جاء قرار الرئيس الأمريكى ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال الاسرائيلى، ليشعل موجة من الغضب ليس فقط داخل الشعوب العربية والإسلامية، وإنما في العالم بأسره، الذي خرج وأدان بشدة هذا القرار، لما يمثله من عدوان غاشم على القدس والقضية الفلسطينية ومسيرة السلام، ولا ينتج عنه إلا مزيد من الصراعات والاضطرابات في الشرق الأوسط.
ودارت تساؤلات عدة حول الأسباب التي دفعت ترامب إلى اتخاذ خطوة بهذه الخطورة دون أي اعتبارات لتبعات قراره الغاشم. وأجمع العديد من الخبراء على أن أحد الأسباب الرئيسية وراء هذا القرار، هو الانقسام الفلسطيني الداخلي، وعدم توحيد الجبهة الداخلية الفلسطينية، مؤكدين أنه إذا توحد الصف الفلسطيني تحت مظلة واحدة، فلن يستطيع ترامب أو غيره المساس بوحدته أو النيل منها.
مصالحة فلسطينية برعاية مصرية
يعود الانقسام بين حركة ” فتح” في الضفة الغربية و”حماس” في قطاع غزة، إلى ما يقارب الـ 11 عامًا، واشتعلت مطالبة الجماهير الفلسطينية لإنهاء الانقسام والعودة للوحدة الوطنية، ولعبت مصر دورًا جوهريًا لتحقيق الوحدة الفلسطينية، وإنهاء الانقسام، وأكد الرئيس عبدالفتاح السيسي، أن القضية العربية الصهيونية لن تُحل، إلا إذا اجتمع أبناء الوطن الواحد، وأعلن وساطة مصر فى ملف المصالحة الفلسطينية.
وبالفعل نجحت مصر في تحقيق المصالحة بين حركتي فتح وحماس، خلال اجتماعهما المنعقد في القاهرة، حيث أصدرت حماس بيانًا في 17 من سبتمبر الماضي، قالت فيه: “استجابة للجهود المصرية، بقيادة جهاز المخابرات العامة المصرية والتي جاءت تعبيرًا عن الحرص المصري على تحقيق المصالحة الفلسطينية وإنهاء الانقسام، وحرصًا على تحقيق أمل شعبنا الفلسطيني، بتحقيق الوحدة الوطنية، فإن حركة حماس تعلن حل اللجنة الإدارية في قطاع غزة، ودعوة حكومة الوفاق للقدوم إلى قطاع غزة؛ لممارسة مهامها والقيام بواجباتها فورًا، مع الموافقة على إجراء الانتخابات العامة، واستعداد الحركة لتلبية الدعوة المصرية للحوار مع حركة فتح، حول آليات تنفيذ اتفاق القاهرة 2011 وملحقاتها، وتشكيل حكومة وحدة وطنية في إطار حوار تشارك فيه الفصائل الفلسطينية الموقعة على اتفاق 2011 كافة”.
ولاتزال الجهود المصرية مستمرة لإنهاء الانقسام، وإحباط كافة محاولات تمزيق الوحدة الفلسطينية، حيث وصل إلى غزة مسؤول الملف الفلسطيني في المخابرات العامة المصرية اللواء سامح نبيل، لمتابعة تنفيذ اتفاق المصالحة بين حركتي “فتح وحماس”.
وحدة الصف الفلسطيني
وجاءت ردود الفعل الفلسطينية على القرار الأمريكي، لتؤكد ضرورة توحيد الجبهة الداخلية الفلسطينية وإنهاء الانقسام، حيث قال النائب في المجلس التشريعي الفلسطيني، محمد دحلان، في تغريدة عبر حسابه على “تويتر”: “إن تطورات الموقف الأمريكي حول مدينة القدس توجب على الجميع تضافر الجهود لتوحيد الموقف الفلسطيني الرسمي والشعبي، وبلورة حصانة عربية ودولية مانعة لمواجهة التحديات والمخاطر المترتبة على الموقف الأمريكي.
وأضاف القيادي الفلسطيني دحلان: “أمام السلطة الفلسطينية فرصة للإقلاع عن الميوعة والغموض والعودة إلى خيار الإجماع الوطني بدلًا من الاستسلام المتدرج لرغبات الإدارة الأمريكية والحكومة الإسرائيلية”.
وذكر مسؤول في السلطة الفلسطينية لـ “الغد”، الأحد الماضي، إن الرئيس الفلسطيني محمود عباس، تلقى اتصالات هاتفياً من رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، وشدد عباس خلال الاتصال على ضرورة تحقيق المصالحة الوطنية وإنهاء الانقسام، وتطبيق اتفاقات القاهرة.
بينما ذكر مكتب هنية، أن الأخير هاتف الرئيس عباس لبحث خطوات المصالحة، وتحقيق الوحدة الوطنية، حيث دار نقاش معمق بينهما حول ضرورة تطبيق الاتفاقات الموقعة وخاصة اتفاقية القاهرة 2011 وملحقاتها و عمل الحكومة والتأكيد على مبدأ الشراكة والمضي في القضايا الوطنية بما فيها الانتخابات ومنظمة التحرير الفلسطينية.
وقال أكرم عطالله، الكاتب والمحلل السياسي لـ “الغد” إن هناك خطرًا داهمًا يبدأ من تل أبيب وينتهي بالولايات المتحدة، بفعل الانقسام الفلسطيني؛ لتنفيذ رؤية كانت حلمًا لإسرائيل، فإسرائيل لم تعد تتحدث عن الفلسطينيين كجماعة سياسية موحدة بل ان هناك رؤية للضفة الغربية وقطاع غزة.
وأضاف أكرم عطالله، إن هذا الوضع مكرس منذ سنوات بين الفلسطينيين، وهي تعني أنه لا وحدة فلسطينية ولا دولة فلسطينية بالمعنى العملي، إلا إذا توحدت كافة الفصائل الفلسطينية وانتهى الانقسام الحالي.
من جانبه، قال الدكتور سعيد اللاوندي، خبير العلاقات الدولية، إن الانقسام الفلسطيني يقف حائلا بين أي خطوات عربية للرد على قرار الرئيس الأمريكي، فما زالت المصالحة الفلسطينية لم تكتمل، وما زالت الخلافات قائمة، بالرغم من كافة الجهود الكبيرة التي تمارسها القاهرة لإتمام المصالحة بين حركتي فتح وحماس.
وأضاف اللاوندي في تصريح لـ “الغد”، إن هذه المرحلة الحرجة التي تمر بها المنطقة العربية عامة، والقضية الفلسطينية خاصة، تتطلب أن تكون الجبهة الفلسطينة واحدة، وأن تنتهي كافة الخلافات بين حماس وفتح وعلى رأسها تخلي حماس عن المناطق التي تسيطر عليها حتى تستطيع الرد على القرارات الغاشمة لترامب.
واختتم اللاوندي تصريحاته قائلا: “إذا لم تتحد الفصائل الفلسطينية، لن تستطع الأمة العربية والإسلامية الوصول لحل للقضية الفلسطينية، ولن تستطيع التصدي لأي تعدي على حقوق الشعب الفلسطيني”.
