حذرت تقارير الأجهزة الأمنية الاستخبارية في الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا، من تحول دول الساحل الأفريقي، إلى “قوس الأزمات” بعدما أصبحت «بيئة حاضنة» للتنظيمات الإرهابية، التي تستغل عوامل الضعف التي تتسم بها دول الساحل، جنوب الصحراء، وأن الخناق الذي بدأ يضيق على الإرهاب الدولي في كل من سوريا وليبيا وحتى في حوض بحيرة تشاد، دفع الجماعات الإرهابية نحو البحث عن متنفس جديد لها في البلدان التي تعاني هشاشة أمنية من شأنها أن تمكّنها من منفذ للتموقع، فالإرهاب يبحث عن موطئ قدم له في بلدان لا تمتلك الخبرة اللازمة لمواجهته.
وأوضح تقرير مركز الدراسات الأمنية الفرنسي، المقرب من دائرة الاستخبارات الفرنسية، أن منطقة دول الساحل أصبحت تمثل تهديدا أمنيا للسلام والأمن الدوليين، مع تمدد خلايا وقواعد الجماعات الإرهابية والتكفيرية، من دول الشمال الأفريقي العربي، ووجدت منفذا إلى دول الساحل، خاصة تنظيم داعش الإرهابي، وكذلك تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي الذي تعود أصوله إلى الجماعة السلفية للدعوة والقتال الجزائرية، إضافة إلى الدور المتزايد لجماعة بوكو حرام في تهديد دول المنطقة مثل نيجيريا، ومالي والكاميرون وتشاد، وبوركينا فاسو.
ويؤكد الخبير الأمني البريطاني، الكولونيل جورج سوليني، أن المساحات الواسعة لمنطقة الصحراء الكبرى وساحل غربي أفريقيا، أصبحت الآن المناطق المفضلة لنشاط الجماعات الإرهابية، حيث تفتقر هذه المنطقة الشاسعة للمشاريع التنموية، إضافة إلى أنها تعيش في ظل فراغ أمني، وهناك نحو 100 مليون قطعة سلاح منتشرة في القارة خصوصا في منطقة الحدود، مع وجود عناصر من المتمردين “المحليين” والذين يبحثون عن الأسلحة لتحقيق مطالبهم .
ويشير الخبير البريطاني، في تصريحاته لصحيفة واشنطن بوست الأمريكية، اليوم السبت، إلى عامل مساعد لتوطين الجماعات الإرهابية في دول الساحل الأفريقي، وهو ضعف نموذج بناء الدولة في أفريقيا عموماً وفي دول الساحل الأفريقي خصوصا، التي تم اختراقها بشكل كبير من قبل الجماعات الإرهابية مثل “جماعة بوكو حرام” التي انطلقت من نيجيريا واستطاعت أن تخترق الدول المجاورة، وكذلك “فروع وخلايا” تنتمي فكريا لتنظيم القاعدة، ومع تحركات من خلايا تنظيم داعش تنافس على إثبات وجودها في المنطقة، وفي ظل مناخ ملائم حيث إن نظم الحكم في المنطقة عبارة عن أنظمة يصعب فهمها، بين نظم الحكم العسكرية والمدنية. فهناك نحو 29 دولة إفريقية شهدت بين عامي 1984 – 2004، إقصاء للعديد من الرؤساء عبر الانقلابات العسكرية.
ومن هنا ،بحسب تعبير الخبير الأمني “سوليني، أصبحت دول الساحل “فريسة سهلة” للجماعات الإرهابية، وفي منطقة تعاني من العديد من المشاكل التي تجعل من الوضع الأمني فيها غير مستقر، حيث تنتشر الجريمة المنظمة بكل أشكالها، والأزمات الداخلية، ومشاكل الأقليات، إضافة إلى التنظيمات الإرهابية التي توجد فيها، بفعل تزايد وتيرة نشاط ”الجماعة السلفیة للدعوة والقتال”، حیث استطاعت استغلال الفراغ الأمني على مستوى الحدود الصحراوية الشاسعة، والذي أتاح لها التحرك والقيام بأنشطة هددت كيانات وحكومات العديد من دول الساحل الأفريقي، وقامت باختطاف العديد من مواطني الدول الغربية.
وترى الباحثة المتخصصة في شئون غرب أفريقيا لدى المجموعة الدولية لمعالجة الأزمات، سينثيا أوهايون، أن منطقة الصحاري وغابات السافانا النائية في منطقة غرب ووسط أفريقيا، وتضم دول الساحل، أصبحت مأوى لخلايا وتنظيمات إرهابية، وأن الحادث الإرهابي الأخير في بوركينا فاسو، لن يكون الأخير في هذه المنطقة، ومع موجة تحالفات بدات تعلن عن نفسها بين الجماعات الإرهابية، مثل تحالف تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي مع “جماعة المرابطون ” بقيادة الجهادي الجزائري مختار بلمختار، كما شهدت المنطقة تشكيل جماعات جهادية محلية جديدة مثل “جبهة تحرير ماسينا” في مالي، وربما تتشكل جماعات أخرى.