يرى سياسي وخبير أمريكي بارز في الشؤون الدولية والاستراتيجية، أن إدارة الرئيس جو بايدن، تراجعت أمام مكاسب دبلوماسية صينية.. ويقف النجاح الصيني في الشرق الأوسط عائقاً أمام الجهود الأمريكية في المنطقة. بيد أنَّ ذلك لا يعني أن النفوذ الأمريكي في المنطقة سيتلاشى، فبعد زيارة الوزير الصيني للبحرين ستبقى القاعدة الأمريكية البحرية هناك قائمة. كما أنَّ العلاقات الثنائية بين واشنطن وأبوظبي جيدة.
وقال السفير الأمريكي السابق لدى سوريا والجزائر والباحث في معهد الشرق الأوسط في واشنطن، روبرت فورد: إن الأمر الذي يثير اهتمامي هنا، فهو العلاقات بين واشنطن وموسكو وبكين..في الواقع، أنا سعيد بتوجيه بايدن الدعوة إلى روسيا والصين للمشاركة في قمة عالمية في شهر ابريل/ نيسان حول التغييرات المناخية، ذلك أنَّ القوى الثلاث بحاجة إلى إيجاد سبل للتعاون.
عزلة أمريكا أمام موسكو وبكين
والحقيقة أنَّه ليس هناك بين الدول الثلاث مَن يمكن وصفه بالمَلاك، فجميعها تخوض لعبة السياسات الدولية الصعبة. إلا أنني قلق إزاء التقارب الروسي – الصيني في مواجهة الولايات المتحدة على الصعيد الجيوستراتيجي. ورغم أنَّ الاقتصاد الروسي يكافئ اقتصاد إيطاليا، تبقى روسيا قوة مهمة عسكرياً وسيبرانياً.
من جهته، نجح وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر منذ خمسين عاماً ماضية في بناء تحالف غير مباشر مع الصين فرض عزلة على موسكو. اليوم، تخدم العزلة التي تعانيها الولايات المتحدة داخل مثلث واشنطن – موسكو – بكين مصالح أكبر غريمين لها، والصين من جهتها تدرك هذا الأمر جيداً.
عدم السماح للصين بالتحول إلى قوة رائدة على مستوى العالم
وأضاف فورد: على صعيد الدبلوماسية الأمريكية، لم يكن النصف الثاني من مارس (آذار) ناجحاً.. في 18 مارس/ آذار، استضاف وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، اثنين من كبار الدبلوماسيين الصينيين في ألاسكا، وحرص بلينكن على تذكير وسائل الإعلام العالمية بالشكاوى الأمريكية ضد الصين، مثل التعامل مع إقليم شينغيانغ وهونغ كونغ، والتهديدات الصينية لتايوان، والضغوط الاقتصادية الصينية ضد دول مثل أستراليا.
وبعد ذلك، تعهد الرئيس جو بايدن، في 25 مارس/ آذار، بعدم السماح للصين بالتحول إلى قوة رائدة على مستوى العالم. ويجد بايدن وبلينكن من الضروري اتخاذ هذا الموقف القوي ضد الصين، لأنهما بحاجة إلى أصوات الجمهوريين داخل الكونغرس من أجل أولويات بايدن مثل إصلاح قوانين الهجرة وتمويل بناء بنية تحتية جديدة. إضافةً إلى ذلك، يعتقد كلا الرجلين بقوة أن دفاع الولايات المتحدة عن حقوق الإنسان والديمقراطية أمرٌ حيويٌّ للحفاظ على الشرعية الأمريكية في العالم.
رد صيني قوي وغاضب
في المقابل، جاء الرد العلني للفريق الدبلوماسي الصيني في ألاسكا قوياً وغاضباً. أولاً: انتقد الصينيون الجانب الأمريكي لخرقه البروتوكول الدبلوماسي. وشدد وزير الخارجية الصيني على أن العقوبات الأمريكية الجديدة ضد الصين ليست أسلوباً لائقاً للترحيب. واتهم كذلك واشنطن بالنفاق عندما تشكو من الضغوط الاقتصادية الصينية في ذات الوقت الذي تلجأ فيه إلى العقوبات أغلب الوقت.
كما أكد مدير الشؤون الخارجية بالحزب الشيوعي الصيني، يانغ، أنَّ الولايات المتحدة ليست المتحدث الرسمي باسم الرأي العام الدولي، وينبغي لواشنطن التوقف عن تدخلاتها بهدف تغيير الأنظمة، والتركيز على إصلاح إخفاقاتها في مجال حقوق الإنسان، على سبيل المثال، المشكلات التي تجابه مجتمعات أصحاب البشرة السمراء، وشدَّد يانغ على رفض بكين لـ«النظام الدولي القائم على القواعد» الأمريكية.
ومن وجهة نظر الصين، يعد هذا النظام صنيعة عدد صغير من الدول فقط، وتفضل الصين بدلاً عن ذلك نظاماً دولياً تشكّل الأمم المتحدة مركزه.
نجاح آخر للدبلوماسية الصينية
وأضاف الدبلوماسي الأمريكي السابق، في مقال نشرته صحيفة الشرق الأوسط اللندنية: بعد الصفعة التي وجَّهتها إلى الجانب الأمريكي في ألاسكا، حظيت الدبلوماسية الصينية بنجاح آخَر في 23 مارس/ آذار عندما التقى وزيرا خارجية روسيا والصين، وجاءت تصريحات سيرغي لافروف المعلنة مطابقة لما قاله الصينيون في ألاسكا.من جهته، أشاد لافروف بتعيين الأمم المتحدة محققاً خاصاً لفحص استخدام دول للعقوبات الاقتصادية أحادية الجانب، ويكاد يكون من المؤكد أنَّ التقرير سينتقد سياسة العقوبات الأمريكية.
وفي اعتقادي الشخصي، ترغب الصين وروسيا في أن تحتل الأمم المتحدة موقعاً محورياً في النظام العالمي، خصوصاً أنَّ كلا البلدين يتمتع بحق النقض (فيتو) داخل مجلس الأمن وبإمكانهما اعتراض طريق أي إجراء لا يروق لهما من الأمم المتحدة. وتعد سوريا نموذجاً لكيف يمكن لنظام يعمل تحت مظلة الأمم المتحدة إدارة أزمة ما.
استثمارات صينية كبرى في تركيا
كما أحرزت الدبلوماسية الصينية مزيداً من المكاسب بعد الاجتماع مع الجانب الروسي. كان وزير الخارجية الصيني قد وصل إلى أنقرة في 28 مارس/ آذار، وتواترت أنباء عن توجيه استثمارات صينية بقيمة ملياري دولار لمشروع طريق في إسطنبول. جدير بالذكر، في هذا الصدد، أنَّ الصين قدمت تمويلاً بقيمة مليار دولار للاقتصاد التركي غير المستقر خلال عام 2019، ولا تزال تركيا اليوم بحاجة لمزيد من الاستثمار.
وفي الوقت الذي وجهت واشنطن انتقادات إلى انتهاكات الرئيس التركي رجب طيب إردوغان حقوق الإنسان، وهدَّدت أكثر عن مرة بفرض عقوبات، توفر بكين مزيداً من التمويل له.