رمزية «التمثال العاري» بين التشدد الديني والفن
في القرن السادس عشر، سخر الفنانون المعاصرون من دانيلي دي فولتيرا، عندما وافق على أن يرسم ملابس على الرسومات العارية لمايكل أنجلو في كنيسة سيستين، ويبدو أن مسؤولي البروتوكول الحاليين في إيطاليا يدركون الآن كيف كان يشعر دي فولتيرا.
وقبل أيام، وجه زعماء المعارضة الإيطالية، ومحللون ووسائل إعلام، انتقادات شديدة بعد تغطية تماثيل عارية بصناديق بيضاء في مجلس بلدية مدينة روما ومجمع المتاحف، بسبب زيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني.
الجدل المثار في إيطاليا يعود بنا إلى فترة حكم الإخوان لمصر حينما أثار الجدل المتحدث باسم الدعوة السلفية وقتها، عبدالمنعم الشحات، الذي طالب بتغطية وجوه التماثيل الفرعونية بالشمع، لأنها تشبه الأصنام، التي كانت موجودة في مكة.
ويهدم تنظيم «داعش» المعابد والآثار منذ سيطرته على مناطق واسعة من أراضي سوريا والعراق، ليحذو حذو طالبان بعد سيطرتها على وادي باميان سنة 1998، حيث دمرت رؤوس تماثيل بوذية، بحجة أنها مخالفة للشريعة الإسلامية.
الخوف من عودة زمن الأصنام
تتعد الأسباب، التي تدفع المتشددين نحو العداء تجاه الفن، بما فيها مخالفة الشريعة، وإثارة الغرائز، بغض النظر عن المعنى الحقيقي، الذي يرمز له العري في الفنون.
ويرى المتشددون أن التماثيل منكر يجب إزالته، ويدعي بعضهم أنها أموال غير محترمة، وغير مضمونة، وأنه لا شيء على من أتلفها لأنه فعل ما يجب عليه.
ويتفق بعضهم أنه لا يبرر لتلك الآثار كونها من التراث الإنساني، وفي فتوى وردت بمركز الفتوى في موقع «إسلام ويب»، قيل «الآثار كلام ساقط لا يلتفت إليه، وهو تراث، لكنه تراث محرم يجب إزالته».
واختلفت آراء بعض المسلمين بالنسبة للفن العاري، الذي أثار موجة خلاف كبيرة في إيطاليا مؤخرا، فالبعض يرى أن الفن ضرورة ولا غضاضة من الحفاظ على التراث والتماثيل، طالما لا تتم عبادتها، ولكنهم يُخضعون الفن، خاصة «العاري» منه، لأحكام ظهور «العورة» في الإسلام، والتي تختلف بحسب الرجل والمرأة.
يختلف تقدير الفن وتفسيره بالنسبة للفنانين بخلاف تلك المخاوف، التي تهيمن على شيوخ المسلمين وقادة التنظيمات الجهادية والمتطرفة، التي تعتقد أن الناس قد تتجه نحو عبادة الأصنام مرة أخرى، وأن ظهور عورة التمثال تذكرنا بالشهوة الجنسية.
وجهة نظر الفن
نلاحظ في التاريخ أن الفن، العاري تحديدا، كان أكثر قداسة وروحانية من الفنون الأخرى، وتخصص هذا الفن في وصف أجساد المحاربين والرياضيين والراقصين، وهو للتعبير عن مشاعر أساسية تعبّر عن طاقة الإنسان وجماليات الخلق والإبداع.
في الحضارات القديمة
العري كان جزءا أساسيا من الحياة في بلاد الشرق الأقصى القديم، وهذا ما عكسته الفنون، وفي الفن اليوناني، كان المحارب الميّت عادة يُصوّر وهو عارٍ، ربما للإشارة إلى ضعف جسد الإنسان.
وتم تصوير العمّال في الأعمال الفنّية اليونانية وهم عراة، لإبراز عضلاتهم، والتأكيد على الجهد الذي يبذلونه في أثناء أداء أنشطتهم البدنية.
إضافة إلى الآلهة والآلهات كانوا أيضا يُرسمون وهم عراة من أجل إثبات ألوهيّتهم، ومن المثير للاهتمام أن نلاحظ أن عُري المرأة في الفن اليوناني لم يكن مسموحا به حتى القرن الثامن قبل الميلاد.
وفي المسيحية صور المسيح عاريا على الصليب، وقام الفنان مايكل أنجلو برسم قصة آدم على سقف كنيسة سيستين في إيطاليا.
في خمسينات القرن الماضي استنكر كينيث كلارك، أحد المتخصصين في دراسة الفنون الجميلة، النظر إلى الفنون العارية بنظرة شهوانية، قائلا «إنه إذا أثار نموذج عارٍ الشهوة الجنسية بداخلنا يصبح عملا كاذبا ومزيفا».
