د. جهاد عبد الكريم ملكه يكتب: معادلات التقارب الروسي الإسرائيلي في سوريا

 

تعي إسرائيل جيدا بأن روسيا قوة مركزية في الشرق الأوسط، ولها تأثيرها ونفوذها على النظام السوري، لذلك فانها تنظر الى علاقاتها مع روسيا “كأحد عناصر القوة الإستراتيجية الإسرائيلية” في الشرق الأوسط.

وبالرغم من أن العلاقات الروسية الإسرائيلية شهدت بعض التوترات بسبب التواجد الإيراني في سوريا، وكان آخرها حادث إسقاط طائرة “إيل – 20” الروسية في سوريا ومقتل ركابها بصواريخ مضادة للطائرات زودتها روسيا لجيش النظام السوري، واستخدمها الجيش السوري ضد الطائرات الإسرائيلية التي كانت تهاجم أهدافا في سوريا، والتي أصابت الطائرة الروسية وتسببت في تدميرها وتحميل روسيا إسرائيل السبب في ذلك، الا أن إسرائيل تغلبت على هذه التوترات بقيام رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو بعدة زيارات الى موسكو، بهدف تحسين العلاقات مع روسيا وعقد اتفاقيات أمنية لقطع الطريق أمام ايران وحزب الله في سوريا وإبعادهم عن حدودها، حيث شهدت العلاقات الروسية الإسرائيلية في الآونة الأخيرة تحسنا ملحوظا، وسمحت روسيا لإسرائيل بضرب أهداف إيرانية في سوريا، وتوج أمس بعملية استعادة جثة الجندي الإسرائيلي زخاريا بامول الذي قتل في معركة السلطان يعقوب في لبنان في العام 1982، كهدية قدمها بوتين لنتنياهو، وإسرائيل من جانبها تعهدت بتحرير عدد من المعتقلين السوريين لديها لقاء ذلك. وهذا يؤكد أن العلاقات الروسية الإسرائيلية وصلت حداً كبيراً من الثقة والمصالح المتبادلة، وترى موسكو أنه من الضروري احتواء إيران والحد من حجم وجودها العسكري في سوريا، لأن موسكو بحاجة للحفاظ على علاقات جيدة مع طهران وتل أبيب معا.

السؤال الذي يتبادر للأذهان: ما هي مصلحة قوة عظمى كروسيا في أن تعقد تحالفات مع دولة صغيرة كإسرائيل؟.. الإجابة هي أن كلا من إسرائيل وروسيا لديهما أسبابهما الخاصة والمشتركة، فمثلا تهدف روسيا من وراء تقوية علاقاتها مع إسرائيل أن تكون عامل تأثير في منطقة الشرق الأوسط، خاصة بعد جهود حثيثة تبذلها تركيا “الأردوغانية” لتحويل منطقة القوقاز لتكون ساحتها الخلفية، وبالتالي فإن التهديد التركي، وحقول الغاز التي تم الكشف عنها مؤخرا في شرقي البحر المتوسط، تقف وراء مبادرة روسيا لإنشاء كتلة مشتركة مع اسرائيل وقبرص واليونان، خاصة بعد أن أصبحت منطقة الشرق الأوسط ساحة تنافس بين القوى العظمى. وأيضا لسبب آخر مهم جدا لروسيا، وهو أن إسرائيل لديها تقنية عسكرية عالية وترغب روسيا أن تكون اسرائيل مصدرا مهماً للتقنية العسكرية الروسية؛ الذي تحتاج له، وأيضا طموح إسرائيل في تعزيز تجارة السلاح مع روسيا كقوة عسكرية صاعدة، حيث تتطلع إسرائيل للشراكة مع روسيا في تطوير الصناعات العسكرية عالية التقنية وتصديرها للعالم من البوابة الروسية، وتحاول من خلاله التأثير عليها بعدم تسليح حلفائها العرب والإيرانيين، بالامتناع عن تنفيذ الاتفاقيات والعهود المبرمة مع سوريا وإيران بتزويدهما بالسلاح والعتاد والتجهيزات والسلاح النوعي، الذي قد يخل بالتوازن الاستراتيجي في منطقة الشرق الأوسط.

وهناك أسباب تعود لإسرائيل نفسها، حيث أن الدور الأمريكي تراجع في سوريا بعد اعلان ترامب الانسحاب من سوريا، لذلك رأت إسرائيل انه من الضروري البحث عن حليف يملأ الفراغ الذي تركته أمريكا فوجدت ضالتها في روسيا. كما توجد أسباب مشتركة بين الطرفين الروسي والاسرائيلي، كخوفهما المشترك مما تسميانه “التطرف الإسلامي”، وشعورهما بأنهما يواجهان ذات التهديدات من حركات إسلامية راديكالية كتنظيم الدولة “داعش”، وهو ما أدى إلى تقارب بينهما، وكثفتا التعاون الأمني والاستخباري بينهما بشكل لم يسبق له مثيل، وتبادلا الزيارات لقادة أجهزة الأمن والاستخبارات في كلا البلدين بهدف تنسيق التعاون الأمني بينهما لمواجهة ما يسمى بالتهديد الإسلامي المتطرف.

إن هجرة أكثر من مليون يهودي روسي الى إسرائيل تلعب دورا مهما في المعادلة الخارجية الروسية والمعادلة الداخلية في إسرائيل، حيث أن هؤلاء المهاجرين يشكلون كتلة كبيرة في إسرائيل، وهم ما زالوا يحتفظون بهويتهم الروسية ولا يمكن لروسيا ان تنساهم او تتجاهلهم، وأيضا هم يشكلون كتلة انتخابية كبيرة ووزنا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا في إسرائيل، ولهم دورهم السياسي والاقتصادي والاجتماعي داخل إسرائيل، ولا يمكن لصناع القرار في إسرائيل تجاهلهم، لذلك فإن هؤلاء المهاجرين اليهود الروس هم مصدر قوة للعلاقات الروسية الإسرائيلية.

ومن بين الأسباب التي لا يمكن تغافلها، والتي تؤدي الى تطور العلاقات الروسية الإسرائيلية باستمرار، هو المصالح الاقتصادية والتجارية بين البلدين، خاصة بعد اكتشاف إسرائيل وجود الغاز أمام شواطئها، وترغب إسرائيل بالتعاون مع روسيا في هذا المجال نظرا لخبرتها الطويلة في مقابل أن تفتح إسرائيل لروسيا أسواقا جديدة للغاز الروسي في أوروبا، ووصلت العلاقات التجارية والاقتصادية بينهما الى مستويات متقدمة، لاسيما في تجارة الماس والمعادن الثمينة التي يتاجر بها كبار الأثرياء في كلا البلدين، والذين يمتلكون تأثيرا على صانعي القرار في البلدين. كما ساعدت هذه العلاقات في زيادة عدد السياح الروس إلى إسرائيل بنسبة كبيرة.

ان إسرائيل تشترط لتحقيق أي تعاون إسرائيلي روسي مستقبلي أن تقوم روسيا بالتأثير على الإيرانيين للخروج من سوريا وإبعادها عن حدودها الشمالية، لكن روسيا لا تستطيع القيام بذلك بشكل مباشر، لأن من شأن ذلك أن يؤدي لظهور مشاكل مع الإيرانيين خوفا من أن تعتقد إيران أن إسرائيل تعتبر أولوية بالنسبة لروسيا. وبناء على ذلك، تُحاول موسكو الضغط على النظام السوري لتحقيق مساعيها دون خسارة حلفائها، وبالتالي فهي ترمي الكرة في ملعب دمشق التي قد تتمكن من إخراج الإيرانيين من أراضيها دون ظهور روسيا بالصورة، إلا أنه من المستبعد أن يستطيع النظام السوري القيام بهذه المهمة بدلا عن الروس، نظرا لأن إيران قدمت الكثير للنظام السوري، وهي “أحيته بعد موته” وهي تعرف كل خباياه، لذلك لن يستطيع الأسد الوقوف أمام التوغل الإيراني في نظامه وستبقى كل من روسيا وإيران على مسافة واحدة مع النظام السوري، وستبقى العلاقات الروسية الإسرائيلية لا مميزة ولا سيئة، لأن كلاهما يتعامل بمنطق المصالح المشتركة، وسيبقى الاختلاف بينهما في العديد من الملفات، كالملف النووي الإيراني، والتوجه الروسي لتزويد كل من إيران وسوريا بالأسلحة والصواريخ كصواريخ S300 المضادة للطائرات، لكن علاقتهما ستبقى موجودة وستستمر في النضوج والتطور وسط الاشتباك الدبلوماسي الاقليمي والدولي المُتمحور في سوريا بالرغم من كل ما قد يحدث في المستقبل من تطورات إقليمية ودولية.

 

*باحث ومحلل سياسي مختص بالشأن الاسرائيلي

 

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]