قال السفير الأمريكي السابق لدى العراق زلماي زاده، إن على الرئيس دونالد ترامب ألا يتجاهل الوضع الاقتصادي المتدهور في إيران، وعليه أن يدمج هذا الموضوع ضمن استراتيجيته ضد طهران، مشدداً على أن مزيداً من الضغوط الاقتصادية يمكن أن يؤدي إلى انهيار النظام.
وتابع زاده في مقال له بصحيفة “الواشنطن بوست“، أن العملة الإيرانية خسرت 25% من قيمتها مقابل الدولار خلال الأسابيع القليلة الماضية، وقبل أسبوعين قررت طهران تحديد سعر صرف رسمي قدره 42 ألف ريال للدولار، ولكن من غير المرجح أن تنجح هذه الخطوة، بالنظر إلى أن سعر الصرف في السوق يصل إلى 60 ألف ريال، أي أقل بنسبة 43%، فضلاً عن الارتفاع الكبير بمستوى التضخم.
ويرى السفير الأمريكي السابق أن الإيرانيين يكافحون أيضاً للتعامل مع أزمة ائتمانية حادة، فقد أفلست العديد من المؤسسات المالية وحرمت المودعين من مدخراتهم، خاصة أن المغتربين الذين عادوا إلى بلادهم بعد توقيع الاتفاق النووي جلبوا معهم مبالغ كبيرة، متفائلين بمستقبل أفضل، وهو أمل سرعان ما تبدد وتبددت معه أموالهم التي وضعوها في البنوك.
إلى جانب هذا الوضع الاقتصادي المتردي، هناك حالة من عدم اليقين بالمستقبل، أدت إلى هروب رؤوس الأموال، وانخفاض الاستثمار، وارتفاع معدلات البطالة، حيث يتوقع صندوق النقد الدولي أن يبقى معدل البطالة بإيران عند نسبة 11%.
وبحسب زاده، فإن هناك مشكلتين تسببان هذا الانخفاض الاقتصادي؛ الأولى تتمثل في سوء الإدارة والفساد المنتشرين على نطاق واسع؛ ففيلق القدس الإيراني يسيطر على الصناعات والأعمال الرئيسة، ومن بين المليارات التي حصلت عليها إيران بعد تخفيف العقوبات عقب الاتفاق النووي، حصل الحرس الثوري على نسبة كبيرة من تلك الأموال من خلال حساباته المصرفية بالخارج.
أما المشكلة الثانية، فهي أن الاقتصاد في إيران يعاني إثر إهدار المليارات من الأموال على تصدير الثورة الذي انتهجه النظام، كدعم وكلائه بالمنطقة، كما حصل مع رئيس النظام في سوريا بشار الأسد.
لقد أدت التهديدات الأخيرة التي أطلقها ترامب ضد الاتفاق النووي إلى تفاقم الوضع الاقتصادي؛ إذ تسببت في حالة إحباط بين المستثمرين الأجانب، وانسحاب العديد منهم.
ويرى السفير الأمريكي السابق أنه من غير المرجح أن يدعم الشركاء الأوروبيون فرض عقوبات اقتصادية جديدة على إيران، كما يرغب ترامب، أو أن يتم تعديل الاتفاق، ولكن حتى مع فرض عقوبات أمريكية أحادية، فإنها ستكون مؤثرة وقد ينزلق الاقتصاد الإيراني نحو الركود التضخمي.
هذه الصورة الاقتصادية السيئة في إيران يمكن أن تؤدي إلى حالة عدم استقرار سياسي، فالإصلاحيون فشلوا حتى الآن في تقديم نموذج لإصلاح الاقتصاد، كما فشل المعتدلون داخل الحكومة في ذلك، في حين فقد الشعب الإيراني الثقة بقدرة النظام على معالجة المشاكل الاقتصادية، يصاحب ذلك عداء متنامٍ للسلطة الدينية بالبلاد، وصل لحد إهانة رجال الدين في الشوارع وتمزيق صورهم، بحسب زاده.
وعلى الرغم من أن فرصة عدم الاستقرار قائمة وبدرجة عالية، فإن النظام في إيران مرن، كما يقول زاده، ولكنه أيضاً قد يلجأ إلى القوة في مواجهة شعبه، وهو ما أكده المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي، الذي دعا إلى استخدامها ضد المتظاهرين.
إن استمرار الأزمة الاقتصادية قد يؤدي إلى تآكل النظام وفقدانه الدعم حتى من قِبل أنصاره الرئيسين، بحسب زاده، مثل قوة الباسيج شبه العسكرية، وهي القوة التي تنتمي إلى جيل الحرب بين إيران والعراق، وهذا السيناريو يمكن أن يؤثر على قدرة النظام على قمع المعارضة.
ويعتقد زاده أن إدارة ترامب يمكن أن تُبقي على الاتفاق النووي مع إيران، ولكن من شأن ذلك أن يُفقدها فرصة الاستفادة من التهديد بفرض عقوبات جديدة، وما تفعله تلك التهديدات من تأثيرات على الاقتصاد الإيراني، المتداعي أصلاً.
أما الخيار الثاني، بحسب زاده، فهو يتمثل في تنويع نطاق عدم اليقين بالتزام إيران بالاتفاق النووي حتى بعد موعد مايو المقبل، الموعد المحدد للبتِّ في موضوع الاتفاق من طرف واشنطن، وهنا يمكن أن يكون هذا السلاح مدمراً ومؤثراً جداً.
الخيار الثالث من وجهة نظر زاده الذي يمكن أن تلجأ له إدارة ترامب، هو الانسحاب من الصفقة النووية، وهذا سيعطي أمريكا فرصة كبيرة لفرض قيود جديدة على إيران واستغلال وضعها الاقتصادي والسياسي لتحقيق أثر أكبر، وهذا الانسحاب يجب أن يكون جزءاً من استراتيجية شاملة لاحتواء طهران، كما أنه يجب أن يتضمن عقوبات مالية قاسية، من ضمنها تقييد نظام المعاملات المالية، والحفاظ على نوع من التوازن بين طهران وخصومها العرب.