زلزال سياسي في تونس.. ثورة ثانية تطيح بمنظومتي الحكم والأحزاب
تعكف الدوائرالسياسية والمراكز البحثية العالمية على قراءة رسائل “صندوق الاقتراع”، الذي أحال السياسيين التونسيين للتقاعد، بعد التصويت العقابي الشامل لمنظومتي الحكم والأحزاب، والصعود المفاجئ للتيارين الشعبوي والمحافظ، ممثلين في “سجين، وأستاذ جامعي مغمور”، نبيل القروي، وقيس سعيد، ومرورهما إلى الدور الثاني للانتخابات الرئاسية، محدثين بذلك مفاجأة صادمة لأجزاء كبيرة من الرأي العام، وتسجل تونس، مهد ومنبع «الربيع العربي»، حالة عربية غير مسبوقة.
صاعقة تشطب الطبقة السياسية التونسية
من الواضح أن التونسيين قد فاجأوا المراقبين باختيارهم مرشحين من خارج الأحزاب الرئيسية لخوض جولة الحسم المقررة قبل منتصف الشهر المقبل.
ويرى مراقبون وسياسيون في تونس، أن هذه النتائج تشكل ضربة من الناخبين التونسيين لأحزاب وشخصيات رئيسية شكلت الحياة السياسية في البلاد بعد ثورة العام 2011.
الأمر الذي عبرت عنه صحيفة الشروق التونسية، بأنه «زلزال سياسي»، وأن نتائج الانتخابات الرئاسية أكدت سقوط العائلة الوسطية، بينما ترى صحيفة لوموند الفرنسية، أن النتائج أشبه بصاعقة تشطب الطبقة السياسية التونسية التي بقيت في السلطة منذ ثورة العام 2011.
وهذه النتائج تعتبر بمثابة بداية لمرحلة من الضبابية في هذا البلد الذي كان من البلدان الأوائل التي ضربتها موجة الربيع العربي.
والرؤية الثالثة للنتائج تطرجها الدوائر السياسية العربية، بأن تونس أسست لمبدأ الأحتكام إلى الصندوق في حسم التنافس الحزبي والسياسي، وأن نتائج الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية، شكلت إجماعا وطنيا على دفع البلاد نهائيا إلى إرساء التقاليد الديمقراطية ودخول مرحلة جديدة تقوم على تحقيق أحلام الناس والالتفات إلى قضاياهم الأولوية أي القضايا الاجتماعية والاقتصادية.
ومن أبرز رسائل صناديق الاقتراع.. عقاب الناخبين للمنظومة الحزبية المعارضة البارزة خلال هذه السنوات الأخيرة فلا الجبهة الشعبية، المنقسمة اليوم، ولا الحراك، أو البديل، أو التكتل، أوالتيار الديمقراطين ولا الحزب الدستوري الحر، ولا بقية الأحزاب تمكنت من وضع مرشحيها في مواقع متقدمة إذ لا نجد داخل العشرة الأوائل سوى عبير موسي عن الدستوري الحر في المرتبة الثامنة بـ%5.1 ويليها محمد عبو عن التيار الديمقراطي بـ%4.3 وكأن الناخبين عاقبوا أحزاب الحكم وأحزاب المعارضة كذلك محملين اياها جزءا من الأزمة التي تعيشها البلاد.
وفي المقابل، كان التقدم الكاسح للتيارات الشعبوية وبمختلف مدارسها، إذ نجد 6 مترشحين يمكن وصفهم بالشعبوية من بين العشر الأوائل، بل وحصد مختلف ممثلي التيارات الشعبوية أكثر من نصف الأصوات، بما يفيد بان الناخبين قد سئموا من العروض السياسية التقليدية وانهم يريدون إحداث نقلة جوهرية في الطبقة السياسية وفي مضمون خطابها أيضا -بحسب تقرير صحفي تونسي- ولا تزال تداعيات الزلزال السياسي تفرض نفسها داخل المشهد السياسي التونسي.
الزلزال يضرب «إخوان تونس»
وتعيش حركة النهضة على وقع هزيمة مذلة في الانتخابات الرئاسية في مرحلتها الأولى والتي أجريت الأحد الماضي، وأمام الصدمة التي يعيشها الإخوان في تونس بدأت بوادر التململ والانشقاق تخرج إلى العلن بعد أن كانت مجرد صراعات داخلية لا يراد لها البروز وذلك في إطار ما يسمى بالانضباط الحزبي.
وفي أول رد فعل على الهزيمة التي لم يتقبلها إلى الآن إخوان تونس، قدم زبير الشهودي، مدير مكتب رئيس النهضة السابق، استقالته من الحركة، وذلك في رسالة نشرها في صفحته الرسمية على الفايسبوك، أمس الثلاثاء.
وطالب الشهودي من راشد الغنوشي «تقديم استقالته وملازمة بيته وابعاد صهره وزير الخارجية الأسبق رفيق عبد السلام وكل القيادات الذين دلسوا إرادة كبار الناخبين داخل الحركة في إقصاء مباشر لكل المخالفين في الرأي من نساء وشباب وقيادات تاريخية».
ويرى مراقبون، أن هنالك حديثا في الأوساط المقربة من النهضة عن خيانة للمرشح عبد الفتاح مورو، وأن هناك قيادات فاعلة طالبت القواعد بانتخاب مرشح آخر، ويتردد حديث عن قرارات سيتخذها المرشح لا تستبعد استقالته نهائيا من الحركة.
ومن المنتظر أن تنعكس الخلافات داخل النهضة والتي ظهرت للعلن على نتائج الحركة في الانتخابات التشريعية المقبلة.
المرأة والشباب قلبوا المعادلة السياسية
ومتابعة وتحليل قياسات الرأي العام التونسي، وإعادة قراءة المشهد السياسي قبل وبعد الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية تبدأ بالسؤال: الفائزان في الدور الأول لم يكن لهما أي وجود سياسي منذ أشهر ، فمن أين أتيا بهذه القاعدة الانتخابية؟! ثم..من أي مخزون تمكنا من تحويل وجهة ناخبيهما الجدد؟
الإجابة على السؤال المنطقي والموضوعي، تشير إلى دور المرأة أولا، والشباب ثانيا، في الانحياز لكل من قيس سعيد ونبيل القروي، والأخير تميز بتصويت نسائي لافت، وصوتت له، حسب الاحصاءات والتقارير المحلية التونسية، %20.4 من النساء مقابل %12.4 من الرجال، و22% من النساء صوتن للمرشح قيس سعيد مقابل 18% من الرجال.
والشريحة الثانية من الناخبين التي منحت أصواتها لهما هي من الشباب، فقد كان التصويت المكثف للشباب لصالح قيس سعيد، وأوضح تقرير إعلامي تونسي، أن الشباب ما بين 18 و25 سنة صوت لقيس سعيد 37% منهم، بينما لم ينل القروي من هذه الشريحة سوى 8.7% ويواصل قيس سعيد التقدم في شريحة 26 – 45 سنة بـ%20.3 مقابل %13.3 لنبيل القروي.
وكان الفرق واضح في المستوى المعرفي للناخبين، فبينما حصد القروي اهم نجاحاته عند الأميين بنسبة (%40.8) وذوي المستوى الابتدائي (%29.1)، نجد أن قيس سعيد حقق أفضل نتائجه عن أصحاب مستوى التعليم الثانوي بـ%20.6 والتعليم العالي بـ%24.7.
«جنوب تونس».. نقاط ضعف قيس والقروي
وكان واضحا أيضا، أن القاعدة الانتخابية لقيس سعيد (32.9%) لم يكونوا مسجلين في 2014 أي أن كلهم من الشباب الذي صوت لأول مرة أو ربما لثاني مرة في حياته باحتساب انتخابات بلديات 2018.
وكان للمناطق الجهوية تأثير كبير، حيث تمتع كل من القروي وسعيد بنسبة تصويت عالية في الشمال الشرقي والشمال الغربي لتونس، ولم يحظيا بنسبة مرتفعة في جنوب تونس، حيث كانت نقاط قوة سعيد تكمن في الشمال الغربي (باجة وسليانة وجندوبة والكاف) بـ25%، وكذلك بالشمال الشرقي (بنزرت وزغوان ونابل ) بـ23%، بينما تكون نقطة ضعفه السياسية في الجنوب الغربي (قفصة وتوزر وقبلي )بـ11.7%، أما نبيل القروي فحقق أفضل نتائجه كذلك في نفس المناطق: 24.9% في الشمال الغربي و20.1% في الشمال الشرقي وتكون نقطة ضعفه الأساسية في الجنوب الشرقي (قابس ومدنين وتطاوين ) بـ%8.
استقطاب متعدد الأبعاد
وتبقى ملاحظات ذات معنى ومغزى، أولهما أن الفائزين في الدور الأول لم يتحصلا إلا على حوالي ثلث أصوات الناخبين، بما يعني أن ثلثي الناخبين ليسو معهما، ربما بسبب حالة من الاستقطاب متعدد الأبعاد، فلم يعد الخوف من الإسلام السياسي أو الدفاع عنه المحور المهيمن للحياة السياسية، وإنما سيطرت القضايا الاقتصادية والاجتماعية وأزمات الحياة المعيشية للمواطنين، وهو عكس الانتخابات الرئاسية السابقة في العام 2014، حيث حصل الفائزان في الدور الأول ـ وكانا وقتئذ الفقيد الباجي قائد السبسي والمنصف المرزوقي ـ على حوالي ثلاثة أرباع أصوات الناخبين، وكان الاستقطاب في هذه الحالة ثنائيا وحادا بين حزب نداء تونس وحركة النهضة الإسلامية.
هزيمة نكراء لمنظومة الحكم
الملاحظة الثانية، أن منظومة الحكم بكل ممثليها، رئيس الحكومة يوسف الشاهد، ورئيس البرلمان بالنيابة عبد الفتاح مورو، ووزير الدفاع عبد الكريم الزبيدي، منوا بهزيمة نكراء في هذه الانتخابات.
وكذلك الشخصيات الحزبية، وكما أن حركة النهضة الإسلامية «إخوان توس»، قد منيت بدورها بهزيمة قوية إذ وجدت مرشحها خارج السباق النهائي وبأضعف نسبة وطنية حصلت عليها منذ بداية الثورة، ورغم أن الأحزاب تمتلك آلات سياسية ضخمة ولكنها لم تتمكن من تحويل التسجيل إلى تصويت.
تسونامي سياسي مرتقب
الملاحظة الثالثة، وتأتي بصيغة تساؤلات من صحيفة المغرب التونسية: في حال فوز نبيل القروي بالرئاسة وهو في السجن كيف ستتصرف مختلف مؤسسات الدولة؟ هل سيسمح له بأداء اليمين؟ وهل سيعلن رئيسا جديدا للبلاد وهو في حالة إيقاف؟ أسئلة كثيرة لا نملك أجوبتها اليوم ولكن الأكيد أن هذا التسونامي المرتقب سيغير المشهد السياسي ووجه تونس في الداخل والخارج رأسا على عقب، نحن أمام مرحلة انتقالية ثانية بدأت أكثر راديكالية مما كنا نعتقد، مرحلة لا نتوقع أن تتقلص فيها المخاطر أو أن تجد فيها البلاد بداية المخرج من أزماتها المتعددة، لقد نطق الصندوق، أو يكاد، والآن لا ندري في أي مرمى ستكون كل هذه الكرات المتعددة؟!
وبقي التساؤل الأخير، على هامش هزيمة منظومتي الحكم والأحزاب: هل ستتمكن الأحزاب من تدارك نسبي لأمرها في الانتخابات التشريعية المقبلة أم أن عملية العقاب هذه ستتواصل لكي تغير التوازنات السياسية رأسا على عقب؟!
مصير القروي
وبعد الإعلان الرسمي عن نتائج الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية التونسية مساء أمس الثلاثاء، وتأكد تأهل نبيل القروى للجولة الثانية أمام رجل القانون الدستورى قيس سعيد، قال محمد المنصرى، عضو الهيئة العليا للانتخابات إنه «لا يوجد حتى الآن أي موانع قانونية لترشح القروى أو استكماله السباق الرئاسي في دوره الثاني، وأن ترشح القروى وفوزه حق يكفله القانون، فالعقوبة الموقعة بحقه لا تعتبر مانعاً للترشح ما لم يكن هناك حكماً باتاً ونهائيا ويفوق 10 سنوات سجن.
وتابع: القروى على ذمة السلطة القضائية حاليا وفى حالة فوزه بالجولة الثانية، ستعلن هيئة الانتخابات ذلك وترسل قرار فوزه النهائي إلى مجلس نواب الشعب لتصبح المسألة بين السلطة التشريعية وتلك القضائية لتبت فى مصيره.