استيقظ العالم، الأحد، على مجزرة مروعة في سريلانكا صباح عيد الفصح، راح ضحيتها 207 أشخاص، على الأقل، بالإضافة إلى جرح أكثر من 450 آخرين، بينهم 35 أجنبيا في 8 اعتداءات استهدفت كنائس وفنادق فخمة.
واستهدفت الاعتداءات قداديس أقيمت في الكنائس بمناسة عيد الفصح، وقال الناطق باسم الشرطة في سريلانكا، إن هذه الحصيلة تأخذ في الاعتبار ضحايا الانفجارات الثمانية، التي وقعت في الجزيرة، ويعتقد أن انتحاريين نفذوا اثنين من الاعتداءات.
وجهة سياحية
وتعد العاصمة السريلانكية كولومبو وجهة مهمة للسياح الأجانب، ووقعت 6 من الانفجارات في الصباح، بينما وقع انفجاران بعد الظهر.
وذكرت الشرطة، أن بين القتلى 35 أجنبيا، على الأقل، بينهم بريطانيون وهولنديون وبرتغاليون وصينيون وأمريكيون.
ودان رئيس الوزراء السريلانكي، رانيل ويكريميسينغه، “الهجمات الجبانة”، ودعا البلاد إلى “الوحدة”، ودعا أسقف كولومبو من جهته، إلى معاقبة المسؤولين عن الهجمات “بلا شفقة”.
محاولة منسقة
في كولومبو استهدفت التفجيرات ثلاثة فنادق فخمة مطلة على البحر وكنيسة، ما أدى إلى مقتل 64 شخصا على الأقل، كما كان ذكر مصدر في الشرطة في وقت سابق.
وفي بلدة نيغومبو الواقعة في شمال كولومبو، قتل 67 شخصا في كنيسة سان سيباستيان و25 آخرون في كنيسة باتيكالوا المدينة الواقع بشرق البلاد، بسحب المصدر.
وبعد ساعات، وقع انفجاران آخران في ضاحيني ديهيوالا، حيث قتل شخصان على الأقل في انفجار في فندق رابع، وفي أوروغوداواتا قام انتحاري بتفجير نفسه ما أدى إلى مقتل ثلاثة شرطيين، خلال عملية بحث في منزل.
اعتقال 8 أشخاص
وبالرغم من عدم إعلان أي جهة مسؤوليتها عن الهجمات، إلا أن الحكومة اعتقلت 8 أشخاص، وقالت إنه يجرى تحقيق في ما إذا كانت لهم “علاقات خارجية”.
وأعلنت السلطات السريلانكية منعا للتجول فورا، وتعطيل شبكات التواصل الاجتماعي، لمنع نشر “أنباء غير صحيحة وكاذبة” بعد التفجيرات، في البلد الذي يعد سكانه 21 مليون نسمة.
وهذه الاعتداءات هي الأعنف في سريلانكا البلاد منذ انتهاء الحرب الأهلية قبل 10 سنوات.
جماعة التوحيد الوطني
وكان قائد الشرطة الوطنية، بوجوث جاياسوندارا، حذر قبل 10 أيام من أن حركة إسلامية تدعى “جماعة التوحيد الوطني” تخطط “لهجمات انتحارية على كنائس مهمة وعلى المفوضية العليا الهندية”.
وكانت هذه الجماعة عرفت العام الماضي بسبب أعمال تخريب طالت تماثيل بوذية.
وفي وقت لاحق، الأحد، أقر ويكريميسينغه بوجود “معلومات” عن هجمات محتملة، وأنه “يجب أن نحقق كذلك في سبب عدم اتخاذ احتياطات كافية”، إلا أنه أكد أن أولوية الحكومة الأولى ستكون “اعتقال الإرهابيين”.
وتابع “أولا وقبل كل شيء علينا أن نضمن أن لا يرفع الإرهاب رأسه في سريلانكا”.
أقلية كاثوليكية
وتضم سريلانكا، ذات الغالبية البوذية، أقلية كاثوليكية من 1,2 مليون شخص من أصل عدد إجمالي للسكان قدره 21 مليون نسمة، ويشكل البوذيون 70% من سكان سريلانكا، إلى جانب 12% من الهندوس و10% من المسلمين و7% من المسيحيين.
ويعتبر الكاثوليك بمثابة قوة موحدة في هذا البلد إذ يتوزعون بين التاميل والغالبية السنهالية.
غير أن بعض المسيحيين يواجهون عداء لدعمهم تحقيقات خارجية حول الجرائم، التي ارتكبها الجيش السريلانكي بحق التاميل خلال الحرب الأهلية التي انتهت عام 2009.
وأوقع النزاع الذي استمر بين 1972 و2009 بين 80 ألفا ومئة ألف قتيل، بحسب الأمم المتحدة.
مقتل العديد من الأمريكيين
أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية، الأحد، أن العديد من المواطنين الأمريكيين قتلوا في اعتداءات سريلانكا، بدون تحديد عددهم.
وقال وزير الخارجية، مايك بومبيو، في بيان، “نؤكد أن العديد من المواطنين الأمريكيين بين القتلى”.
وأضاف بومبيو، أن “الولايات المتحدة تدين بشدة الاعتداءات الإرهابية في سريلانكا صباح الفصح”، معتبرا أن هذه الاعتداءات “تظهر مجددا الطبيعة الوحشية للإرهابيين المتطرفين، الذين يريدون فقط تهديد السلام والأمن”.
وأكدت المتحدثة باسم البيت الأبيض، في بيان، دعم واشنطن للحكومة السريلانكية في ملاحقة “منفذي هذه الأفعال المشينة”.
موجة استنكار
وأثارت الاعتداءات موجة استنكار في العالم، حيث عبر البابا فرنسيس عن “حزنه” بعد هذه “الاعتداءات الخطيرة”، التي “سببت اليوم بالتحديد، عيد الفصح، الحزن والألم لكثير من الكنائس وأماكن التجمعات في سريلانكا”، مؤكدا “قربه وتعاطفه مع المسيحيين الذين اصيبوا بينما كانوا يتأملون ويصلون، وكل ضحايا مثل هذا العنف الوحشي”.
كما ندد الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بالاعتداءات “الإرهابية المروعة على الكنائس والفنادق”، وأعرب عن “تعازيه القلبية الحارة” لشعب سريلانكا، مؤكدا “نحن على استعداد للمساعدة:.
وكذلك ذكر الأامين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش، بـ”الطابع المقدس لكل أمكنة العبادة، وأمل باحالة مرتكبي هذه الأفعال سريعا على القضاء”.
وعبر رئيس المفوضية الأوروبية، جان كلود يونكر، عن شعوره بـ”الحزن” بعد الاعتداءات التي “كلفت هذا العدد من الناس حياتهم”، مؤكدا أن الاتحاد الأوروبي “مستعد لتقديم دعمه” لكولومبو.
ومن جانبها، دانت تيريزا ماي، رئيسة وزراء بريطانيا، التي استعمرت سريلانكا من 1796 إلى 1948، الاعتداءات التي وصفتها بأنها “أعمال عنف مروعة”، وقالت “علينا أن نتوحد للعمل على ألا يمارس أي شخص عقيدته بخوف”، معبرة عن “تعازيها الحارة” لـ”كل الأشخاص المتضررين”.
وأكد وزير الخارجية البريطاني، جيريمي هانت، أنه شعر “بصدمة عميقة وبالحزن من هذه الهجمات الرهيبة، التي ارتكبت اليوم ضد كنائس وفنادق في سريلانكا”.
وقالت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، إن “الكراهية الدينية والتعصب اللذين ظهرا بطريقة فظيعة اليوم يجب ألا ينتصرا”، وأعربت عن أسفها لأن “الناس الذين تجمعوا للاحتفال بعيد الفصح كانوا مستهدفين عمداً”.
ودان الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، “بشدة” “الأعمال الشنيعة” و”الهجمات الإرهابية” في سريلانكا، وكتب على تويتر “حزن عميق بعد الهجمات الإرهابية على الكنائس والفنادق في سريلانكا، ندين بشدة هذه الأعمال الشنيعة، تضامننا مع الشعب السريلانكي وأفكارنا مع جميع أقارب الضحايا في يوم عيد الفصح”.
وقال الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إنه يتوقع أن “يعاقب” المسؤولون عن “جريمة بهذه الوحشية والكراهية ارتكبت في أوج احتفالات بعيد الفصح، بما يستحقونه” وإنه “يؤكد مجددا أن روسيا كانت وستبقى شريكا موثوقا لسريلانكا لمكافحة تهديد الإرهاب الدولي”.
من جهتها، أعربت كنائس الأراضي المقدسة عن تضامنها مع سريلانكا، وإفاد بيان صادر في القدس “نعبر عن تضامننا مع سريلانكا وجميع سكانها بمختلف مشاربهم الدينية والعرقية، ونصلي من أجل أرواح الضحايا نطلب الشفاء العاجل للمصابين، ونطلب من الله أن يلهم الإرهابيين كي يتوبوا عن القتل والترهيب”.
كما دان الأزهر الشريف الاعتداءات، وقال أحمد الطيب شيخ الأزهر، “لا أتصور آدميا قد يستهدف الآمنين يوم عيدهم”.
تاريخ طويل مع العنف
وللعنف تاريخ طويل في سريلانكا، التي شهدت حربا أهلية استمرت ما يقارب 30 عاما، ثم دخلت في مرحلة هدوء نسبي لمدة عقد كامل، إلى أن جاءت مجزرة أحد السعف.
وتأتي تفجيرات الأحد بعد نحو 10 أعوام من انتهاء الحرب الأهلية، التي خاضت خلالها البلاد حربًا دامت عقودًا مع الحركة الانفصالية السريلانكية (نمور التاميل)، إلى أن تمكّنت الحكومة من القضاء على الحركة وقتل قائدها في مايو 2009.
وحصلت سريلانكا على استقلالها من الحكم البريطاني في العام 1948، وأصبحت جمهورية تحمل الاسم الحالي في العام 1972، لكن يمتلئ تاريخها عن أخره بالنزاعات الطائفية، والصراعات المسلحة.
وبالرغم من الأغلبية الكبيرة للبوذيين، فإن طائفة “القوميين البوذيين السنهاليين”، انتابتهم مخاوف في الثمانينات، من أن مجموعات الأقليات، وخاصة المسلمين، تتزايد أعدادهم ونفوذهم، ما أدى احتقان ومناوشات متباعدة بين الحين والأخر بين أكثر من طائفة.
كما عانت سريلانكا من النزاعات الطائفية، التي كان أبرزها الصراع الدائر بين جماعة “نمور التاميل” والبوذيين السنهاليين.
وجماعة “نمور التاميل” ينتمون للأقلية الهندوسية، الذين سلبت حقوقهم على أيدي البوذيين السنهاليين، ذات الأغلبية الحاكمة، ما أدى إلى حرب أهلية طاحنة في الثمانينات.
وجماعة نمور التاميل شنت هجمات مميتة، كانت أغلبها “انتحارية” على بعض مواقع الجيش السريلانكي، الذي رد بتنفيذ حملات مداهمة وحشية تركز إلى حد كبير على اعتقال التاميل في الشمال الشرقي.
وانتهت الحرب الأهلية في العام 2009، بعد عملية واسعة النطاق شنها الجيش هزمت فيها نمور التاميل وقتلت قائدها.
الجماعات الدينية المسلحة؟
وليس لسريلانكا تاريخ مع الجماعات الدينية المسلحة، لكن في عام 2016 كشفت السلطات، أن 32 شخصا من المسلمين غادروا البلاد للانضمام إلى تنظيم داعش، لكن قادة المجتمع الإسلامي في سريلانكا نفوا الأمر واتهموا الحكومة بتشويه صورة المسلمين في البلاد.
وتفيد تقارير صحفية بوجود علاقة بين أعضاء داعش في الهند وبين عناصر إرهابية في سريلانكا، وتزايدت المخاوف من ازدياد نشاط العناصر المتطرفة في سريلانكا عقب هزيمة تنظيم داعش في العراق وسوريا، وعودة مقاتلي التنظيم إلى بلادهم الأصلية.
وتعد سريلانكا، إحدى دول جنوب آسيا، حيث تقع فى جنوب شبه جزيرة القارة الهندية، وكان موقعها الاستراتيجي السبب الرئيسي في الدور الهام خلال فترة طريق الحرير، وحتى الحرب العالمية الثانية، حيث استخدمها قوات الحلفاء كقاعدة عسكرية لهم، لمجابهة اليابان، والتي كانت أحد أهم أعضاء قوات المحور.
وتعامل العرب مع سريلانكا بصورة مباشرة عبر التجارة، حيث كانوا على صلة بالمنطقة حتى قبل ظهور الإسلام، وكانوا يسمونها سرنديب، التي تعني جزيرة السكنى بين الأسود.
وتشتهر الجزيرة بإنتاج وتصدير الشاي والبن والمطاط وجوز الهند، إلا أنها انتقلت إلى الاقتصاد الصناعي الحديث، حيث يتمتع سكانها بأعلى معدل دخل للفرد في منطقة جنوب آسيا.
تشتهر سريلانكا بجمال طبيعتها المتمثل في الغابات الاستوائية والشواطئ والمناظر الطبيعية وبتنوعها الحيوي، فضلا عن التراث الثقافي الثري، الذي جعلها مقصدا سياحيا عالميا شهيرا.