رصاص “حسناء بغداد” يعيد رسم الوجه الرومانسي للعراق
على العكس من الفكرة السائدة عن انهيار الحركة الفنية والثقافية بالعراق، بعد الغزو الأمريكي مرورًا بالحرب والنزاعات الأهلية الطائفية، وصولا إلى الإرهاب الداعشي، قالت الفنانة العراقية الشابة حسناء طبرة، إن الحركة الفنية الشبابية بالعراق حاليًا، وبسبب الظروف القاسية التي يعيشها المجتمع عمومًا والنساء خصوصًا، تجعل من الأنشطة والفعاليات الفنية ذات أثر فاعل في المجتمع.
وتوضح الفنانة التي تعيش بالسليمانية شمال العراق، أن عدد الشابات المنخرطات في المجال الفني العراقي قليل، مما يجعل الاهتمام كبير بأي إرهاصة فنية جديدة مقارنة بغير ذلك.
لقي معرضها “خصلات بلون الكحل” اهتمامًا إعلاميًا نوعًا ما بالنسبة لمعرض أول، لكن الفنانة العشرينية المولودة ببغداد، تؤكد أنها لم تفكر بالاهتمام الإعلامي آنذاك، وذلك “بحكم قلة الخبرة لدي، ولكونه معرض أول لشابة ليس لديها أي أفكار واضحة عن الصدى الإعلامي والاهتمام”.
وأضافت، فتح النجاح النسبي للمعرض الشخصي الأول آفاقًا واسعة للتفكير والتأمل للتوصل إلى أعمال جديدة ومبتكرة تتواصل مع بداياتي، وأعتقد أن البيئة التي خلقتها تداعيات حضور جدي مصطفى أبو طبره رحمه الله، من خلال لوحاته وخطوطه ورسوماته الكاريكاتيرية ومكتبته الحافلة بالعديد من الكتب الفنية والثقافية، مجالًا رحبًا لشخصيتي الفنية، وكذلك الأجواء الثقافية والفنية في عائلتي التي تساعد في استمرار وتواصل عملي ونشاطي الفني.
مع طغيان الأبيض والأسود على عالمها الفني، تقترن عبارة “أخشى الألوان” باسم حسناء طبرة على محركات البحث، ولكنها تقول، الخشية بنوع عام ليست من خصالي الشخصية في الحياة اليومية، ولكن في مجال الرسم والفن أجد نفسي أمام مسؤولية كبيرة، وفي أحيان عديدة أجد أن استخدامي للألوان يضعف عرض الأفكار بشكل واضح.،مضيفة: بالمقابل فإن الأسود والأبيض بـ”تناقضهم الإيجابي”، يمكنانني من أن أعرض الفكرة بشكل أكثر وضوحًا.
السؤال عن الألوان، يبدو منطقيًا في غيابها، ولكن تبرز أسئلة أكثر حول الأبيض والأسود في حضورهما الطاغي، والمرأة والرجل، فهل تخشى “طبرة” الخروج عن عالم الثنائيات، أم أنه العالم الذي يحقق طموحها؟ تقول “حسناء” إنه لا توجد حدود لدي أو شروط تحدد طريقة التعبير عن أفكاري، وتبقى المحددات لحظية، وضمن الذوق العام والنظرة الفنية التي أعتقد أنني أملك قسطًا منها، فالأحاديات والثنائيات والثلاثيات هي نتائج لإحساس معين أعيشه في ذلك الحين، ولربما كانت هذه الأعمال هي نتيجة لمنظومة من أنماط الثقافة والاتجاهات الفنية والفكرية والسياسية وغيرها التي تعصف بحياتنا الآن.
سألناها عن لقب “شهرزاد بغداد”، فقالت، لست أدري كيف ظهر ذلك ومن هو الذي أطلق علي هذا اللقب، ولكنني أجد ذلك جميلًا وأنا راضية به، وأجد أن شهرزاد صديقتي بالرغم من كونها شخصية خيالية.
تبدو “العيون المغمضة” ملمحًا من الملامح الأساسية في أعمال الفنانة العشرينية، فلا تكاد تخلو لوحة من عين مغمضة أو على الأقل شبه مفتوحة، للرجل كما للمرأة، خاصة في لحظات الاحتواء وهو ما تتعدد دلائله بين الطمأنينة تارة، ورفض الواقع تارة أخرى، سألناها فقالت، في بعض الأحيان أتساءل أنا أيضا عن بعض الظواهر المتكررة في أعمالي، ولكن اكتشف ذلك بعد فوات الأوان، إذ يكون العمل قد استوفى أفكاره الأساسية، ومن المعروف أن الرسم بطريقتي لا يبيح للرسام محو أو تصحيح ما هو موجود، إذ أن العمل يخرج مرة واحدة، دون أي شطب أو حك أو حذف.
ودائمًا ما تؤكد “طبرة” أنها تحاول توظيف خصلات الشعر السوداء للتعبير عن الثورة والتمرد ضد القيود بصورة عامة، حتى أنها تحاول أن تدخل المتلقي إلى عالم من الجمال والحب والحنان والشجن والرومانسية، بعيدًا عن “واقعنا المؤلم والطائفية والحروب والدمار”.
وتوضح أنه باستخدام الألوان يمكن أن تصحح بعض التفاصيل بإضافة لون فوق الآخر، لكن بطريقتي لدي فرصة واحدة في العمل كله، فأي تصحيح معناه بداية جديدة في ورقة أخرى.
أن تجد عملًا في ظروف مثل التي يمر بها العراق هو أمر شاق بالفعل، ودائما ما تتساءل حسناء “هل أفضل الوظيفة على الفن أو العكس”، ولكنها تجد ملامح الإجابة واضحة في “ميلي للفن أكثر من الوظيفة، لأنه بالفن حرية ما بعدها حرية وهالعنصر مفقود في الوظيفة التي هي قيود ما بعدها قيود، هل الإنسان محكوم عليه بالحرية؟! حبذا لو وجدت وظيفة لها علاقة بالفن”.
شاركت حسناء طبرة في مسابقة “شانكر” الهندية للأطفال، وحصلت على مدالية فضية عام 1999 وتم تكريمها آنذاك من قبل وزير الثقافة، كما شاركت في مهرجانات المدرسة، وفي مرحلة أخرى شاركت في مهرجان الفسيفساء 2014، وهو العام الذي حفل بعدة مشاركات لها، حيث أقامت معرضًا مشترك مع مجموعة من الفنانين بمناسبة يوم المرأة في وزارة حقوق الإنسان، وشاركت بمهرجان الزهور، وبيهانس بغداد، كما كانت ضمن الفنانين المشاركين في حملة “أهلنا” مع الموسيقار نصير شمة 2015، ضمن مجموعة لمسة عراقية، ثم أقامت معرضًا مشتركًا مع طلاب الجامعة الأمريكية في سليمانية، إضافة إلى معرضها الشخصي “خصلات بلون الكحل”.
