د.علاء أبو عامر يكتب: انتفاضة لبنان.. الأجمل والأصعب بين الثورات العربية

 

انتفاضة لبنان هي الأجمل بين الانتفاضات العربية والعالمية، جميلة بحراك جموعها نساءً ورجالاً، فتياتً وفتيانًا، هي الأجمل بأهازيجها وغنائها، بدبكاتها وشعاراتها الخارجة عن المألوف، بلقطات الحب والقبلات في الساحات التي نقلتها مواقع التواصل الاجتماعي، لتدخل كل بيت عربي بين معجب ومُستعجب، فأظهرت مشاعر قلما نجد لها مثيلا في عواصم العرب المحكومة بقوانين العيب.

لبنان أثبت كما كان دائماً أنه البلد الأرقى عربياً، رُقيه ينبع من تنوعه الثقافي بمسيحييه وطوائفهم المتنوعة، ومسلميه بمذاهبهم المتنوعة، بأقلياته، دروزه وعلوييه، تنوعه الثقافي وعدم خضوعه لرجال الدين وحركات التطرف الدينية التكفيرية مسيحية كانت أو إسلامية هو سمة ملحوظة من سماته الخالدة، هذا بالرغم من أن الطائفية السياسية مترسخة في ضمير اللبنانين أباً عن جد، حيث أورثهم إياها الاستعمار الفرنسي وحافظ عليها من بعده زعماؤهم من قادة الطوائف والأحزاب، أولئك الذين أثروا على حساب الشعب من خلال تشتيته وتقسيمه ليسهل ركوبه وامتطاؤه لغاياتهم الخاصة. لكن على مايبدو أن الشعب استفاق من غفوته وانتفض معلناً نهاية الظلم الذي طال.

لبنان ثار على ظالميه ومستبديه مستخدماً أهازيج الفرح، فرح ممزوج بالتحدي والإصرار، ظاهرة الفرح الممزوج بالتحدي هي الأولى والفريدة عالمياً، أن تمتزج الثورة بالأهازيج والغناء كبديل للتخريب والتدمير هو أمر غريب ومستغرب ومستفز لأولئك النفر من العرب المتخلفين عن ركب الحضارة الإنسانية والمتمسكين بقشور القرونوسطية، خاصة الإسلامويين منهم، كيف لا يُستفزوا وقد تعودوا على التدمير والتخريب والحرق والحصول على الأنفال (الغنائم) في هيجانهم الغريزي، وعلموا الناس العبوس والجلافة بصفتها رجولة، بينما الحنية والابتسامة أنوثة.

لبنان يبتسم، يملأ الساحات صيحات ودبكات، لبنان الأجمل في عالمنا العربي بنسائه ورجاله.رغم الجوع هناك رقي وهناك مدنية ظاهرة وأمل وحرية.

لم نسمع عن حالة تحرش أو اعتداء ذي طابع جنسي واحد في لبنان رغم اختلاط الرجال والنساء حد الالتصاق، ورغم ارتداء النساء البسة عصرية.

في ثورة عربية أخرى فيما سمي ربيعاً عربياً، ورغم البراقع والأغطية التي تغلف بالدين …كانت الاعتداءات سمة من السمات القبيحة التي لوثت تلك الثورة بما فيها الاعتداء على الصحفيات الأجنبيات واغتصابهن.

الثورة كالنبوة جوهرها الأخلاق.. عندما تضيع الأخلاق تضِل الثورات…

ينظر الشباب والشابات العربيات اليوم بانبهار إلى مستوى الحرية التي تتمتع بها اللبنانيات، ولا يعلمون أن كل نساء الشرق كن من قبل لبنانيات في ملابسهن ووعيهن وانسانيتهن، قبل أن تحل عليهن موجة الفتح (الإسلاموي) في الثمانينات بفعل آيات الله وشيوخ الوهابية وغلمانهم من حركات المتأسلمين السياسية.

نعم هؤلاء الشباب والشابات لا يعلمون أن نكبة المشرقيات وثراء المتأسلمين بدأت في الثمانينات من القرن العشرين وكان قبل ذلك نمط حياة آخر.

رغم هذا الجمال والأمل فإن ثورة لبنان هي الأصعب، الأصعب كون عقود من الطائفية والمذهبية صنعت طبقات من الاقطاع السياسي والديني لا يمكن اجتثاثه بسهولة ، في بلد يمنع فيه اللبناني شقيقه اللبناني من طائفة أخرى أن يسكن في بلدة تعتبر حكراً على طائفة مغايرة (بلدية الحدث مثالاً)، في بلد تعتبر الطائفية ملاذاً للحماية وخط دفاع عن الذات المتميزة.

كتب الصحافي البناني نصري الصايغ يقول:” الخيارات صعبة وثقيلة. هذا هو الامتحان العسير. إن نجحتم في اختيار من يتولى السير في الطليعة ومعه أكثرية الحراك، فثقوا، بأن اهل السلطة سيهربون.”

أظن، إذا لم تؤدي انتفاضة اللبنانيين إلى انهاء النظام الطائفي فالنتيجة ستكون تغيير وجوه وبقاء الشلل في الحياة اللبنانية ، انتفاضة كهذه يجب أن تنهي مخلفات المستعمر الفرنسي، أقصد انهاء النظام الطائفي في لبنان.
قد يكون ذلك صعباً مع أنه شعار ومطلب كبير تصدح به حناجر المتظاهرين، لكن ذلك دونه الاقطاع السياسي والكنسي والمشيخي، ودونه الولايات المتحدة وفرنسا ودولة الصهاينة أيضاً، لماذا؟
لأن نهايته هي بداية نهاية النظام الصهيوني في فلسطين المحتلة، إذ أن كلا النظامين وضعهما الاستعمار، وكلاهما نتاج اتفاقية سايكس بيكو.
كان الهدف الفرنسي في لبنان إنشاء دولة مارونية وهدف بريطانيا انشاء دولة يهودية في فلسطين، سقوط مخلفات الاستعمار الفرنسي سيقود حتماً لسقوط مخلفات الاستعمار البريطاني في فلسطين ولو بعد حين.

لا يمكن لدولة الصهاينة أن تستمر في الوجود وسط عالم عربي ستصبح إن نجح اللبنانيون المواطنة والمساواة أمام القانون فيه هي الأساس وليس الدين والطائفة والمذهب، لماذا؟

لأن النظام الصهيوني هو النظام الطائفي العنصري الأول في منطقتنا، ففكرة انشائه جوهرها كتاب التوراة المقدس، ومقولاته “أرض الميعاد” و “الماشيخ المخلص”” و”إحياء مملكة اليهود المزعومة”، دون استمرار الطائفية والمذهبية في الشرق لا مكان للصهيونية.

هل سيفعلها اللبنانيون وينهون بضربة حجر واحدة، بانتفاضة واحدة، أصنام الاستعمار التي نصبها في معابد الشرق كآلهة؟ أقصد بالآلهة (الطبقية، والمذهبية والعشائرية، والطائفية والانعزالية…وغيرها)؟

يستطيع اللبنانيون فعلها، إذا توفرت لهم قيادة واحدة واعية ومبدئية تقود حراكهم نحو أهدافهم المعلنة، وعلى رأسها إلغاء النظام الطائفي وجعل الانتخابات الرئاسية مباشرة من الشعب، وتصبح الانتخابات النسبية الخالية من الفرز الطائفي أساسا للنظام السياسي المرجو الوصول إليه، وإلغاء المحاصصة المذهبية للرئاسات في الحكومة ومجلس النواب وغيرها وجعلها للأكفأ بغض النظر عن دينه وطائفته ومعتقده.

سيبقى لبنان هو الأجمل والأرقى والأكثر تمدناً بين دول العرب، ولكن ثورته هي الأصعب فإن حقق أهدافه حرر الشرق كله من أنظمة الاستعباد العميلة، فبسقوط حجر الطائفية ستسقط أحجار أخرى خلفه.

125ضش

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]