د.علاء أبو عامر يكتب: نُذر الحرب في الخليج.. هل من تفاوض وسط قرقعة السلاح؟
ليس من مصلحة إيران ولا الولايات المتحدة ولا السعودية أن يتفجر صراعٌ في الشرق الأوسط، هذا القول للسفير الأمريكي الجديد في السعودية (جون أبي زيد) ، وهو قولٌ حق، لأن مثل هذه الحرب ستُشعل حريقاً كبيراً يصعُب التكهن بمدى انتشاره، والأدوات التي ستُستخدم في إشعاله….
لكن الحربَ هي دائماً خيارُ الأقوياء إذ عندما يعجزون عن فرض إرادتهم على خصومهم الأقل قدرة بالوسائل السلمية أو مايُطلق عليها أدوات القوة الناعمة،،يشنون حرباً محدودةً عليهم بغية الاستسلام، والحرب كما يعرفها الاستراتيجيالألماني (كلاوز فيتز) هي “السياسة ولكن بوسائل عنيفة“.
…الأمريكان لن يبدأوا الحرب العنيفة، في الوقت الحاضر؛لأنهم كانوا قد بدأوها قبل مدة بالفعل، باستخدام وسائل أخرى توازيها، وهي حرب تحطيم قدرات الخصم الاقتصادية وجعله عاجزاً عن التنمية بل وحتى عاجزاً عن توفيرالضروريات لشعبه، وبالتالي تقليص قدراته على إنتاج السلاح وتقديم المساعدة والدعم لحلفائه في المنطقة،، الذين يستعين بهم في تنفيذ سياسته في الهيمنة والنفوذ في ظلِ غياب استراتيجية عربية جامعة، بعد أن تم تهشيم كل من سورياوالعراق وليبيا…
الأمن القومي العربي، فقد الكثير من عناصر قوته،ِ وأصبح اليوم وفي إطار التعويض عن الوحدة والترابط بين دوله المجتمعة شكلياً ، تحت سقف الجامعة العربية،،يسعى جاهداً للبحث عن حلفاء في الإقليم وخارجه، وأصبح الأعداءالسابقون للعرب هم حلفائهم الحاليين…حيث نجد عدداً من دول الخليج تعقد تحالفات شبه علنية مع دولة الاحتلال الصهيوني في مواجهة إيران وبطلب ودعم أمريكي،، ونجدُ قطر تتحالف مع تركيا وإيران وتفتح علاقات مع إسرائيل، فيمواجهة الحلف المعادي لها عربياً، بينما سوريا والعراق ونصف اليمن تحولت إلى قواعد للنفوذ العسكري والسياسي الإيراني….
لا إرادة عربية للمواجهة إلا إذا قام الأمريكي بجمع بعض الدول العربية كحلفٍ صوريٍ ضد إيران للتغطية على عدوانه،،الذي يهدف بالدرجة الأولى الحفاظ على دولة الكيان الصهيوني أولاً ومصالحه النفطية ثانياً،،كما فعل في حربتحرير الكويت،،وهذا واردٌ ولكن كلَ المؤشراتِ توحي بأنَّ الولايات المتحدة لا ترغب في الحرب ببعدها العسكري، وهذا ليس تحليلاً منا،،بل تصريح رسمي لوزير الخارجية الأمريكي (مايك بومبيو) أثناء زيارته لروسيا،فقد أكدَ الأخيرُ“أن بلاده لا تريد الحرب مع إيران، وإنما تضغط عليها بهدف تغيير سياساتها التدميرية“….
ورداً على تقارير في الصحافة الأمريكية حول نيته أي (الرئيس ترامب) إرسال مئة وعشرين ألفَ جنديٍ إلى منطقة الشرق الأوسط، نفى( ترامب) بشدة وجود خطة لإرسال مثل هذه الحشود الضخمة من قواته إلى الخليج تحسباً لمواجهةعسكرية مع إيران،،لكنه أضاف أنه في حال حصول مواجهة سُيرسل عدداً أكبر من تلك التقديرات….
…إيران بدورها استبعدت اندلاع الحرب مع الولايات المتحدة رغمَ التصريحات المتشددة والحماسية التي تخرج من بعض قياداتها خصوصاً من الحرس الثوري، فقد صرح السيد (علي خامنئي) المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران:“أن أي حرب مع الولايات المتحدة الأميركية لن تقعَ وأن الخيار الوحيد أمام الشعب الإيراني هو المقاومة والمود….وأضاف:” نحن لا نبحث عن حرب ولا هم يبحثون عنها إذ يعلمون أن الحرب لا تصب في مصلحتهم“.
إذن ما يتم من حشود وحشود مضادة أمريكية إيرانية، يأتي في إطار استعراض القوة والردع المتبادل فقط،،حيث يعلم الإيرانيون أن قدرتهم على الانتصار في مثل هذه الحرب التقليدية،، مهما عَظُمت شبه مستحيلة إذا لم تكن مستحيلةبالمطلق،،وذلك على المدى التكتيكي قصيرالأجل،ولكنها ممكنة على المدى الطويل من خلال حرب الفدائيين والأنصار وعلى طول وعرض الساحة الممتدة من أفغانستان مروراً بإيران والعراق وسوريا ولبنان وغزة واليمن وشرقالسعودية وغربها ودول الخليج العربي…
يستطيع الإيرانيون فعل الكثير وإيلام الولايات المتحدة وجنودها وحلفائها
لكن ماذا يفيد الانتصار إيران إن حصل في نهاية حرب مفتوحة وطويلة الأمد؟؟..لن يفيدَها في شيءٍ بعد أنْ تكونَ الولايات المتحدة، قد دمرت أسس اقتصادها من صناعة ومنشأت وبنىٍ تحتية ستعيدها سنوات كثيرة إلى الوراء؟؟ولديناالعراق مازال مثالاً حيا…
ستكون الحرب بالنسبة للإيرانيين إن أقدموا عليها وهذا مستبعدٌ في الوقت الحاضر على أقل تقديرٍ،، مجازفةٌ غيرَ محسوبة العواقب، لذلك يُفضل المرشد الأعلى الإيراني السيد (علي خامنئي) استخدام لغة اعتدال أو المرونة في الطرححين يتساءل، “كيف يمكن التفاوض مع هؤلاء الذين لا يلتزمون بأي شيءٍ“؟(وهو بذلك يُشير إلى تنصلهم من الاتفاق النووي الذي تخلت عنه إدارة ترامب) أي أن المفاوضات والاتفاقات مع الولايات المتحدة غير ذي جدوى….إنهم يقولون لنا “تعالوا لنتحدثَ عن عمقكم الاستراتيجي في المنطقة أي أنهم يطالبوننا بالتخلي عن هذا العمق كما يطالبوننا بخفض مديات الصواريخ لكي لا نتمكن من قصف معسكراتهم في حال استهدفونا“…ويضيف (خامنئي)ومع أنه يرى أنالتفاوض مع الحكومة الأميركية الراهنة سمٌ زعاف،،إلا أن استبعاد الحرب من قبله والتساؤلات التي طرحها تفتح الباب للتأويل بأن المفاوضات مازالت ممكنةً، لكنها بحاجة إلى بيئةٍ أفضل وقد تكون قرقعة السلاح وطبول الحرب هيالأنسب لإنجاز الصفقات وفق سياسة ترامب، لكنَّ طهران بحاجةٍ إلى ضماناتٍ كي تفتحَ حواراً مع واشنطن،فرغم أن المفاوضات سُم زعاف بحسب وصف “خامنئي” ، لكن وجوده ترياق لها،، قد يجعل إيران تقبل بها،، شرطَ تغيير لغةالخطاب الأمريكي من التهديدات والعقوبات والاشترطات إلى لغة تأخذ بالاعتبار مصالح إيران الحيوية في المنطقة…
ماتريده الولايات المتحدة من إيران أمرين اثنين:_وقف صناعة الصواريخ متوسطة وبعيدة المدى والانسحاب من سوريا مع وقف دعمها للحركات المسلحة في العراق وحزب الله في لبنان وحركتي حماس والجهاد الإسلامي في فلسطينوجماعة الحوثي في اليمن….
السوال هنا…هل ستقبل إيران بذلك؟
ماتريده الولايات المتحدة من إيران أمرين اثنين: وقف صناعة الصواريخ متوسطة وبعيدة المدى والإنسحاب من سوريا مع وقف دعمها للحركات المسلحة في العراق وحزب الله في لبنان وحركتي حماس والجهاد الإسلامي في فلسطينوجماعة الحوثي في اليمن.
هل ستقبل إيران بذلك؟ مازال الخبراء وأنا منهم يستبعدون هذا الأمر.
لكن في السياق يُلاحظ أيضاً أنه وفي ذروة التصعيد الكلامي المدعوم بالتحركات العسكرية الإيرانية ضد الولايات المتحدة وإسرائيل، أصدرت إيران تعليماتٍ إلى رياضييها باللعب مقابل الفرق الرياضية الإسرائيلية وعدم الانسحاب أمامها،وهو ما كانت ترفضه دائماً منذ انتصار الثورة الإسلامية عام ١٩٧٩.!
هل تعني هذه الخطوة الرمزية شيئا ما على صعيد السياسة؟من غير الواضح الدافع،لكن بالتأكيد قد يعني، لأن هذه خطوة سياسية بامتياز، لكنها وفي هذا التوقيت الحرج تبدو غير مفهومة،إلا إذا كان هناك مجال للمساوة حتى في أصعبالملفات، إذ عندما يتعلق الأمر بالأمن القومي للدول،قد تضطر للتنازل عن أحد أهم مبادئها،،وإيران ليس استثناءً وهي التي حافظت ومنذ الثورة على الشاه، على مبدأ رفض أي علاقة مع كيان الصهاينة في فلسطين المحتلة….
في نُذر الحروب يكثُر السماسرة والوسطاء وهذا ما يحصل الآن وقد يحصل في المستقبل بكثافة أكبر، ومن قبل عدة أطراف إذ بالرغم من حديث الرئيس الروسي(بوتين) عن عدم إمكانية بلاده لعب دور الوسيط في الوقت الحاضر لكنهقال أيضاً:_ “سنرى ماذا سيحدث روسيا ليست فرقة إطفاء ونحن غير قادرين على إنقاذ كل شيء،،خاصة ما لا يعتمد على إرادتنا بالكامل“.
وأكد بوتين استعداد موسكو “للعب الدور الإيجابي نفسه الذي لعبته سابقا،لكنَّ الأمر لا يعتمد علينا فقط، بل يعتمد على جميع الشركاء، جميع اللاعبين بما فيهم الولايات المتحدة والدول الأوروبية وإيران“، وكانت محطة BBC ذكرت فيتقرير لها يوم 26/5 أن وزير الخارجية الأمريكي (بومبيو) جعل العراق قناة اتصال خلفية مع إيران وكذلك فعل الأمريكان على مايبدو مع قطر حيث سُجلت زيارة لوزير الخارجية القطري إلى طهران لكن طهران نفت حصولها..
أغلب الظن أن جولة استعراض القوة بين الطرفين قد تنتهي بوساطة روسية على الأرجح، تجمع إيران والولايات المتحدة وروسيا على طاولة واحدة…وتنتهي تلك المفاوضات بصفقة ما،تنزع فتيل التوتر بين الطرفين الذي عمره من عمرالثورة الإسلامية في إيران، بالطبع هكذا صفقة إن تمت ستتم على حساب العرب وقضيتهم الأولى فلسطين،،إيران مهما ذهبت في مثاليتها الثورية،،إلا أنها وحفاظاً على مكتسباتها وأمنها القومي،قد تضطر لعقد صفقاتٍ ثنائيةٍ مؤلمة، وعندماأقول مؤلمة أعني مؤلمة لها ولحلفائها من العرب…
السياسة ليست أماني بل مصالح، لن تكون إيران كما يتمنى لها حلفاؤها العرب أن تكون أي عربية أكثر من العرب أنفسهم، في النهاية المصلحة القومية هي العليا لدى الدول و لايسموا عليها أي مبدأ أو قضية….
تبقى هذه احتمالات قائمة لكن في موازاتها مازالت طبول الحرب تُدق، ومازلت نُذر المواجهة المسلحة قائمة، رغم التعبير الذي أبداه الطرفان بعدم الرغبة في وقوعها إلا أن أي خطأٍ تكتيكيٍ قد يُشعلها.
*مفكر وباحث عربي في العلاقات الدولية