نشرت الصحف الروسية رؤية اقتصادية تحليلية لخبير الشؤون السياسية والأمن الاقتصادي والأستاذ في أكاديمية العلوم العسكرية، المحلل السياسي الروسي البارز، ألكسندر نازاروف، يتضمن رؤية اقتصادية حول” كيف ستسدد الدول العربية ديونها”..؟
وقال «نازاروف»: على الرغم من أن دول العالم جميعا في وضع يائس، إلا أن حال الدول العربية هو الأصعب والأكثر هشاشة بشكل خاص. حيث تنمو ديون هذه الدول بسرعة، بالنظر إلى انهيار أسعار النفط. ما الذي يحدث في الاقتصاد العالمي؟
يمر الاقتصاد الرأسمالي بمراحل متعاقبة دورية، النمو فالإفراط في إنتاج السلع وجمع الأموال ثم الأزمة وإفلاس الأفراد والشركات والتخلص من جزء من الإنتاج ورأس المال. وكان الكساد الكبير عام 1929 هو مثال نموذجي على الأزمة الدورية في فرط الإنتاج.
ويضيف الخبير الروسي في الأمن الاقتصادي «نازاروف»: الآن يمر العالم بأزمة مماثلة لكنها مختلفة قليلا، فبعدما قامت الولايات المتحدة الأمريكية بفك ارتباط الدولار بالذهب عام 1971، حصل الاحتياطي الفدرالي حينئذ على إمكانية طباعة دولارات غير مغطاة بكميات غير محدودة وتحفيز الاستهلاك باستخدام الائتمان. بالتالي ارتفع الإنتاج، ومعه أيضا نما هرم الديون، الذي وصل اليوم إلى مستويات لم يشهدها تاريخ البشرية من قبل.
مع ذلك، وحتى بمساعدة القروض، أصبح من المستحيل زيادة الاستهلاك إلى ما لا نهاية، ما يعني أن رأس المال على المستوى العالمي يتوقف عن تحقيق أي أرباح، وأصبح معدل الفائدة في أكبر الاقتصادات العالمية في اليابان والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة صفرا أو بالسالب، بينما تقوم معظم البنوك المركزية في العالم بخفض أسعار الفائدة في محاولة منها لتحفيز الاقتصاد. إن تريليونات الدولارات واليورو غير المغطاة التي تطبعها الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي لن تدخل قطاعات الإنتاج، لأن الاستثمار في الإنتاج يتسبب الآن في خسائر. لكن الاقتصادات الغربية على الأقل تتلقى المال مجانا.
ومع ذلك، فإن الدول الأكثر فقرا، والأقل موثوقية في السداد، مثل لبنان، تضطر إلى دفع نسب فائدة أعلى على القروض، أي لفترة قبل إفلاسها، أي أنها لا زالت قادرة على تحقيق أرباح لأصحاب الأموال العالمية. إن اقتصادات هذه البلدان في سياق الإنتاج العالمي المفرط تنغمس هي الأخرى في الأزمات، ولكن لبعض الوقت يمكن أن تؤخر الانهيار بسبب حقيقة أن الائتمان في الغرب أصبح أرخص وأكثر سهولة في الحصول عليه مع كل عام، واستنادا لذلك اقترضت الدول النامية حتى غرقت بالكامل في الديون.
ويقول المحلل السياسي «نازاروف»: تقترض بعض البنوك الأمريكية من الاحتياطي الفدرالي بنسبة 0% سنويا، وتقدم قروضا لدول عربية بموجب فائدة قدرها 5%، على سبيل المثال، فتكون حكومات تلك الدول سعيدة لقدرتها على الحصول على هذا القرض، لعجزها عن الحصول على فائدة قدرها 10% في العام الماضي، لأن موازنات واقتصادات هذه الدول ليست مثالية على أقل تقدير، وتمثل مخاطر للمقرضين. تزداد هذه المخاطر مع الوقت، لكن البنوك المركزية الغربية تغرق اقتصاداتها بقروض مجانية، يذهب بعضها إلى دول أخرى.
ما هي الخطورة هنا؟
الخطورة في أن هذه الدولارات واليوروهات تأتي «من الهواء»، ولا يمكنها سوى أن تؤخر قليلا انهيار النظام المالي العالمي وهرم الديون، لكنها أبدا لن تمنعه. المفارقة أن البنوك المركزية للولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا يمكنها طباعة الدولار واليورو «من الهواء»، لكن حكومات هذه الدول المدينة لا تستطيع ذلك، وحينما يبدأ انهيار النظام المالي العالمي، كما حدث في عام 2008، وحتى قبل شهر واحد من الآن، كانت البنوك جميعا مشلولة من فرط الهلع، لأن الطلب سينهار، ولن يكون الائتمان التجاري متاحا، فمن إين ستحصل الدول العربية على الدولارات واليوروهات لسداد ديونها؟
بإمكان الولايات المتحدة الأمريكية عدم سداد ديونها، يقترح بعض الأعضاء البارزين في الكونغرس الأمريكي بالفعل عدم سداد ديون الولايات المتحدة للصين. ومع ذلك، فمن غير الممكن ألا يسدد العرب ديونهم لأمريكا.
ماذا سيحدث بعد ذلك؟
صفقة القرن، وأزمة لبنان يعطيان إجابة بليغة. فقد اشترط «المقرضون الدوليون» طرد حزب الله من الحكومة مقابل أي مساعدة للبنان. بدون ذلك، سيغرق لبنان في الفوضى والكوارث الاقتصادية. صفقة القرن أيضا هي بمثابة زجاجة مياه لميت من العطش في قيظ الصحراء مقابل التنازل عن المقدسات الإسلامية وحق الفلسطينيين في العودة إلى وطنهم. لا أعتقد أن الولايات المتحدة يمكن أن تشطب ديون العرب دون أن تحصل على شيء مقابل ذلك.
ويضيف «نازاروف»: لن أناقش هنا ما إذا كان بإمكان الحكومات العربية ألا تقع في هذا الفخ. ربما تكون الإجابة بالنفي. لكن الحقيقة الواضحة وضوح الشمس الآن هي أن الولايات المتحدة الأمريكية تطبع النقود «من الهواء»، وتقرضها للحكومات العربية، التي سوف تضطر مستقبلا لسداد هذه الديون بأصول حقيقية، من الودائع أو الثقافة الوطنية، ولن يكون بإمكان هذه الحكومات ساعتها الاعتراض على أقوى قوة عسكرية على هذا الكوكب.