د. أيمن سمير يكتب: البريكست.. وأحلام ويليام والاس

د.أيمن سمير

سيشكل اتفاق خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي الذي توصل إليه الطرفان يوم الخميس الماضي مرحلة فارقة، ليس فقط في العلاقة بين لندن وبروكسل، بل أيضا في البنية السياسية الداخلية للمملكة المتحدة وداخل الاتحاد الأوروبي، وربما تمتد تأثيراتها إلى خارج القارة الأوروبية والشرق الأوسط، وقد تصل التأثيرات السلبية إلى الولايات المتحدة نفسها، وكان الهدف الكبير من المفاوضات بين الجانبين التي استغرقت ما يقرب من 4 سنوات هو حل الكثير من المشاكل الاقتصادية، مثل مشاكل الصيادين الأوروبيين في المياه البريطانية الغنية بالأسماك، أو التوصل لاتفاقية للتجارة الحرة بقيمة 166 مليار دولار، ووضع خريطة طريق للتعامل مع أوضاع الأوروبيين في المملكة المتحدة أو العكس، لكن التداعيات “السياسية للبريكست” قد تكون أكبر بكثير من أي تداعيات أو خلافات اقتصادية، فما هو مستقبل “وحدة العائلة” التي تشكل المملكة المتحدة والتي تضم إنجلترا واسكتلندا وويلز وأيرلندا الشمالية؟.. وما مصير الخلاف بين بريطانيا وأسبانيا حول إقليم جبل طارق؟.. وهل يشجع البريكست أقاليم مثل الباسك وكتالونيا للانفصال عن أسبانيا؟.. وإلى أى مدى يمكن أن تنتقل الأفكار الانفصالية للولايات المتحدة ذاتها؟.

لاعبة البالية

كانت علاقة بريطانيا بأوروبا حتى قبل تأسيس الاتحاد الأوروبي تعتمد على نموذج “لاعبة البالية” بمعنى كانت بريطانيا تريد وضع قدم في الاتحاد الأوروبي، والقدم الأخرى خارجة، لذلك تأخر دخول بريطانيا للاتحاد حتى عام 1973 بعد أن رفض تشرشل دخول بريطانيا للاتحاد في البداية، ورفض فرنسا الديجولية انضمام لندن للاتحاد الأوروبي، وعندما انضمت المملكة المتحدة للاتحاد الأوروبي قبل 47 عاماً احتفظت بعملتها الخاصة “الجنيه الاسترليني” كما احتفظت “بالعلم” البريطاني كرمز للاستقلال والسيادة البريطانية، وحاولت بريطانيا عام 1979 الانسحاب من الاتحاد الأوروبي لكن الناخبين البريطانيين صوتوا لصالح البقاء، كل هذا يؤكد أن بريطانيا لم تكن على قناعة كاملة بأنها أوروبية أو أنها أكبر من أوروبا عندما قال ونستون تشيرشيل أن “لندن لا يمكن أن تقبل الأوامر من قرية صغيرة في أوروبا”، وكان يقصد “بروكسل عاصمة بلجيكا ومقر الاتحاد”.

أحلام ويليام والاس

ربما أكبر المشاكل التي ستواجه المملكة المتحدة هي محاولة نيكولاس سيرجن رئيسة وزراء اسكتلندا الاستقلال عن لندن، والأساس القانوني الذي تعتمد عليه سيرجن هذه المرة هو أن الأغلبية من سكان اسكتلندا صوتوا عام 2016 لصالح البقاء في الاتحاد الأوروبي، لكن المناطق الأخرى في المملكة المتحدة وخاصة إنجلترا هي التي صوتت لصالح “البريكست” ولهذا يرى الحزب الحاكم في اسكتلندا بزعامة سيرجن أن الوقت قد حان للانفصال عن العائلة البريطانية والانضمام من جديد للاتحاد الأوروبي، ورغم أن شعب اسكتلندا صوّت لصالح البقاء في المملكة المتحدة بنسبة 52% عام 2014 تعتقد سيرجن أن إخراج اسكتلندا من الاتحاد الأوروبي سيفقدها ملايين الوظائف ويضعف صادراتها لأوروبا، ومن هنا تطلب سيرجن من رئيس الوزراء البريطاني إعادة الاستفاء على الانفصال عن المملكة المتحدة، وحتى اليوم يرفض بوريس جونسون هذا الخيار، لكن لو ساءت الظروف الاقتصادية بعد البريكست ربما سيدفع بالأغلبية الاسكتلندية لتأييد الانفصال والاستقلال عن لندن، وهو الحلم الذي حارب من أجله المحارب الأسطوري ويليام والاس في القرن الثالث عشر، وهو ما قد يؤدي في نهاية المطاف لانفراط عقد المملكة المتحدة كلها، حيث تريد اسبانيا استرجاع إقليم جبل طارق، كما أن اتفاق البريسكت قد يضر بأيرلندا الشمالية، ويضعف حزب ليستر الوحدوي مع بريطانيا، وبالتالي يعطي الفرصة للقوميين الأيرلنديين للمطالبة بالعودة مرة أخرى لجمهورية أيرلندا.

تفتت أوروبا

خطورة البريكست ليست فقط في تفتيت المملكة المتحدة وانفصال أقاليم أوروبية عن دولها، مثل أقاليم كتالونيا والباسك عن أسبانيا، وصقلية عن إيطاليا، وانفصال الإقليم الهولندي الغني عن الإقليم الفرنسي الفقير في بلجيكا وغيرها من الحركات الانفصالية الأوروبية، فصدى كلمات بوريس جونسون عقب اتفاق الخميس التي قال فيها “إن بريطانيا استعادت استقلالها” قد يتردد في اسكتلندا وكتالونيا والباسك وأكثر من 10 أقاليم أوروبية أخرى تريد الانفصال عن دولها في أوروبا، وربما حتى ولايات مثل كاليفورنيا وأوريجون وتكساس تفكر في الانفصال والاستقلال عن الولايات المتحدة الأمريكية نفسها.

نموذج للفشل

أحد الأسباب التي كانت وراء تشدد الاتحاد الأوروبي في المفاوضات مع بريطانيا أنه لا يريد أن تكون بريطانيا “نموذجا ناجحا” للانفصال، فإذا ما ازدهرت بريطانيا وزادت الوظائف وتحسن الناتج القومي بعد البريكست فإن من شأن ذلك أن يشجع دولا أخرى للانفصال عن الاتحاد الأوروبي، وجائحة كورونا زادت من مساحة السخط على مؤسسات الاتحاد، فزعماء أمثال مارين لوبن في فرنسا، وماثيو سالفيني في إيطاليا لا يؤمنون بالوحدة الأوروبية، وهو ما يؤكد أن بريطانيا والاتحاد الأوروبي في مفترق صعب، ففشل بريطانيا سيؤثر على أوروبا التي كانت ولا تزال تعتمد على بريطانيا القوية خاصة في المجال الأمني والعسكري، كما أن نجاح بريطانيا في البريكست قد يؤدي ليس فقط لتقويض الاتحاد الأوروبي، بل ربما يؤدي أيضا لتقسيم الدولة الوطنية الاتحادية في أوروبا إلى ولايات صغيرة كما تحلم بعض الأقاليم الإيطالية، وربما حتى الوحدة الألمانية التي تتكون من 16 ولاية ستكون في اختبار صعب للحفاظ على وحدتها.

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]