د. شداد العتيلي يكتب: أوقفوا نحر وسرقة البحر الميت

قبل ما يقارب من عقدين وتحديدا في العام ٢٠٠٣ بدأت مفاوضات جدية بين الأردن وإسرائيل والسلطة الفلسطينية التي لم تكن فلسطين حينها بوضعية الدولة التي حصلت عليها أواخر العام ٢٠١٢. كانت المفاوضات تتعلق بالشروط المرجعية لدراسات الجدوى الفنية والبيئية والاجتماعية لمشروع قناة البحرين من أجل إنقاذ البحر الميت ومن أجل توفير مياه إضافية لمواجهة العجز المائي.

استمرت المفاوضات قرابة العامين ونصف ووقعت الاتفاقية في العام ٢٠٠٥ وتم حشد تمويل دولي تحت بند إنقاذ البحر الميت الذي بات يفقد قرابة المتر ونصف بمعدل سنوي وينتشر بطريقة متسارعة وتم توفير ١٧ مليون ونصف المليون دولار لتمويل الدراسات التي انطلقت بإشراف من البنك الدولي و بلجنة توجيهية ولجنة كبار الخبراء المستقلين وأعدت الدراسات المتعلقة بالبحر الميت وخلط المياه ودراسة خليج العقبة ودراسة البدائل إضافة الى الدراستين الرئيسيتين الجدوى والدراسة البيئة.

بحلول العام ٢٠١٣ اختتمت الدراسات ونشرت على موقع البنك الدولي وخلصت الدراسات إلى أن مشروع نقل مياه البحر الأحمر الى البحر الميت هو مشروع ممكن ويحتاج إلى ١٠.٩ مليار دولار ولكن أشارت الدراسات إلى أن نقل المياه وعندما تتخطى حاجز ال ٤٠٠ مليون متر مكعب سوف يؤدي ذلك إلى تغير جوهري فيزيائي وكيميائي للمياه في البحر الميت إذ ستكون طبقة معلقة غروية من الجبس ويعقب ذلك تشكل الطحالب الحمراء ويصبح لدينا عوضا عن بحر ميت ازرق بحرا أحمرا من الطحالب. وعليه كانت التوصية بعدم الشروع في المشروع إلا بعد إجراء ما سمي بمشروع تجربة من أجل التزود بمعلومات أكثر حول طبيعة ونتائج الخلط.

اقترح الأردن وإسرائيل أن يتم تنفيذ اتفاق ثنائي بينهما حول بناء محطة تحلية في العقبة تزود ايلات بالمياه المحلاة ويحصل الأردن على مياه مكافئة مقايضة من بحيرة طبريا من خلال قناة الملك عبدالله ..كنت وبصفتي رئيسا للجنة التوجيهية ممثلا للجانب الفلسطيني اعترضت على اقحام المشروع الثنائي ضمن المشروع الإقليمي ودخلنا في مفاوضات من أجل تذليل العقبات أثمرت عن توقيع مذكرة تفاهم حول تبادلية المياه بين الأطراف الثلاث وقمت بالتوقيع ممثلا لفلسطين في مقر البنك الدولي في واشنطن في التاسع من ديسمبر للعام ٢٠١٣.

المذكرة نصت على تبادلية المياه باعتبار مشروع تحلية المياه في العقبة هو مشروع التجربة وتبادلية المياه بين الأردن وإسرائيل في حين أن كمية مكافئة تصل إلى قرابة ٣٠ مليون متر مكعب نحصل عليها من إسرائيل وكل ذلك في إطار التعاون المشترك لإنقاذ البحر الميت متغافلين أن الدراسات لم تتطرق لنقل مخلفات التحلية او مابعرف ب “البراين ” إنما تم دراسة نقل مياه البحر وهو ما ادى الى إحجام الدول المانحة عن التمويل لهذا المشروع الذي بات يطلق عليه الأردن المرحلة الأولى لمشروع قناة البحرين في حين كنت اسميه مشروع التجربة او الاختبار لقضية خلط المياه.

شكل التوقيع على مذكرة التفاهم جدلا سياسيا ودوليا وبيئيا الا أن الحاجة للمياه بات يطغى على أي نقاش آخر ومنها قضية جفاف البحر الميت والسبل لمواجهة ذلك

كانت الرؤية أن توفير مياه التحلية قد يدفع بزيادة الكمية التي تصل الى البحر الميت والتي تحولها إسرائيل إلى الناقل القطري وخاصة في ظل تطور محطات التحلية الإسرائيلية التي باتت توفر أكثر من ٧٠٠ مليون متر مكعب وفي ظل دعوات المجتمع المدني بتحويل جزء من المياه المعالجة إلى نهر الأردن لإعادة احياءه وإعادة كميات أكبر من المياه إلى البحر الميت

نجح الإعلام في تقزيم النقاش حول أسباب انحسار البحر الميت خاصة عندما قرر البنك الدولي عندما احتدم النقاش والتفاوض بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي حول أسباب انحسار البحر والمتسبب به منذ تحويل إسرائيل مياه النهر عبر الناقل القطري في العام ١٩٦٤ . احتدام النقاش دفع بالبنك الدولي لإلغاء الدراسة القانونية حول انحسار البحر وكان المبرر بأن البنك الدولي لا يدخل في نقاشات سياسية وأن المشروع هو فني بحت وكي لا يتم إعاقة مشروع صنفه الأردن المشروع الاستراتيجي الأول تم التوافق على ذكر أسباب الانحسار دون التعمق في المسؤولية التاريخية والقانونية وكان ذلك أحد أسباب وضع فلسطين تحفظها على مخرجات الدراسة والاحتفاظ بالحق في متابعة ذلك خلال المفاوضات النهائية

واتي لبيت القصيد في قضية انحسار البحر الميت التي تسبب بها بشكل جوهري تحويل مياه نهر الأردن وعدا عن ماتبع ذلك من بناء سدود على روافد النهر والبحر من أجل مواجهة تنامي ازدياد الطلب على المياه وفي ظل حالة التبخر العالي في المنطقة الأخفض في العالم إلا أن الدراسات التي أجريت أشارت إلى مصدر رئيس يساهم بشكل لا يقل ضررا عن تحويل النهر يتمثل في ما تقوم به شركات الأملاح والمصانع وبرك التجفيف لاستخلاص الأملاح.. أكثر من ٤٥٠ مليون متر مكعب تقوم بجرها الشركات سنويا وتجفيفها واستخلاص أملاحها وبيعها…. إنهم ببساطه يسرقون البحر ويسرقون أحد أهم معالم الارث الانساني والتاريخي للعالم

الذي ينظر للبحر الميت يشهد المأساة التي حلت في الجزء الجنوبي منه ببساطة تم تجفيف البحر وتحول الى ملاحات من أجل جيوب الشركات ولم يتم النظر إلى الجيوب والخسوف وحفر الانهدام التي تتجاوز ستة آلاف حفرة تسبب بها انحسار البحر وكان المشهد لم ينته بعد إذ توجهت الشركات الناهبة إلى البحر الشمالي الذي يشكل ٣٧ كيلومترا منه منطقة وبحرا فلسطينيا وأنشأت قناة لجر المياه ونحرها في برك التجفيف وكان ماتكشف عنه تقرير التلفزيون الاسرائيلي” كان” من اكتشاف وسبق صحفي لنهر يمتد أكثر من عشر كيلومترات ماهو الا كشف لنهر صناعي لقناة تم شقها وتسيلها فيما بعد بحكم فارق منسوب الارتفاع في أخدود يمتد في منطقة امتياز مصانع الأملاح والمنطقة الأمنية ليشعل بذلك النقاش حول ما سمي بنهر سري ليتكشف الأمر للخبراء أن الأمر لا يتعدى من جر مياه البحر الشمالي وتسيلها في أخدود

يعلم الجميع ان البحر الميت يتشكل من مسطحين مائيين الشمالي و الجنوبي، الجزء الجنوبي جاف منذ سنوات تبعا لانخفاض كمية التغذية من نهر الأردن الذي تم سرقة مياهه من قبل الاسرائيليين. الى الجنوب من الجزء الشمالي للبحر الميت تم انشاء برك تبخير لاستخراج الأملاح بعد تجفيفها بسبب التبخر الطبيعي، و بعد عملية تجميع الأملاح من البرك يتم فتح أنبوب واصل ما بين الجزء الشمالي و البرك ليتم اعادة ملأها و هكذا تتم عملية استخراج الأملاح بشكل مستمر. و لكون منطقة البرك طبوغرافيا اعلى من شريط الارض المحاذية غربا يرتشح قسم من مياه هذه البرك عبر الصخور والرواسب لتسير و تبعا لطبوغرافية المنطقة ملتفة إلى جنوب البرك مشكلة جدولا عميقا نتيجة لسهولة عملية تعرية الرواسب و ذوبان الأملاح

البحر الميت ينحر وتستمر شركات الأملاح في جريمتها إسرائيل تحول المياه شمالا وتمنع جريان نهر الأردن إلى البحر في حرمان للفلسطينيين والبحر من حقوقهم الطبيعية والقطاع الخاص الإسرائيلي لشركات الأملاح والتجميل في مستوطنات البحر الميت يواصلون استنزاف البحر جنوبا

حفر الانهدام تتزايد والبحر ينحصر وينحسر بأكثر من متر ونصف سنويا والإرث الإنساني العالمي والتاريخي يتهدد والصمت مطبق ولولا سذاجة تقرير تلفزيوني باكتشاف غير مسبوق لما تسلط الضوء على قصة حزينة من قصص الاحتلال والنهب لمقدرات الشعب الفلسطيني وحقوق الأردن أن تعلم بكل ما يجري كما يتطلب ذلك القانون الدولي .

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]