سائد كراجة يكتب: في اغتيال ناهض
يرى الكاتب الصحفي سائد كراجة، أن اغتيال ناهض لم يكن دفاعا عن الله، ولم يكن نصرة لدين أو كتاب، بل كان قتل ناهض همجية فئة ليست بجديدة، فئة وجدت في جميع الأديان حاربت الرأي بالقتل والخنجر والسم والحرق لأصحاب الرأي وكتبهم وآرائهم، فئة ضعف منطقها، وتعنصر تدينها، ونكصت لجاهلية تعبد فهمًا “خوارجيا” للأديان يقيم التكفير مشنقة للناس، والأديان والموحدون منهم برآء.
وقال كراجة، في مقال المنشور بصحيفة الغد الأردنية، إن لا يجوز للدولة الأردنية أن تتوقف عن تنفيذ القانون لأي اعتبارات سياسية أو ظرفية، ذلك أن التصدي لحملات الكراهية –من أي جهة كانت- يجب أن يتم بموجب أحكام القانون من خلال القضاء الأردني النزيه، وهو ضرورة ملحة وخاصة في مثل هذه الظروف.
نص المقال:
أيلول أكثر سوادا، ولعلها أحداث “سبتمبر” أردنية، فقبل تشييع جثمان ناهض حتر، شيع كثير من الأردنيين هذا التباهي الدائم بالأمن والأمان وذلك الإحساس العميق بعقلانية المجتمع الأردني، شيع الأردن الكثير من الذكريات والأمثلة الحية عن التآخي المسيحي الإسلامي، إذ استبدلت تلك الأمثلة على وسائل التواصل “الانفعالي” بمنشورات عنصرية تملؤها عصبية موتورة، منشورات من الواضح انها لا تحمل من قيم الأديان السماوية شيئا، فلا تسامح ولا أدب في الحوار ولا عقل ولا حكمة، بل جموع موتورة حولت الفضاء الافتراضي إلى فضاء مقزز يرشح قيئا للكراهية واستعداء للآخر.
لم يكن اغتيال ناهض دفاعا عن الله، وهو-عز وجل -الغني عن العباد، الأول والأكثر تسامحا وغفرانا لكل من يسيء اليه، ولم يكن نصرة لدين أو كتاب، وهو من يقول في محكم قرآنه العظيم: “وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ….” صدق الله العظيم.
بل كان قتل ناهض همجية فئة ليست بجديدة، فئة وجدت في جميع الأديان حاربت الرأي بالقتل والخنجر والسم والحرق لأصحاب الرأي وكتبهم وآرائهم، فئة ضعف منطقها، وتعنصر تدينها، ونكصت لجاهلية تعبد فهمًا “خوارجيا” للأديان يقيم التكفير مشنقة للناس، والأديان والموحدون منهم برآء.
لم يقتل ناهض لأنه مسيحي، فقد كان من الممكن أن يكون أي مسلم أو عالم دين مسلم، وشواهد التاريخ على ذلك كثيرة ومن يفهم الموضوع على أنه اعتداء على مسيحي فهو ينزلق لمنطق الظلاميين الذين اتخذوا من تقسيم المجتمع والمواطنين منهجا لهدم الأوطان وتشريد العباد ولنا في العراق وسورية واليمن وليبيا أمثلة مؤلمة شاهدة على ذلك.
قتل ناهض على أعتاب قصر العدل وهو يهم بالمثول أمام القضاء ليحاكم عّما أسند اليه هو اعتداء مبين على مفهوم الدولة وسيادة القانون، وهو مصادرة لدور القضاء في إصدار الاحكام وإيقاع العقوبات، هذا الدور الذي هو حكر للسلطة القضائية دون غيرها وهو الأهم والفيصل في أمان المجتمع ومدنيته ومنع الفوضى وحكم الغاب.
ناهض حتر كان كاتبا وسياسيا خلافيا، وقد اختلف معه الكثيرون وأنا منهم، وخاصة لجهة تأييده للنظام الفاشي في سورية، أقول نعم نختلف معه، ولكن كمواطن أردني نقف مع حقه في الحياة والتعبير عن رأيه السلمي مهما اختلفنا معه، خاصة أنه لم يكن خارج طائلة القانون إن أساء أو أخطأ، ولهذا فإن تقييم ناهض حتر السياسي والكاتب لا معنى له اليوم أمام واقعة اغتياله غيلة وغدرا بتطاول مقلق على سيادة القانون، هذا التطاول الذي لا يليق بِنَا في الاْردن لا دولة ولا شعبا، فإن الدولة الأردنية لم تكن يوما دموية مع معارضيها ولم تصل ملاحقتهم إلى حد السحل والقتل والملاحقة خارج نطاق القانون، وهي بهذا لا تقارن بالأنظمة المحيطة التي اتخذت من قتل وتغييب الناس في السجون دون محاكمة أسلوبا لها لتعزيز حكمها الدكتاتوري.
ومن جانب آخر لا يجوز للدولة الاردنية أن تتوقف عن تنفيذ القانون لأي اعتبارات سياسية أو ظرفية، ذلك أن التصدي لحملات الكراهية –من أي جهة كانت -يجب أن يتم بموجب أحكام القانون من خلال القضاء الأردني النزيه، وهو ضرورة ملحة وخاصة في مثل هذه الظروف.
الشعوب المتحضرة تحول مآسيها إلى إنجازات لذا يجب أن يكون ردنا واستنكارنا الفعلي لاغتيال ناهض حتر”أبو المنتصر بالله” هو بالعمل على تفعيل القوانين الحاسمة التي تحارب خطاب الكراهية والعنصرية والتمييز بين المواطنين وتمنع الترهيب والتكفير، هذه القوانين التي تطبق بموجب قضاء فعال عاجل ونزيه.
نتقدم بالتعازي لنجلي الفقيد (المعتز بالله والمعتصم بالله ولزوجته الفاضلة وأهله) ونطلب إليهم أن يتمسكوا بالقانون العادل، فإن قضية ناهض ليست قضية دين أو منطقة او بلدة بل هي قضية مواطن في دولة القانون وتكريس الدولة المدنية.