رئيس الصحة العالمية أمام تحدي إدارة الأزمة الإنسانية في مسقط رأسه تيجراي
يواجه رئيس منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبرييسوس تحديًا فريدًا إذ يتوجّب عليه إدارة أزمة إنسانية في إقليم تيجراي الإثيوبي يكون مصير عائلته فيها على المحكّ.
يتحدّر تيدروس (57 عامًا) من إقليم تيجراي الواقع شمال إثيوبيا والمحاصر منذ عامين من قبل القوات الفدرالية وحلفائها. وقّع طرفا النزاع، الحكومة الإثيوبية ومتمردو تيجراي، اتفاقية هدنة الأسبوع الماضي، ما ولّد آمالًا بأن يتمّ إرسال المساعدات الإنسانية بطريقة أسرع إلى سكان الإقليم.
وأعلن تيدروس الأربعاء خلال مؤتمر صحافي “نحن مسرورون أنه تمّ إعطاء فرصة لإرساء السلام”.
لكنه شدد على ضرورة السماح بنقل المساعدات إلى الإقليم بشكل عاجل وأعرب عن أسفه لأنه “بعد اتفاق وقف إطلاق النار كنت أتوقع السماح بدخول الأدوية والأغذية على الفور. هذا لم يحصل”.
منذ اندلاع النزاع قبل عامين، بات سكان المنطقة البالغ عددهم ستة ملايين نسمة تقريبًا معزولين عن العالم الخارجي.
وهم يواجهون نقصا حادا في الوقود والغذاء والأدوية ويفتقرون إلى الخدمات الأساسية بما في ذلك الاتصالات والكهرباء.
عُرف تيدروس على الساحة الدولية في سعيه لمحاربة تفشي كوفيد-19، وغالبًا ما بات يستخدم منصبه ومنبره لتسليط الضوء على مسقط رأسه الإثيوبي.
كان تيدروس شخصية بارزة في جبهة تحرير شعب تيجراي، العمود الفقري لتمرد تيجراي.
وفي 19 أكتوبر، أكّد تيدروس بتأثر شديد خلال مؤتمر صحافي، “نعم، أنا من تيجراي، ونعم هذا يمسني شخصيًا، ولا أدعي غير ذلك. معظم أقاربي موجودون في المناطق الأكثر تأثرًا، أكثر من 90% منهم”.
وأضاف “لكن عملي يقضي بلفت انتباه المجتمع الدولي إلى الأزمات التي تهدد صحة الناس، أينما وجدوا”.
حرب كلامية
إقليم تيجراي محروم منذ عامين من المساعدات الإنسانية، في وقت يتوجّب على وكالات الأمم المتحدة التعامل مع السلطات، مهما كانت، لتتمكنّ من العمل في أي بلد.
وأمام تيدروس مهمة صعبة تكمن في تحقيق توازن دقيق بين تطرّقه إلى الأزمة في تيجراي وعدم تخطّي الصلاحيات الموكلة إليه.
وتتهمه الحكومة الإثيوبية بالتحيّز وباستغلال منصبه كمنبر للتعبير عن آرائه السياسية.
ذهب تيدروس إلى أبعد من معظم المسؤولين في الأمم المتحدة حيث قال في الأول من نوفمبر إن خطر “الإبادة الجماعية” في تيجراي “حقيقي ولكن يمكن تفاديه إذا تحركنا الآن”.
اتهمته أديس أبابا مرارا بالانحياز واستغلال منصبه، وحذرت من أن تدخلاته تهدد نزاهة منظمة الصحة العالمية.
وفي يناير، قال سفير إثيوبيا لدى الأمم المتحدة زينيبي كيبيدي كورشو إن المدير العام لمنظمة الصحة العالمية “استخدم منصبه لكي يبدّي مصلحته السياسية الشخصية على مصلحة إثيوبيا”.
كما انتقدت أديس أبابا إعادة انتخاب تيدروس لولاية ثانية في مايو وحثت منظمة الصحة العالمية على التحقيق معه بشأن “سوء السلوك وانتهاك مسؤولياته المهنية والقانونية”.
تيدروس وجبهة تحرير شعب تيجراي
بدأ الصراع في 4 نوفمبر 2020 عندما أرسل رئيس الحكومة أبيي أحمد القوات الحكومية إلى إقليم تيجراي بعد اتهام جبهة تحرير شعب تيجراي بمهاجمة معسكرات للجيش الفدرالي.
وكانت جبهة تحرير شعب تيجراي هي القوة المهيمنة في تحالف الجبهة الديموقراطية الثورية للشعب الإثيوبي الذي سيطر على السياسة الإثيوبية منذ العام 1991 على مدى ثلاثة عقود.
وكان تيدروس عضوًا في اللجنة التنفيذية المؤلفة من تسعة أعضاء في جبهة تحرير شعب تيجراي حتى استلامه منصبه على رأس منظمة الصحة العالمية في جنيف في العام 2017.
وكان أيضًا قد ترأس المكتب الإقليمي للصحة في تيجراي قبل أن يصبح وزيرًا للصحة في إثيوبيا من العام 2005 حتى 2012.
وحين توفي رئيس الحكومة ميليس زيناوي في العام 2012، اعتُبر تيدروس خلفًا محتملًا لرئاسة جبهة تحرير شعب تيجراي وبالتالي لرئاسة اثيوبيا.
لكن بدلًا من ذلك، أصبح وزيرًا للخارجية الإثيوبية حتى العام 2016، قبل انتقاله في العام التالي إلى منظمة الصحة العالمية.
وبالتالي لم يكن في البلاد لدى وصول أبيي أحمد إلى السلطة في العام 2018 بعد سنوات من التظاهرات المناهضة للحكومة.
وحلّ أبيي تحالف الجبهة الديموقراطية الثورية للشعب الإثيوبي وأسّس “حزب الرخاء” في 2019 ورفضت حينها جبهة تحرير شعب تيجراي الانضمام إلى هذه الحركة.
طفولته في تيجراي
خلال منتدى للشباب في العام 2020، تحدّث تيدروس عن أنه شهد، وهو في السابعة من عمره، وفاة شقيقه الأصغر بسبب الحصبة على الأرجح.
وقال “لم أتقبّل الوضع حينها… وما زلت لا أتقبّله حتى الآن… لقد أثّر ذلك عليّ كثيرًا”.
ويدلي تيدروس تقليديًا بملاحظات افتتاحية في المؤتمرات الصحافية الأسبوعية لمنظمة الصحة العالمية، ويترك مهمة الإجابة على الأسئلة عادة لفريقه.
لكن حين يتعلّق الأمر بالنزاع في تيجراي، يتولّى بنفسه الحديث عن الموضوع من خلال إثارة المشاعر.
وكان قد قال في أغسطس، بالحديث عن مصير عائلته في تيجراي، “أريد إرسال المال لهم، لكنني أعجز عن ذلك. يموتون جوعًا، أعلم ذلك، ولا أستطيع مساعدتهم. لا أعلم حتى من توفي منهم ومن هو على قيد الحياة”.
وشدد الأربعاء على أن العديد من سكان تيجراي “يموتون من أمراض قابلة للعلاج” ومن الجوع.
وشدد على أنه “حتى في خضم القتال يحتاج المدنيون إلى الغذاء والدواء. لا يمكن أن يكون ذلك شرطا”.
قد يوفر اتفاق وقف إطلاق النار نافذة لفتح ممر إنساني وستتجه الأنظار إلى تيدروس لمعرفة ما إذا سيكون بإمكانه جعل المجتمع الدولي يستجيب لمناشداته.
