ذكرى رحيل «زعيم استثنائي» .. لا يزال حاضرا رغم الغياب

تختصر كلمات المناضل الفلسطيني، الشهيد صلاح خلف ««أبو إياد»، سنوات ذكرى رحيل الزعيم العربي جمال عبد الناصر، بالتساؤل الذي طرحه على الكاتب الكبير الراحل «هيكل»، بعد سبع سنوات فقط من رحيل زعيم عربي استثنائي : هل يعقل أن يغيب رجل واحد من ساحة أمة فتختلف امورها إلى هذا الحد ؟! ويواصل المناضل الفلسطيني «أبو إياد» حديث الدهشة والألم : «لم يكن في مقدور أحد أن يقتعتي أن فردا واحدا يمكن أن يكون له التأثير، لولا أن الحقيقة أمامنا : قبله كنا في حال .. وفي وجوده أصبحنا في حال .. وبعده ها نحن كما نرى ، حالنا يصعب على الكافرين والله!! »

 

 

 

 

 

 

وفي ذكرى الرحيل الـ  47 لا يزال تساؤل «أبو اياد» قائما .. وۑبدو أن الزعيم العربي جمال عبد الناصر، سيبقى  عصيّا على الموت والغياب .. حاضرا رغم الغياب .. بشخصيته المتفردة .. عاش بمقاييس الزمن ، حياة قصيرة، فقد رحل عن 52 عاما و8 أشهر و 13 يوما ، ظهر فيها على مسرح التاريخ لمدة 18 عاما ، مثلت فصل إستثنائى فى التاريخ العربى كله .. «زعيم استثنائي» أعطى أمته يقينا متجددا بأنها موجودة ، وأعطى لهذا اليقين المتجدد،  حركته التاريخية ، وأنجز بهذه الحركة مهاما كبيرة على أرضها، وحول أرضها،وفي العالم

 

 

 

 

 

بعد رحيل الزعيم العربي «ناصر» ، أثارت وسائل الإعلام الغربية ، مسألة  «دور الفرد في التاريخ » وتناولت مجلة الإيكونوميست  الأمريكية، في تحليل لها في العام  1984، «ظاهرة  الزعيم » وأن ( أزمة العالم العربي، هي البحث عن القائد الزعيم، والذي بقي مكانه شاغرا بعد رحيل الرئيس المصري جمال عبد الناصر ) .. وهو ما عبر عنه الكاتب الأمريكي الشهير  «توماس فريدمان»  بالقول : ( مع بداية السبعينيات من القرن الماضي، فقد العالم العربي «الربان» الذي كان يأمر.. فيطاع، ويقول .. فيستمع إليه جميع القادة العرب،  ويقرر .. فينفذون، كانت لديه القدرة و«الملكة» على التأثير النافذ في الشعوب العربية قاطبة) .

 

 

 

 

 

وهي إشارات، ترجمها فيما بعد أديب فرنسا الكبير، أندريه مالرو ، بالقول « إن عبد الناصر كان تجسيدا لأمته في مرحلة تحول هام ، وكان وسوف يبقى لسنوات لا نستطيع من الآن أن نرى مداها ، تجسيدا في الحياة لمصر والأمة العربية» .. وكان المعنى في تحليل وسائل الإعلام الغربية، أنه حين تجسد موعد التاريخ العربي في صورة شاب ـ 34 سنة ـ يقود ثورة الضباط الأحرار، ويصبح رئيسا لمصر، بدأت رياح التغيير تهب على العالم العربي، ولم يعد منطقة يمكن أن يتخذ بشأنها القرارات في خارجها، كما كان، وحتى لو حدث كان الرجل يحبط كل محاولة في مهدها، ويقلب الطاولة على المشاركين ومن بينهم أطراف عربية،  كان هواها غربيا !!

 

 

 

 

 

 

في ذكرى رحيل الرجل الكبير .. تسترجع الذاكرة دائما، كلمات فضيلة إمام الدعاة الشيخ محمد متولي الشعراوي، في رثاء الزعيم، فقد كانت كلمات الشيخ تقترب كثيرا من الوجه الآخر للرجل الكبير، ورؤيته الثاقبة لدور مصر الإسلامي ، ويقول الشعراوي : «لم يكن زعيما فحسب، وإنما كان أستاذ زعامة، ولم يكن ثائرا فحسب، وإنما كان معلم ثورة، ودارس مبادئ، وكانت عبقريته في غرس هذه المبادئ ، وما قدم للإسلام من شيوع وتثبيت وإنتشار وإعلام، وعما صنعه في الأزهر الذي تطور به، ليتطور مع الحياة ، وليجعل منه بحق منارة الدين وحملة رسالة الله .»

 

 

 

 

كان رثاء رجل الدين، لرجل السياسة، تقديرا لما قدمه لوطنه ولأمته، في حقبة تاريخية هي من أخصب حقب التاريخ العربي الحديث، وحين كان دور مصر حاضرا وفاعلا ونافذا .

 

 

 

 

بقى الرجل الكبير خاطرا يحوم حولنا، ونحن نستعيد حقيقة أن في عهده لم تعرف مصر تنظيمات ولا جماعات ارهابية تتاجر بالدين ، ولا مجرد واقعة واحدة  لـ «فتنة طائفية»، لأنه عاش بين البسطاء، وتواصل معهم، فأدرك أن ما ينقصهم هي الحياة ذاتها، فلم  يهتم  إلآ بأن يعيدها إليهم ، لذلك عرفت مصر للمرة الأولى في تاريخها، حق أبنائها في التعليم المجان وعلى مستوى عال من التقدم أنجب المئات من علماء العالم البارزين، بل  من أبرز العلماء على خريطة العالم، ويتفقون مع مقولة الراحل  الدكتور أحمد زويل «صاحب نوبل» : تعلمت أحسن تعليم في مدارس وجامعات عبد الناصر وبالمجان  .

 

 

 

 

وإذا كانت الحركة التاريخية التي قادها جمال عبد الناصر قد أثرت في منطقة تجاوزت حدود الدوائر الثلاث العربية والأفريقية والإسلامية، فإن دوره بالأساس كان يعتمد على الوعي الاستراتيجي باحكام دور مصر، وبمصلحة مصر الاستراتيجية .. ولذلك لايزال الرجل متفردا بزعامته في وجدان الأمة ، وأن يتحرك خاطرا يحوم حولها كل يوم  .. ومثل هذا لا يزال قائما فوق ساحتنا العربية وخارجها .. ومثل هذا وجده الأديب الكبير بهاء طاهر متجسدا في أفريقيا .

 

 

 

 

 

 

 

وتقول الواقعة كما يرويها الروائي الكبير :

 

كنا في رحلة من العاصمة نيروبي إلى مدينة كينية أخرى ، وتوقفت بالسيارة في قرية صغيرة على الطريق فتوجهت مع مجموعة من جنسيات مختلفة نبحث عن سجائر في ذلك المكان .. دلونا على دكان صغير يشبه مثله في أي قرية من قرانا ، حيث تتكوم أجولة السكر والدقيق في ناحية وبجوارها صفائح الزيت وقطع الصابون المرصوصة ، وأوعية تضم حلوى للأطفال ، ورف للسجائر .. ألخ ، ووسط كل تلك الفوضى كانت هناك ، في صدر المحل صورة مثبتة بالدبابيس في الحائط ، صورة ملونة قديمة لوجه يبتسم ، وكنت أعرفها جيدا ” صورة جمال عبد الناصر ” .. وعندما اشتريت السجائر من صاحب الدكان العجوز ، سألته بشكل عابر :

 

صورة من هذه المعلقة هناك ؟

 

فالتفت الرجل خلفه في دهشة مشيرا إلى الصورة وهو يسألني :

 

ألا تعرف من هو ؟

 

قلت : لا

 

فقال الرجل ببساطة : هذا هو أبو أفريقيا .

 

ويضيف طاهر : لن أنسى ما حييت البساطة واليقين في لهجة ذلك الرجل الأشيب وهو يقول ليّ بلكنته الأفريقية ( This is the father of Africa)

 

 

 

 

 

رجل عبد الناصر.. واقتصاد مصر أقوى من اقتصاد كوريا الجنوبية، ولدى مصر فائض من العملة الصعبة تجاوز المائتين والخمسين مليون دولار بشهادة البنك الدولى،  وبلغ سعر الجنيه الذهب 4 جنيه مصر..وزيادة مساحة الرقعة الزراعية بنسبة 15% ولأول مرة تسبق الزيادة فى رقعة الأرض الزراعية الزيادة فى عدد السكان .. وزاد عدد الشباب فى المدارس والجامعات والمعاهد العليا بأكثر من  300 % .. وزادت مساحة الأراضى المملوكة لفئة صغار الفلاحين من 2,1 مليون فدان إلى حوالى 4 مليون فدان .. وكل ذلك تم بدون ديون على مصر.. ورحل عبد الناصر بعد أن تحقق له حلم إنشاء  أكبر قاعدة صناعية فى العالم الثالث، حيث بلغ عدد المصانع التى أقيمت فى عهده  1500 مصنع ، منها صناعات ثقيلة وتحويلية وإستراتيجية،  تأسست عليها أول قاعدة صناعية في المنطقة، وتحولت مصر إلى وطن يخطو خطوات واثقة نحو التحول إلى دولة صناعية، جنبا إلى جنب مع كوريا الجنوبية وغيرها، من دول تقدمت، وتخلفنا نحن بعد رحيل الرجل الكبير!! ولم تكن عملة مصر مرتبطة بالدولار الأمريكى، بل كان الجنيه المصرى يساوى ثلاثة دولارات ونصف، ويساوى أربعة عشر ريال سعودى.. ورحل الزعيم الإستثنائي ولم تكن هناك بطالة، ولم تكن هناك أزمة تعيينات أو وسائط أو رشاوي.. وربما كان الأهم ، والأكثر أهمية ، أن العدالة الإجتماعية تحققت لأول مرة على أرض مصر، في تاريخها الحديث .. ولكنها رحلت  مع رحيل جمال عبد الناصر، بحسب تعبير أستاذ العلوم السياسية والوزير السابق، د. علي الدين هلال  .

 

 

 

 

 

وربما لا يعرف كثيرون .. أن الاقتصاد المصري، على الرغم من هزيمة الجيش في 1967  استطاع أن يتحمل تكاليف إتمام بناء مشروع السد العالي الذي اختارته الأمم المتحدة عام 2000 كأعظم مشروع هندسى وتنموى فى القرن العشرين، والذى يعادل فى بناؤه 17 هرم من طراز هرم خوفو .. ورغم آثار الهزيمة العسكرية،  فإن الإرادة المصرية لم تهزم ، وتم بناء مجمع مصانع الألمونيوم فى نجع حمادي، وهو مشروع عملاق بلغت تكلفته ما يقرب من 3 مليار جنيه .. واستطاعت مصر فى ظل نكسة 67 أن تحافظ على نسبة النمو الإقتصادى كما كان قبل النكسة، بل أن هذه النسبة زادت فى عامى 1969 و 1970 وبلغت 6،7  % وفقا لتقرير وزارة المالية المصرية والبنك الدولي .. واستطاع الاقتصاد المصري عام 1969 أن يحقق زيادة في فائض الميزان التجاري ــ  لأول وآخر مرة فى تاريخ مصر ــ  بفائض قدرها 46.9 مليون جنية بأسعار ذلك الزمان .. وتم وضع حدود دنيا وعليا للرواتب والمرتبات، مراعاة للمساواة والعدالة الاجتماعية بين أفراد الشعب، فلا أحد يعيش برفاهية وبذخ، ولا أحد يعيش دون مستوى الكفاف.

 

 

 

 

 

هذه بعض ملامح  زمن عبد الناصر.. وكانت القومية العربية الهاجس الكبير لدي الزعيم العربي، فقد كان «مريضا بحمى القومية العربية» بحسب وصف صحيفة الجارديان البريطانية .. وفى 28 سبتمبر/ أيلول 1970 رحل عن دنيانا فى مرحلة فارقة من تاريخ مصروالأمة العربية الحديث، تاركا إرثا عظيما من الوطنية وتحدى قوى الاستعمار.. وقد شيع جثمانه فى مشهد مهيب، غير مسبوق وغير ملحوق، حيث خرج ملايين المصريين  لتوديع جثمان الزعيم «الاستثنائي».. وخرج ملايين العرب، على امتداد الساحة العربية طولا وعرضا، يبكون زعيمهم في مثل هذا اليوم قبل 47 عاما.

 

 

 

 

 

 

وبقي السؤال العام الذي يطرح نفسه دائما : لماذا ظل عبد الناصر حاضرا دائما بعد الرحيل؟! ولماذا لم تغب صورته عن الوعي المجتمعي العربي، وعن وجدان أمته ؟! ولماذا تقف ذكراه أمامنا ـ في المولد وفي الرحيل ـ في كل وقت ومكان، تتحدى الغياب، وتتحدى حقيقة الموت، بعد أكثر من أربعة عقود ؟ وربما كانت الاجابة :  لأن  دور جمال عبد الناصر، كان رقما بارزا في حسابات التعريف التاريخي لدور الفرد في مرحلة تاريخية معينة .. وكاشفا لدلالات ومعان دور الفرد التاريخي.

 

 

 

 

 

 

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]