة فرضت عقوبات على هيئة الصناعات الدفاعية التركية ورئيسها إسماعيل دمير وثلاثة آخرين من العاملين بها في ديسمبر/ كانون الأول في أعقاب حصول أنقرة على الدفعة الأولى من صواريخ إس-400.
واستمرت المحادثات بين روسيا وتركيا بشأن تقديم دفعة ثانية، وقالت واشنطن مرارا إن ذلك سيؤدي على نحو شبه مؤكد إلى فرض عقوبات أمريكية جديدة.
