د.جمال خالد الفاضي يكتب: الولايات المتحدة والصين وفكرة النهج متعدد الأطراف

د. جمال خالد الفاضي

لم يعد خافياً على أحد، أن نتائج الانتخابات الأمريكية شكلت أحد أهم المحطات الفارقة على الصعيد الدولي خلال 2020، حيث كان العالم يبدو وكأنه حبيس الأنفاس خلال فترة الرئيس ترامب؛ فالسنوات الأربع لعهده كانت سنوات مُنهِكَة مزعجة لجزء كبير من دول العالم، وكانت الصين الأكثر بروزًا، نتيجة لمحاولتها مواكبة سياسات ترامب التي اتَّسمت بالتقلُّب والمزاجية وخضوعها لاعتبارات لا تتعلق بالنهج القائم على تبادل المصالح فقط، وإنما بنهج يرتبط بتأثير الأفكار المتعلقة بدائرته القريبة في البيت الأبيض، وبمصالح دول أخرى مثل إسرائيل كنموذج وليس الحصر. فالصين الدولة التي تسير بهدوء ونمطية بطيئة نحو قمة الكبار، لم تكن يوماً تُعير الاهتمام لمن يسكن البيت الأبيض سابقاً بالقدر الذي أبدت فيه الاهتمام بنتائج انتخابات 2020، والتي بموجبها سيتحدد مستقبل العلاقة بين البلدين الكبيرين، أي الاستمرار على طريق المواجهة أو التوقف عن هذا الطريق أو على أقل تقدير إبطاؤه، حيث كان هناك اعتقاد لدى القادة الصينيين أن إدارة ترامب كانت ترغب بتغيير النظام الصيني، وتسعى لهزيمة الصين بالطريقة ذاتها التي هزمت بها الولايات المتحدة الاتحاد السوفييتي في الحرب الباردة.

والسؤال الحاضر: أي عالم وأي نهج ننتظر؟

هناك من يعتقد أن سياسة الولايات المتحدة مع بايدن ستشكل إنقلابًا على السياسة التي كانت قائمة خلال فترة ترامب، وأن إدارة بايدن ستتبنى نهجًا مختلفًا، إذ ستعود الإدارة الأمريكية إلى النهج متعدد الأطراف، وإلى الالتزامات العالمية. ولكن، فيما يخص سياسة الإدارة الأمريكية الجديدة تجاه الصين، المنافس الأبرز للولايات المتحدة على الصعيد الدولي، فإن إدارة العلاقة مع الصين سيكون التحدي الأكبر لإدارة بايدن على صعيد السياسة الخارجية.

وهناك عوامل بنيوية تدفع الإدارة الديمقراطية للاستمرار في سياسة التنافس مع الصين، هي:

أولا: إن الظاهرة الترامبية لاتزال باقية مع تصويت 71 مليون له بالانتخابات، وإن مجلس الشيوخ لا يزال جمهورياً، ومؤيداً لاتخاذ مواقف ضاغطة على الصين، وإن فريق العمل المختص بشؤون الصين والمكون من 15 نائباً من الكونغرس، يُعرف بأنه ذو نهج متشدد تجاه الصين، بالإضافة لوجود إجماع بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري على أن الصين لن تصبح دولة ديمقراطية.

ثانياً: بايدن سيكون رئيساً مكبلاً، ومن المتعذر استمراره أكثر من فترة واحدة نظراً لِكبر سِنه.

ثالثا: الإرث المتوتر والعلاقة الشائكة اللذين تركتهما إدارة ترامب مع الصين، سواء تعلق ذلك بدور الصين في جائحة كورونا أو بالممارسات الاقتصادية والتكنولوجية الصينية غير العادلة، وسلوكها في منطقة آسيا والمحيط الهادي.

ولكن في الوقت نفسه، يعتبر الرئيس بايدن من أصحاب المدرسة الواقعية، وهناك أسباب ستجعله أكثر انخراطاً في الشأن العالمي وأكثر تعاوناً مع الحلفاء، وسيعمل على بناء الجسور مع القوى الأخرى في العالم، وستدفع الإدارة الأمريكية إلى التعاون مع الصين، أهمها اشتراكهما في مواجهة جائحة كورونا، وفي التعامل مع التحديات العالمية الأخرى مثل تغير المناخ، ومنع انتشار السلاح النووي، ومحاربة الإرهاب، والأمن السيبراني، والاستقرار المالي، بالإضافة للتحديات الجيوسياسية في أفغانستان، وشبه الجزيرة الكورية، والشرق الأوسط.

ومن المرجح أن تستمر إدارة بايدن في سياسة التنافس مع الصين، وإن كان بحدة أقل من إدارة ترامب، لكن عبر إيجاد مسارات للتفاهم والتوافق بحيث لا تخرج المنافسة عن نطاق السيطرة، وفي هذا الإطار يقول الباحث “كيشور محبوباني” من جامعة سنغافورة: إنّ بايدن إذا عاد إلى اتفاقية الشراكة التجارية عبر المحيط الهادي التي تضم 15 دولة، فإنّ هذا سيُغير قواعد اللعبة في منطقة جنوب شرقي آسيا، إذ أنه سيُعيد التأثير الأمريكي في المنطقة مقابل النفوذ الصيني، ومن المهم أن تركز الولايات المتحدة على الحضور الاقتصادي وليس العسكري في المنطقة، فهذا أكثر جدوى وفاعلية، بينما اقترح “هنري كيسنجر” أن يجمع النهج الأمريكي مع الصين بين التعاون والمنافسة، ويقول “انتوني بلينكين” وزير خارجية إدارة بايدن، إن أي جهد للانفصال عن الصين سيكون غير واقعي ويؤدي لنتائج عكسية.

من جهتها، تتطلع الصين إلى لعب دور عالمي، لكن مع عدم الرغبة في أن تحل محل الولايات المتحدة، أو أنها تسعى إلى تغيير النظام الدولي في الفترة الحالية، وعلى الأقل حتى العقدين أو الثلاثة المقبلة. والمفارقة أن الصين تعتقد أنَّه كلما انخرطت الولايات المتحدة أكثر في شؤون العالم، وفي منطقة الشرق الأوسط تحديداً، فإن هذا سيُمثّل هدية للصين، ولكنها في الوقت نفسه، تواصل مساعيها لفرض نفوذها في جنوب شرقي آسيا؛ وقد تابعناها مؤخراً تبرز عضلاتها على الدول المجاورة لها، كما حصل في المناوشات الحدودية مع الهند، أو النزاع الحدودي مع اليابان، أو التوتر مع أستراليا، أو حتى فَرْض القبضة الأمنية على هونغ كونغ،. لكنّ بعض الباحثين الصينيين يرون في انتصار بايدن احتمالية لعلاقة مثمرة على نحو أكبر، حيث أشار “شي ينهونغ”، وهو أستاذ الدراسات الأميركية في جامعة رنمين الصينية ومستشار لمجلس الدولة، لإمكانية قيام بايدن باتباع سياسة أميركية مستقرة وقابلة للتنبؤ تجاه الصين، وأن هناك فرصة لإيقاف نهج “العين بالعين”، وأن بكين وواشنطن لا يجب أن تفوّتا الفرصة الثمينة المتاحة في الشهور المقبلة لإعادة النظر في زلات الماضي، وإعادة تشكيل العلاقات على أسس المصالح المتبادلة، وأنه من الضروري تجاوز العقلية الصفرية في العلاقة بين الجانبين.

وفي ضوء ما سبق من توقع للعلاقة بين الولايات المتحدة والصين، وما هو شكل العالم الذي ننتظره يقول “ريتشارد فونتين” الرئيس التنفيذي لمركز الأمن الأمريكي في واشنطن، إن فكرة تعددية الأطراف هي فكرة جذابة، وأن إدارة بايدن ستدعم هذا التوجه، لكنها لا تمثل الحل الوحيد لمشاكل النظام الدولي، وللتحديات التي يواجهها العالم، إذ أن تبنّي النهج متعدد الأطراف، لا يعني أن إدارة بايدن ستذهب إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن لحل الأزمات وقضايا الخلاف مع القوى الأخرى، ولنتذكر هنا أن مجلس الأمن لم يستطِع حتى الآن إصدار بيان واحد حول أزمة وباء كورونا بسبب التنافس الأمريكي – الصيني.

وسياق ذلك، رأى الأكاديمي “سيرغي روغوف” المدير العلمي لمعهد دراسات الولايات المتحدة وكندا، أن الولايات المتحدة، بقيادة الديمقراطي جو بايدن، ستنتقل إلى عمل متعدد الأطراف لاحتواء الصين بدعم من الحلفاء، والذي سيستمر في المجالين الاقتصادي والعسكري، وستكون هناك محاولة للعودة مرة أخرى إلى الإجراءات متعددة الأطراف، كما كان الحال في ظل أوباما، وليست الإجراءات الأحادية.

في خلاصة القول:

إن التدهور الذي شهده النظام الدولي نتيجة إنتشار وباء كورونا وتداعياته الاقتصادية الكبيرة، ومدى قدرة الدول الكبرى على تجاوز هذه الأزمة المركبة سيحدد إلى حد ما طبيعة النظام المتوقع، فسعي الولايات المتحدة للعمل في إطار متعدد الأطراف سيمنحها قدرة أكبر من المرونة على الإستجابة للمشاكل العالمية، بينما استمرار الصين نحو التطلع للقمة سيعتمد بالضرورة على قدرتها لتقديم النموذج الصيني، وهو تحد سيبقى مُقيِّدا الطموح الصيني لسنوات طويلة.

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]