سبع سنوات من البحث عن الدولة في ليبيا، أرسلت خلالها الأمم المتحدة عددا من المبعوثين الدوليين لحل أزمتها المُحيرة التي دخلتها منذ سقوط نظام القذافي خلال ثورة 17 من فبراير/ شباط 2011 ، دون أن تخرج منها. المبعوثون الأمميون مكثوا في مهامهم شهورا قبل أن يصلوا إلى نهاية الطريق المسدودة، وهم حسب تسلسل تولي مهامهم: السياسي الأردني ووزير خارجية الأردن سابقا، عبد الإله الخطيب، والدبلوماسي البريطاني إيان مارتن، والسياسي والأكاديمي، وزير الإعلام اللبناني سابقا طارق متري، والدبلوماسي الإسباني برناردينو ليون، والدبلوماسي الألماني مارتن كوبلر، والسياسي اللبناني وزير الثقافة الأسبق غسان سلامة، وهو صاحب رؤية تختلف عن سابقيه، بأن هناك توافق عميق بين كل الأطراف على بقاء الوضع على ما هو عليه، وهناك عملية نهب مخيف للثروة يشارك فيها كل الليبيين. ويوجز رؤيته بالقول « الأزمة الليبية تزداد تعقيدا وتشابكا والتسوية السياسية لن تكون سهلة أو قريبة الموعد».
صراع على الثروة وليس الفكر أو الثقافة
وفي توصيفه للحالة الليبية التي أرهقت 5 مبعوثين أممين سابقين، يؤكد غسان سلامة، المبعوث الأممي لدى ليبيا، أن الصراع الذى يسود ليبيا هو صراع على الثروة وليس الفكر أو الثقافة أو تحديات المكان والزمان.. وقال: إننا إزاء دولة ريعية اعتمادها الكامل على «ريعها» البترولى الذى يحقق لها دخلا هائلا نتيجة تصدير مليون و300 ألف برميل يوميا من أجود أنواع البترول تذهب مباشرة إلى الأسواق الأوروبية، وتتوزع عائداتها على 6.5 مليون نسمة منذ أيام حكم القذافي، وكل مواطن ليبى يشعر بأن له حقا فى جزء من هذا «الريع» بصرف النظر عن واجباته تجاه وطنه وبلده ، وخلال فترة حكم العقيد القذافى كان هناك «حكم» يبت فى الأمر ساعة نشوب الخلاف، يلتزم الجميع بقراراته، وبغياب «الحكم» وانهيار سلطة الدولة سادت الصراعات الصغيرة وسادت الفوضى العارمة، خاصة مع تزايد الميليشيات المسلحة وسيطرتها الكاملة على أغلب المدن الليبية.
- وتابع في تحليل رؤيته للوضع في ليبيا، هناك خصوصية ثانية فى الموقف الليبي، أننا إزاء بلد تحول بسبب انقساماته إلى شظايا عديدة، وليس صحيحا بالمرة أن البلد منقسم على نفسه بين شرق وغرب، هذا ما يمكن أن نراه على سطح الأشياء لكن الرؤية الصحيحة والعميقة تكشف لنا أننا إزاء فسيفساء تكاد تندثر إلى شظايا، والتحدى الحقيقى الذى يواجهنا هو لملمة هذه الشظايا وليس توحيد الشرق والغرب كما يتصور البعض، كل مدينة لها جماعة تحاول أن تسيطر وتحكم، وكل جماعة تعانى التشرذم والانقسام، وللأسف حدث الشيء نفسه مع القبائل!
عملية نهب ليبيا يشارك فيها الجميع
ويستبعد المبعوث الأممي، القدرة على وقف عملية نهب ليبيا التى يشارك فيها الجميع.. مضيفا: لا أعتقد أنه كان فى وسعنا أن نوقف هذا النهب وأن ندقق فى مراجعة أعمال المصرف المركزى وحساباته، الذى كان قد انشق إلى مصرفين منذ عام 2014، أحدهما فى طرابلس والآخر فى مدينة البيضاء دون أن يكون لدينا شركة دولية تقوم بتدقيق حسابات المصرفين، ودون أن يكون هناك حد أدنى من التوافق بين المصرفين على قواعد المراجعة والتدقيق، وقد انتهينا من الخطوة الإجرائية الأولى ووقعت كل الأطراف اتفاقا بالتزام الشفافية وأن يسلم كل طرف ما لديه من الوثائق والمعلومات كى يعرف الليبيون كيف أنفقت أموال البلاد، ولماذا اتسعت فجوة السوق السوداء فى النقد الأجنبى إلى هذا الحد؟! ومدى مشروعية هذا الإنفاق الهائل على الميليشيات العسكرية التى كان قادتها يحصلون عبر الابتزاز على هذا الكم الهائل من الأموال، فضلا عن أن هناك حقولا مهمة للبترول غرب ليبيا مثل حقل الشرارة وحقل الوفاء لم يتم تدقيق حساباتها أبدا.
- وحول توافق الأطراف الأوروبية الضالعة فى الأزمة الليبية خصوصا إيطاليا وفرنسا؟ يرى غسان سلامة، أن هناك فى الظاهر نوع من التوافق على أن تستعيد العاصمة طرابلس بعضا من فاعليتها، وأن تحل القوات النظامية محل الميليشيات العسكرية، لكن هناك أيضا خلافات أساسية بين القوى الإقليمية والدولية، خاصة حول موعد الانتخابات النيابية والرئاسية وكل طرف يتمسك بمن يحميه لكننا، نريد تفاهما حقيقيا إقليميا ودوليا يختصر مشكلات التسوية السياسية ويساعد على توحيد المؤسسات الليبية، ويمكننا من سرعة إحلال القوات النظامية محل الميليشيات العسكرية، ويضمن وجود دولة شرعية واحدة.
الحل: مؤتمر وطنى ليبي لا يقصى أحدا
والحل الصحيح للأزمة الليبية، بحسب رؤية المبعوث الأممي لدى ليبيا، غسان سلاىمة، في حوار مع صحيفة الأهرام ةالقاهرية، نشر اليوم الإثنين، يمكن أن ينبثق من انعقاد مؤتمر وطنى ليبي، نفسح فيه المجال لكل المهمشين، مؤتمر لا يقصى أحدا، تحضره القبائل العربية والليبيون من أصول إفريقية والأمازيج الذين يشكلون عنصرا مهما فى ثقافة البلاد، وتحضره ميليشيات مصراتة والزاوية يناقشون معا سبل تحصين مؤسسات الدولة وتأمينها من الابتزاز، وكيفية دمج الميليشيات فى وظائف الدولة والشرطة والجيش على أسس فردية، وإمكان إعداد برنامج زمنى للانتخابات البرلمانية والرئاسية، والخطوط العريضة لتوحيد المؤسسة العسكرية وعلاقتها بمؤسسات الحكم فى ظل حكومة مدنية ورئيس منتخب.
- وأضاف: إن هدف مؤتمر باليرمو هو حشد الدعم الدولى للعملية السياسية التى تقودها الأمم المتحدة والإسهام فى تحقيق الاستقرار الشامل فى ليبيا، وأملى أن يكون باليرمو محطة ناجحة فى طريق التوصل إلى تفاهم ليبى ـ ليبى.