د. طلال الشريف يكتب: نظريات التغيير في الصفات الشخصية فاشلة
الطبع غلب التطبع، وطبع الكفولة ما بغيره إلا الكفن، واللي فيا فيا لو كسروا رجليا.
حكم وأمثلة كانت منذ القدم تدور على ألسنة الناس ولها من الصحة الكثير حين نرى فشلا ذريعا لنظريات التغيير في الصفات الشخصية والناس لا يغيرون ولا يتغيرون.
قناعتي أن الصفات الشخصية متطورة أصلا عن جينات وأنسجة وخلايا دماغية تنتج هذا الطبع بهذه الطريقة وهذا المزاج وهذا التوجه وهذه الصفات التي نطلق عليها صفات شخصية لهذه الشخصية أو تلك، وهي ليست أحجار دومينو تحركها كيفما شئت لأنها نتاج أو سلوك أكبر من سلوك تعليم أو ردع أو توجيه، أو تكيف مع واقع.
الحديث هنا ليس عما يمكن أن يتعلمه الانسان من العلوم فتتغير نظرته لما حوله، أو ما يشعره بقيمته العلمية أو الإجتماعية واحترام الآخر فيتقمص دورا جديدا، بل هي كيف، ولماذا يتصرف هذا الشخص على هذا النحو بالضبط دون سواه؟ وكيف تراه يتصرف دون أن يراه الناس أو المراقبون، أي أن ما قال به الفلاسفة قديما صحيح حين عرفوا الصفات الشخصية بأنها اتجاهات الذات ونظرتها نحو نفسها، والاستجابات للمثيرات المختلفة والتفاعل مع الآخرين.
أما مفهوم العامة عن الصفات الشخصية بأنها تتغير بالمعرفة فهذه هي الثقافة والتطبع أو التصنع أو الماسكات أي الأقنعة ولوازم المرور عبر الإشارات الحمراء وضوابط ورقابة المجتمعات.
أتحدث هنا ليس من منظور سلبي أو سوداوي بل من منظور رصد للظاهرة.
على مر التاريخ قليل من الناس يتغيرون، والغالبية لا تتغير ، بل المتغيرون غالبيتهم يتغيرون للأسوأ بزيادة عدد الأقنعة أو هم يكونون في مرحلة نمو فسيولوجي متأخر للصفات الشخصية تنتج عن تأخر في النمو الخليوي للدماغ فيتغيرون للأفضل حين تكتمل عملية النضوج.
لو تتبعنا فئات مجتمعية هي دائما تحت الضوء ومحط إهتمام الإعلام والمجتمع مثل السياسيين والفنانين والسجناء والمجرمين وأصحاب المهن التي تتداخل آثارها بشدة في تكوين شخصية بديلة للشخصية الأصل بعد ممارسة المهنة زمنا طويلا وبالمناسبة غالبية أصحاب بعض المهن بعد مرور عقد أو عقدين من الزمن تصبح شخصيتهم مختلفة عن الأصل ويواصلون حياتهم بنفس السمات والصفات التي إكتسبوها من مهنتهم حيث المهنة تجلت في تغيير صفاتهم الشخصية الفالصو وألبستهم أقنعة وحين تذهب عنهم حالة الهيلمان والسلطة والخديعة والشهرة تجدهم يعودون الصفات الشخصية الأصلية واذهب لأي مثال من هؤلاء بعد الاعتزال أو العزلة تجده بصفاته الشخصية الأصلية وبدون أقنعة وماسكات.
الصفات الشخصية الأصلية حين يتصرف هؤلاء بهديها تجد المجرم يعود لجرمه والفاسد يعود لفساده والعاهر يعود لعهره إذا أمن العقاب أو الرقابة والمحاسبة أي بمعنى أن الطبع غلب التطبع وهو ما يحدث للبشر حقيقة وما يثبت عدم نجاعة نظريات التغيير في الصفات الشخصية التي تبناها علماء الإجتماع وفشلها.
تعريف الشخصية من بعض علماء الاجتماع على أنها العادات والأنماط والسمات الخاصة بفرد معين، والتي تَنتُج عن العوامل الوراثيّة البيولوجيّة والاجتماعيّة المُكتسَبة والثقافية هي خلط للصفات الأصلية والصفات الفالصو المزورة حين أضيف لها العوامل المكتسبة والثقافية التي قلنا عنها ماسكات أو أقنعة للمرور.
مفهوم الشخصية الفلسفي وهو : مفهوم الشخصية في الفلسفة حين بدأ الحديث عن مفهوم الشخصية في القرن الخامس قبل الميلاد، وكان أول من أشار إلى شرح ودراسة الشخصيّة ومكنوناتها هو الفيلسوف أبو الطب أبقراط أو هيبوقراط الذي يرى أنّ أهم العوامل التي تُحدّد بها الشخصية هي المزاج، والأخلاق، والطبقات الاجتماعيّة
أنا أكثر ميلا لتقسيم الفيلسوف كارتيشمر للشخصية إلى جانبين مُهمّين مُكمّلَين لبعضهما ومن غير الممكن الفصل بينهما، وهما: جانب المظهر الذاتي وهو اتجاهات الذات ونظرتها نحو نفسها، وجانب المظهر الموضوعيّ المتعلّق بالاستجابات للمثيرات المختلفة والتفاعل مع الآخرين ويظهر ارتباط المظهر الذاتي بالمظهر الموضوعي في أنّ الشعور بالتفرّد والتميّز في مهارة أو مجال معين بين الآخرين متطلّب واضح للمظهر الذاتي والنظرة الذاتية.
بعض علماء النفس عرفوا الشخصية على أنها الاتجاهات والميول المتأصلة والثابتة عند الإنسان، والتي تضبط عمليّة التوافق بين الفرد وبيئته وهو قريب من تعريف الفلسفة عنه من علوم الاجتماع.
أنا أرى أن هناك فروق جوهرية فيما ذهب إليه علماء النفس وعلماء الاجتماع عن تعريف الشخصية وما ذهبت إليه علوم الفلسفة التي هي أم العلوم.
ما أريد قوله هنا أن الصفات الشخصية تبدأ في التبلور مبكرا حتى داخل رحم الأم وتستمر في التكوين حتى سن العاشرة أي سن منتصف المرحلة الأولى الابتدائية من المدرسة وتصبح الصفات الشخصية التي تميز كل شخص عن الآخر ثابتة، وبعد ذلك كل ما يكتسبه الشخص هو خبرة وزيادة في المعلومات والمعرفة يتم التعامل معها تراكم معرفة لا تغير في الصفات الشخصية التي بنيت وتوقفت عند سن العاشرة.
من هنا يصبح التغيير الذي يتم على أي شخصية في الزمن اللاحق لسن العاشرة هو فالصو يتحرك حسب حالة الضبط والرقابة والمحاسبة والتي تضبطه القوانين في المجتمع وقوانين وتشريعات الدول.
الإنسان يتغير مؤقتا بالضبط والمراقبة والعقاب وحين يأمن هذه الضوابط يعود لشخصيته الأصلية يتصرف كما تصرف أول مرة فهي جينات وخصائص دماغية مختومة ومشمعة بالشمع الأحمر فالطباع ليست قابلة للتغيير وكل شخص فوق سن العاشرة هو هو إلا في حالات الضغط والمراقبة والعقاب يلبس قناعا.