شكل إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي “اليئور آزاريا” قاتل الشهيد عبد الفتاح الشريف في مدينة الخليل الواقعة جنوب الضفة الغربية، إضافة جديدة لمسلسل الاستهانة والاستخفاف بدماء الفلسطينيين، وتحد جديد لمنظمات حقوق الإنسان بما في ذلك مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.
وأقدم الجندي “آزاريا” في الرابع والعشرين من مارس/أذار من العام 2016 على تصفية الشهيد الشريف بدم بارد، وتم الحكم عليه مدة “18” شهراً خفضت على التوالي لأكثر من مرة إلى ان أطلق سراحه دون حتى إكمال مدمة محكوميته المخففة ومدتها 8 أشهر .
وكان رئيس أركان جيش الاحتلال “غادي آيزنكوت” لم يكتف بالتخفيض الذي أقرته لجنة الإفراجات العسكرية، وخفّض وفق صلاحياته (4) أشهر من تلك المحكومية، في إشارة إلى الرعاية التي تمنحها “تل أبيب” لمن يستبيحون الدم الفلسطيني.
وأبدى رئيس حكومته الاحتلال بنيامين نتنياهو ترحيبه بالإفراج عن الجندي قاتل الشهيد عبد الفتاح الشريف، بعد أن كان أعرب في أوقات سابقه عن تعاطفه مع عائلة الجندي “آزاريا”, وذلك إلى جانب الكثير من المنظمات اليهودية التي تضامنت مع القاتل وضغطت من أجل الإفراج عنه.
اعترافات قتلة دوابشة
وكانت النيابة الإسرائيلية أسقطت في وقت سابق اعترافات المستوطنين المسؤولين عن جريمة إحراق عائلة “دوابشة” بقرية “دوما” قضاء مدينة نابلس في يوليو/تموز من العام 2015، علماً بأنه تم إخلاء سبيل أحد المتورطين بحجة عدم بلوغه سن الرشد وقت اقتراف الجريمة التي أودت بحياة زوجين وطفلهما الرضيع.
وقالت صحيفة “إسرائيل اليوم” إلى أن نيابة الاحتلال تتجه لاعتبار الاعترافات المسقطة غير قانونية، بذريعة أنها جُمعت بطرق غير عادية، وتحت وطأة الضغط النفسي على المتهمين على حد زعمها .
وتعزز هذه الوقائع الفرص من تكرار وتصاعد وتيرة الاعتداءات التي ينفذها المستوطنون والجنود على الفلسطينيين وممتلكاتهم في الضفة الغربية، خصوصاً وإنهم يرون حجم التأييد والتعاطف مع منفذي هذه الاعتداءات حتى من قبل المستوى السياسي في إسرائيل، وهو ما يرون فيه ضوء أخضر لاستباحة دماء الفلسطينيين.
جرائم وانتهاكات
وبحسب منظمات حقوقية يضم سجل جرائم جنود الاحتلال والمستوطنين إلى جانب “جرائم القتل” انتهاكات فطيعة أخرى تشمل حرق المنازل ودور العبادة وتدمير وإحراق أشجار الزيتون والمحاصيل في مزارع وأراضي الفلسطينيين، وهي جرائم تمارسها عصابات “دفع الثمن” وغيرها من المنظمات الاستيطانية المتطرفة، فيما تصر الحكومة الإسرائيلية على التعامل مع هذه المنظمات باعتبارها اتحادات غير قانونية وليست منظمات إرهابية.
وتشير الإحصائيات إلى أن 93% من جرائم المستوطنين والجيش الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني تغلق دون حتى فتح ملفات جنائية وتحقيقات معمقة وتسجل الاعتداءات ضد مجهول، وفقا لنشطاء حقوقيين، وإن معطيات تؤكد أن الشرطة الإسرائيلية لا تبذل جهودا للعثور على المعتدين ومحاسبتهم وتقديمهم للمحاكمة، وهي بذلك توفر لهم غطاء وتشجعهم على المضي بشن الاعتداءات على الفلسطينيين.
إسقاط أي توجه
ويؤكد الخبير في القانون الدولي غاندي أمين في تصريحات لـ “الغد”، أن إطلاق سراح الجندي “آزاريا” أمر كان متوقعاً. متسائلاً كيف لدولة يمتهن جنوده ومستوطنوها كرامة الفلسطينيين ويمارسون بحقهم أبشع الجرائم أن تقاضي من يمارس هذا الفعل الذي تقوم هي أصلاً بتشجيعه، موضحاً أن إطلاق سراح الجندي “آزاريا” وتصويره كبطل من قبل المنظمات اليهودية المتطرفة والمستوى السياسي هو بمثابة ضوء أخضر لمزيد من الجرائم ضد الفلسطينيين.
وأشار أمين إلى أن قرار اعتقال “آزاريا” هدف في الأساس إلى تثبيط توجه الفلسطينيين أو الضحايا او ذويهم إلى القضاء الجنائي الدولي وتحديدا المحكمة الجنائية الدولية, خصوصاً ان قضاء المحكمة الجنائية الدولية هو قضاء مكمل وليس قضاء أصيلاً, بمعنى يجب استنفاذ الاجراءات القضائية قبل التوجه إلى هذه المحكمة .
وأضاف أمين، أن عملية التقاضي التي تمت للقاتل “آزاريا” هي عملية صورية, داعياً لعدم تعليق امال كثيرة، بأن هناك عدالة تطبق عندما يكون الضحية فلسطيني والقاتل اسرائيلي, مشيراً إلى انه لو كان هناك عدالة لما كان هناك احتلال بالأساس, وما كان هذا التنكيل وعمليات القتل التي تحدث على حدود قطاع غزة فقط للتسلية.
ضعف الشخصية القانونية
وأعرب أمين عن أسفه لحالة الضعف التي فرضتها اتفاقية أوسلو على الشخصية القانونية الفلسطينية وقال :”للأسف المنظومة القانونية الفلسطينية حلقاتها ضعيفة جداً واتفاقية أوسلو أغفلت الشخصية القانونية للفلسطيني في مواجهة الإسرائيلي وفي الوقت نفسه أضافت شخصية قانونية للإسرائيلي في مواجهة الفلسطيني” .
وتابع بالقول : “لا يجوز محاكمة الإسرائيلي في المحاكم الفلسطينية وفي المقابل، فإن إسرائيل لديها مطلق الحرية في محاكمة الفلسطينيين، وإنزال العقوبات الكبيرة والغريبة بحقهم، فنحن نتحدث عن عشرات المؤبدات إذا ما تعلق الأمر بعملية نضالية هي أصلاً محمية بالقانون الدولي وحق الشعوب في مقاومة المحتل” .
وأشار أمين : “ما نريده كفلسطينيين أن نعيد ترتيب الأشياء والاتفاقات وأن يكون هناك اعتراف على مستوى دولي بالشخصية القانونية الفلسطينية للمواطن الفلسطيني في مواجهة دولة الاحتلال ولا يجوز ان تبقى عمليات القتل دون محاكمة وفي المقابل الفلسطينيين تتم بحقه أقسى العقوبات هذه مفارقة غريبة جداً”.
واتهم امين، منظمات حقوق الانسان الفلسطينية على كثرتها بالتقصير في التعامل مع هذه الجرائم الإسرائيلية, بعد ان اقتصرت دورها فيما يتعلق بورش العمل والدورات التدريبية, مضيفاً في الوقت ذاته، إننا نعول على مؤسسات حقوق الإنسان الدولية كمنظمة “العفو الدولية” ومنظمة “هيومان رايتس ووتش” التي رفعت صوتها في اكثر من مرة بضرورة وقف تصدير السلاح للاحتلال لوقف الجريمة التي يتعرض لها الفلسطينيين العزل، كما أكد في الوقت ذاته على الحاجة غلى موقف فلسطيني وعربي ودولي جاد .