سمير التقي يكتب: ما بين ترامب وبايدن

سمير التقي

ما الذي قد يعنيه انتخاب بايدن أو إعادة انتخاب ترامب بالنسبة لسياسات الخارجية والدفاع الأمريكية؟

ما نحتاجه هو منهج تحليلي نزيه ومحاولة لصياغة رؤية بعيدا عن التوترات والحماس الحالي لكل من الطرفين. وللإجابة عن هذا السؤال للتعامل لابد أن نعود لبعض المؤشرات التاريخية لنكشف بعض المبادئ الحاكمة.

المبدأ الأول: هو أن الرئاسات غالباً ما تفاجئنا وتتحدى التوقعات. قد يعتمد الرئيس مسارا معينا سواءً خلال حملته الانتخابية أو تجاربه ووظائفه السابقة، ولكن بمجرد تولي المنصب، يميل الرئيس إلى أن يكون مختلفاً جدياً عن مساراته السابقة.

ثمة مثال معروف في هذا السياق والمتمثل في ذهاب الرئيس نيكسون إلى الصين. جعل نيكسون من عدائه للشيوعية هويته الطاغية كنائب للرئيس ومن ثم كمرشح. لكن سرعان ما فاجأ العالم، وفاجأ قبل ذلك المجتمع الأمريكي، بالذهاب إلى الصين في عام 1977، وحقق بذلك فتحاً استراتيجياً كبيرا ضد الخصم الشيوعي الرئيسي الا وهو الاتحاد السوفيتي.

المثل الآخر هو رونالد ريغان الذي كان متشددا بشكل كبير إزاء الاتحاد السوفيتي، ودعم بقوة الحشد العسكري النووي الصاروخي الأمريكي ضد الاتحاد السوفيتي، ولكن سرعان ما تفاجأ الكثيرون عندما صادق، في عام 1987 مع جورباتشوف، على معاهدة الحد من القوات النووية متوسطة المدى التي حظرت فئة كاملة من السلاح النووي. كما فاجأ ريغان الكثيرين مؤخرا حين قارن باراك أوباما كعضو في مجلس الشيوخ وكمرشح رئاسي بنفسه حين كان في الكونغرس.

بدوره فاجأ أوباما الكثيرين بتكريسه للتدخل الخفي عبر المُسيرات كبديل لمناطق الحظر الجوي.

وإذا عدنا أبعد للخلف سنجد أن العديد من الأمثلة. في الانتخابات الرئاسية عام 1916 عندما كان الرئيس وودور ويلسون يترشح لإعادة انتخابه، وكان برنامجه الرئيسي في عام 1916 هو “إنني أبقيت أمريكا خارج الحرب العالمية التي كانت مستعرة لمدة عامين ونصف العام في أوروبا”. في ذلك الوقت، كان ويلسون يتماشى مع الرأي العام الأمريكي المتمسك بإبقاء أمريكا خارج الحرب، وقال: “لقد حان الوقت لإعادة انتخابي وسأواصل إبعادنا عن الحرب”. وبعد ذلك ببضعة أشهر فقط من أداء اليمين، وبسبب التصعيد الألماني يشن حرب الغواصات المفتوحة ضد السفن التجارية الأمريكية التي تنقل العتاد للحلفاء، سرعان ما تراجع ويلسون وأدخل أمريكا في الحرب.

وفي سبعينيات القرن الماضي، تولى جيمي كارتر منصبه باحثًا عن بعض الخطط التصالحية مع الاتحاد السوفيتي، وعمل على إنجاز بعض صفقات الحد من الأسلحة بهدف تخفيض التوتر معه. ثم بعد الغزو السوفيتي لأفغانستان عام 1979، عكس مساره حيث أطلق برنامجا طموحا جدا لتعزيز القدرات الدفاعية كما دعم العمل السري لدعم المجاهدين ضد السوفييت.

حين ترشح جورج دبليو بوش لمنصب الرئاسة في عام 2000 ووعد بالذهاب إلى سياسة خارجية أكثر تواضعًا، بعيدا عن الشرق الأوسط، وعدم المغامرة في محاولة “بناء الدول”، ثم جاء 11 سبتمبر وكان عليه أن يقفز إلى الجانب الآخر.

 

المبدأ الثاني: في بعض الأحيان، قد ينتقد المرشح الجديد سياسات الرئيس الراهن، ثم، بعد فوزه، سرعان ما يبدل موقفه بحيث يستفيد من المواقف التي انتقدها وذلك بمجرد توليه المنصب.

التزم ريغان كمرشح رئاسي في أواخر السبعينيات بتحدي موافقة جيمي كارتر على معاهدة قناة بنما والتي أعاد فيها السيادة لبنما على القناة. لكن بمجرد توليه المنصب قام ريغان بعكس الوضع واستفاد من موقف كارتر لتحسين العلاقات الأمريكية مع أمريكا اللاتينية.

ومن الأمثلة المماثلة عام 1979 عندما أنهى كارتر الاعتراف الدبلوماسي الأمريكي بتايوان وحول الاعتراف الدبلوماسي إلى الصين، كان لدى المرشح ريغان وجهة نظر نقدية شديدة للغاية، ولكن بمجرد أن أصبح رئيسًا سرعان ما انقلب على موقفه ذاته وشرع في بناء شراكة قوية جدًا مع الصين تستند إلى حد كبير إلى المصلحة الاستراتيجية المشتركة في مواجهة الاتحاد السوفيتي على حساب تايوان.

وبالمثل، انتقد بايدن قرار ترامب الانسحاب من الاتفاقات النووية للأسلحة متوسطة المدى، لكنه.. إن نجح، فمن المؤكد أنه سيتصرف من خلال الاستفادة الفعلية مما قام به ترامب بهدف ضمان تفوق الولايات المتحدة التي تحتاج إلى البدء في إعادة تطوير صواريخ نووية متوسطة المدى لنشرها في بلدان الناتو كجزء من عملية الردع المتصاعدة مع روسيا.

 المبدأ الثالث: يتعلق بمحاولة إلقاء نظرة عامة على السياسة الخارجية الأمريكية على مدى السنوات الـ 75 الماضية. نستطيع هنا أن نؤكد أن الاستمرارية وليس التغيير هي الطابع الرئيسي للسياسة الخارجية الأمريكية المستندة إلى مبادئ وهياكل بيروقراطية راسخة.

إذًا، نحن بحاجة إلى وضع هذه المنطلقات الأساسية بعين الاعتبار بسبب حقيقة أن جوهر السياسة الأمريكية تصنعه المؤسسات العديدة المتشاركة في صناعة القرار. نحن مثلا لا نتوقع علي الإطلاق أن يعيد بايدن السفارة الأمريكية في إسرائيل إلى تل أبيب، رغم أنه انتقد ترامب على ذلك. كما كان بايدن ينتقد عملية قتل قاسم سليماني لكننا نتوقع أن بايدن سيحاول البناء على ما تم إنجازه على عدة مستويات فيما لو نجح.

تبقى الرئاسة مهمة بالتأكيد في صناعة القرار. بل يمكن أن يكون للرؤساء تأثير كبير على تجليات هذه السياسة الخارجية ولكنهم يرثون أيضًا مجموعة من الهياكل والقيود والثقافة والأدوات.

يمكننا في هذا السياق استنتاج بعض المبادئ الرئيسية التي تحكم هذه السياسات:

أولاً: ضمان استمرار قدر محدد من الصراع بين الدول بشكل مضبوط وقابل للسيطرة في ظل ما يسمى بـ Pax-Americana (السلم الأمريكي).

ثانياً: ضمان تموضع الدولار الأمريكي في الاقتصاد العالمي كعملة مهيمنة.

ثالثاً: المحافظة على قدر من الأسبقية الأمريكية في التفوق التقني والبشري – الديمغرافي.

رابعاً: ردع المنافسين الكبار. ذلك أن الولايات المتحدة ستحاول دوماً المحافظة على تفوقها الاستراتيجي العسكري على أية دولة أخرى.

خامساً: التزام أمريكي عام بضمان حرية الملاحة والتجارة في الممرات البحرية “الزرقاء” (أي في أعالي البحار) والسيطرة عليها، وتسهيل التجارة الحرة، والقدرة على السفر من دون قرصنة، وقبل كل شيء بعيداً عن سيطرة أي قوة منافسة أخرى.

سادساً: منع سيطرة قوة معادية على مناطق برية رئيسية خاصة تهدد التوازن الاستراتيجي الدولي في الشرق الأوسط أو الكتلة الأرضية الأوروبية الآسيوية. وهنا يحتل وسط آسيا موقعاً متميزاً.

سابعاً: تسعى الولايات المتحدة إلى موازنة القوى السائدة على كل إقليم والتعاطي مع مجموعة واسعة من التناقضات مع اللاعبين الإقليميين طالما أن هذه القوى تعمل ضمن الهوامش المقبولة في إطار “السلم الأمريكي”.

ثامناً: يبدو أن الالتزامات الأمريكية التي تشجع نمو السوق الحرة والديمقراطيات في جميع أنحاء العالم ستبقى تصعد وتهبط ضمن أولويات السياسات الأمريكية. حيث يمكن في بعض الأحيان أن يكون التركيز عليها أكثر وأحيانًا بدرجة أقل لأن عقل المؤسسة الأمريكية يبدو مفطوراً بشكل ثابت على هذه المبادئ.

وفي حين أن هناك العديد من الأشياء التي تجعلنا نعتقد أن السياسات الأمريكية غير مستقرة بسبب ما يعكسه الاستقطاب الحزبي من اضطراب إعلامي، قد يقودنا إلى المبالغة بالاختلافات. فإن حقيقة الأمر أن هذه الاعتبارات لم تتعرض للتغيير من قبل الرؤساء والإدارات المختلفة بل إنها نمت وتطورت بناءً على رؤية مؤسسات الأمن القومي والمؤسسات المشتركة في صنع القرار في أمريكا بما فيها وزارة الخزانة.

 

إذًا ما مدى أهمية الرئاسة حقا؟

من المفيد أن نلاحظ جملة من العوامل والشروط التي تحدد هوامش أي رئيس:

أولاً: تتمتع الوكالات البيروقراطية المختلفة بقدر كبير من السيطرة على الخيارات التي تطرح أمام الرئيس.

ثانيًا: في نمط الإدارة الفردي تفقد عملية اتخاذ القرار الكثير من تلويناتها وتمايزاتها الطفيفة والمهمة.

لكن الرئاسة لها أهمية استثنائية في صياغة الأداء العملي. حقيقة الأمر أن الرئيس يتمتع بقدر كبير من التأثير والقدرة على تشكيل عملية صنع القرار. حيث يكون لدى ترامب أو بايدن مقاربات مختلفة في عملية آلية اتخاذ القرار.

من المحتمل أن يعتمد بايدن آلية أكثر منهجية ورسمية وأكثر تشاركية في العمل بين الوكالات المختلفة، وهو تقليد رسخه أيزنهاور بشكل واضح. حيث أسس أيزنهاور نهجاً أكثر تنظيماً يتيح لجميع الجهات الفاعلة مقاعد على طاولة القرار وليس فقط إبان اجتماعات مجلس الأمن القومي.

يسمح هذا التنوع في إدارة التناقضات، بالتنسيق بين التوجهات المختلفة للمؤسسات، وبتوفير طيف ملون من الخيارات والمحاذير أمام الرئيس ومنحه نطاقًا أوسع من آليات صنع القرار.

لذلك يمكن للرئيس أن يخفف من وقع بعض هذه العواقب غير المرغوب فيها أو غير المقصودة. لكن هذه الآلية تحتاج إلى عمل شاق للغاية لإدارة الاختلافات وبلورة المفاهيم.

بالمقابل فإن أسلوب ترامب بحصر النقاش ضمن دوائر صغيرة والاعتماد على آليات انتقائية آنية لتكوين فرق العمل الضيقة المتغيرة، تسمح بتحقيق صناعة قرار جريئة مندفعة في كثير من الأحيان وخاصة في الحالات التكتيكية الطارئة.

لكن هذه الآلية تفوِّت الكثير من الترابط بين الأفعال التكتيكية والرؤى الاستراتيجية المفترضة. كما أنه من أهم عيوب هذا النمط من صناعة القرار هو الوهم الذي يخلقه لدى صناع السياسة الفرديين بأنهم يستطيعون ببساطة قلب الموازين من خلال ضربات فروسية مشهودة. والأهم من ذلك هو أن هذا النمط من اتخاذ القرار يطرح صعوبات جمة أمام منفذي القرارات نتيجة نقص حساسية القرار للمتغيرات.

كما أن هذه الآلية ساهمت في تضخيم العمل الورقي المتبادل بين مختلف الوكالات بسبب النقص الشديد في اللقاءات المباشرة، حيث تضع إحدى الوكالات إطارًا لمشكلة ما، وتضع الإيجابيات والسلبيات، ثم ترسلها للتشاور بشكل مكتوب، وبعد ذلك تتاح لكل قسم فرصة تقييم الورقة بشكل مكتوب دون الحاجة إلى الذهاب إلى الاجتماع الذي يبسط الأمور كثيرًا ولكنه أيضًا يلغي الكثير من التفاصيل وتترك هذه الآلية بالتالي الكثير من “نقاط العمياء” التي قد يسببها غياب التواصل المباشر.

 

فن التفاوض:

من جهة أخرى ثمة سلوك قد يجمع بين أسلوبي بايدن وترامب. فكلاهما يؤمن حقًا بقيمة الدبلوماسية الشخصية ولكن من وجهات نظر مختلفة.

يعتقد ترامب أنه مفاوض رائع ويمكنه الدخول في غرفة صغيرة وإقناع الناس. ويعتقد أيضا أنه يمكنه استخدام تغريداته في الرسائل العامة بوسائل التواصل كطريقة لنقل معاركه للرأي العام. ونحن نرى مع إدارة ترامب كثيرًا من التغريدات والبيانات العامة كطرق لمحاولة تغيير مسار السياسة الخارجية بسرعة كبيرة في بعض الحالات وفي مواجهة المؤسسات. هذه التغريدات ليست فقط للجمهور بل لتعزيز معركته في دوائر صنع القرار المحيطة به ولإحراج الوكالات وإجبارها على التجاوب مع قراراته.

أما بايدن فيؤمن بدبلوماسيته الشخصية لسبب مختلف تماماً. ذلك أنه يبني أسلوبه على تطوير العلاقات الشخصية طويلة الأمد مع الناس، كما تشير تجربته على مدى عقود في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ حيث كان على اتصال بالعديد من القادة الذين يعرفهم وحيث كان له في العديد من المناسبات دور دبلوماسي شخصي. كما أنه لا يرى أية قيمة كبيرة لوزارة الخارجية في صنع القرار ويفضل أن يثقل كاهل لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ حيث تكونت علاقاته على نطاق أوسع.

ثمة نقطتان أخريان للاختلاف بين المرشحين:

أولاً: النقطة المتعلقة بأثر الاستقطاب الحزبي علي نجاح الرئيسين في قراراتهما. فلا شك أن بايدن سيميل أكثر للتوصل لتوافقات بينه وبين خصومه حول سياساته الرئيسية كي يضمن لها النجاح.

ثانيًا، العلاقة مع الحلفاء والشركاء، ذلك أنه في حال استمرار السياسة الراهنة لترامب فإن الحلفاء قد يفقدون الثقة نهائياً في إمكانية المراهنة على سياسات أمريكية ثابتة تجاه وضعهم الاستراتيجي وضد خصومهم الإقليميين.

 

الحرب الباردة الجديدة، والمنافسة بين القوى العظمى:

في حين يركز الرئيس ترامب على تصعيد المواجهة مع الصين وصولا إلى احتمال فك الارتباط الاقتصادي معها، يركز بايدن على العلاقات بين الناتو وروسيا، حيث يقول بايدن: “حلف شمال الأطلسي ليس مضرب ابتزاز، حيث نخير دوله إما أن تدفع أو لا تحصل على الحماية”. “إنه تحالف بين أمم تجمعها القيم والمصالح المشتركة” وقال “كرئيس، سوف أفعل أكثر من مجرد استعادة شراكاتنا التاريخية”.

لكن بايدن يعود ليؤكد أن على الولايات المتحدة ” تجديد التزامها للحد من التسلح لحقبة جديدة والسعي لتمديد معاهدة ستارت، التي هي مرساة للاستقرار الاستراتيجي بين الولايات المتحدة وروسيا” واستخدام ذلك كأساس لترتيبات جديدة لتحديد الأسلحة.

يرى بايدن ان الأسلحة النووية الأمريكية لا تزال “آمنة وموثوقا بها دون الحاجة إلى إجراء تجارب نووية”. لذلك فمن المستبعد أن تعود إدارته المحتملة إلى القيام بتجارب للأسلحة النووية.

إن نجح بايدن فإنه سيحاول وضع ضوابط على مستوى الأسلحة النووية الاستراتيجية والتحكم في قدرة الانتشار بشكل خاص.

” يقول بايدن إن انتشار هذه المعرفة النووية القاتلة إلى المزيد من الدول، وإمكانية حصول الإرهابيين على المواد النووية هي من أولى التحديات الأمنية إلحاحاً”.

كما أن بايدن سيحاول التوصل إلى بعض أنظمة التحقق التي تسمح للولايات المتحدة بمعرفة المزيد عما يفعله الروس، إذ توجد هنا بعض نقاط الضعف في الوضع الاستراتيجي الأمريكي حيث طورت روسيا أنظمة جديدة خارجة عن معايير المعاهدات السابقة.

وسيسعى بايدن إلى بذل جهد معقول لتخفيض العدد الإجمالي للأسلحة النووية الاستراتيجية، في محاولة منه لحصر أدوات التنافس والصراع الدولي على الأسلحة التقليدية.

ومن المحتمل أن نبدأ في ملاحظة مناقشات حول بعض القضايا الوقائية، مثل سياسة عدم البدء باستخدام الأسلحة النووية في النزاعات، وهو أمر ربما تفكر فيه إدارة بايدن كجزء أساسي من مراجعتها العامة للوضع النووي.

 

الأمن السيبراني:

في حين يعمل الرئيس ترامب بشكل واسع مع شركات التقنيات العالية لضمان الأمن السيبراني، يركز بايدن على “أن ردع الأنشطة الإلكترونية الخبيثة الموجهة ضد الولايات المتحدة هو عنصر مهم في “استراتيجية إلكترونية شاملة”. ويقول إن “لجنة الانتخابات الاتحادية (FEC)- تفتقر إلى كل من الأسنان والموارد”.

حيث “يعرف خصوم متطورون، مثل روسيا والصين، كيفية تجاوز الحظر على التمويل الأجنبي من خلال استغلال الثغرات في النظام وباستخدام طبقات من وكلاء لإخفاء أنشطتهم”

ويقول بايدن: “إنني أُحذر الكرملين والحكومات الأجنبية الأخرى، إذا انتخبتُ رئيسا، فسوف اتعامل مع التدخل في انتخاباتنا كعمل عدائي” و”سوف أقوم بتوجيه مجتمع الاستخبارات الأمريكية إلى تقديم تقرير علني وفي الوقت المناسب عن سعي الحكومات الأجنبية للتدخل في الولايات المتحدة.

 

الموقف من الصين:

في كل الأحوال فإن رئاسة ترامب أو بايدن ستكون أكثر تشابهًا تجاه الصين. فلقد سبق أن انخرطت الولايات المتحدة في السابق مع الصين في محاولة لتشجيعها على مسار الإصلاح السياسي والاقتصادي الداخلي وتعميق تشابك المصالح بينهما وأن تكون الصين شريكًا دوليًا “أقل عدائية ويعامل شعبه بشكل أفضل”. لكن تبدلا جوهريا طرأ على الموقف الأمريكي من الصين خلال السنوات السابقة، من خلال ما أسماه أوباما في حينه بـ “الخدعة الاستراتيجية”. اذ نشأ توافق في دوائر صنع القرار الأمريكي أن هذه الخيارات قد تم نسفها بالكامل تقريبًا بسبب تصرفات الصين.

لذلك ستستمر الإدارة المقبلة على النهج التصادمي تجاه الصين بما في ذلك عملية تعزيز الردع الاستراتيجي في البر والبحر مع الحلفاء الآسيويين خاصة في منطقة هلال الجزر المطلة على بحر الصين.

كما سيستمر بايدن، إن نجح، في تعزيز الموقف العسكري البحري والبري للقوات الأمريكية غرب المحيط الهادئ بهدف تحقيق القدرة على التعامل بشكل مباشر مع ترسيخ الصين لموقعها الاستراتيجي في هذه المياه.

لكن بايدن يقول” تحتاج الولايات المتحدة إلى رئيس لديه سجل في الوقوف في وجه بكين والحصول على النتائج. سأحشد كل ما لدينا من حلفاء لوضع خارطة طريق لإجبار بكين على التراجع عن سلوكها”. من المحتمل أن نرى من رئاسة بايدن تركيزاً على “حقوق الإنسان في الصين أيضًا، وقمع الصين لبعض مسلمي الإيغور وقمع نشطاء الديمقراطية في هونغ كونغ”.

ساعدت الإجراءات الصينية على وجه الخصوص في التفاف الحلفاء الآسيويين حول الموقف الأمريكي. ولقد كان من المحتمل أن يحصل تدهور في العلاقات بين اليابان وكوريا الجنوبية على مدار السنوات القليلة الماضية، ولكن التدابير الصينية ساهمت في كسر الكثير من الجليد بين اليابان وكوريا وإعادة التحالفات إلى حالها السابق في ظل الإدارة الحالية.

من المفيد هنا أن نلحظ أن ميشيل فلورنوي، التي يحتمل أن تكون وزيرة الدفاع لإدارة بايدن، تدلي ببعض التعليقات حول الحاجة إلى زيادة الردع ضد الصين في الرسائل الموجهة إلى تايوان.

أوروبا:

في حال نجاح بايدن من المحتمل أن نرى مقاربة أكثر توافقية مع أوربا حول تغير المناخ وتعاون أكبر في الأمن السيبراني وفي الأمور الاستراتيجية المتعلقة بردع روسيا.

وسيكون من المفيد أن نشير إلى أن نهج ترامب الذي يعتمد على إعطاء الأولوية للمصالح التجارية على شؤون الدفاع في أوروبا، قد يتبدل في زمن بايدن في اتجاه إعطاء الأولية لتعزيز الأمن الأوربي.

 

هل ثمة تشابه بين ترامب وبايدن في بعض جوانب العلاقة مع روسيا؟

في حال فوز بايدن ستكون هناك تغييرات في مسألة روسيا.

وفي حين أحجم الرئيس ترامب عن انتقاد بوتين في العديد من المناسبات، فإن بايدن سيتصرف ضد السياسات الروسية في أفغانستان وفي مجال الأمن السيبراني وسنرى بوضوح تغييرًا في الموقف الدبلوماسي والاستراتيجي العام مع روسيا سواء في أوروبا أو الشرق الأوسط، من جهة أخرى، يعتبر بايدن أنه “حتى في الوقت الذي ندافع فيه عن مصالح الولايات المتحدة ونحمي الديمقراطية والليبرالية في أماكن أخرى، يجب على واشنطن أن تحتفظ بقنوات الاتصال مفتوحة مع موسكو”. واعترف بايدن أنه “مهما كان حال الردع الأمريكي فإنه لا يمكن درء احتمال سوء تقدير قد يؤدي إلى الحرب”.

وبالمقابل، نتوقع أن تكون سياسات بايدن اكثر توافقية مع روسيا في مجالات الأسلحة النووية وتحديد الأسلحة. ونقدر أن يميل بايدن إلى إعطاء صلاحيات واسعة للدبلوماسيين المختصين ولخبراء أسلحة الدمار الشامل في تحديد خارطة طريق التفاوض الأمر الذي قد ينعكس إيجاباً على العلاقات مع روسيا مع الاحتفاظ بالضغط عليها في المجالات الإقليمية والدبلوماسية الدولية.

لكن بايدن يقول: إن “الهدف النهائي لبوتين، في رأيي، هو حل حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي” ويقول إن “الكرملين لا يرغب أكثر من أن يعلن القادة الغربيون أن حلف شمال الأطلسي قد عفى عليه الزمن “. ويرى انه “يجب على حلف شمال الأطلسي أن يواصل نشر قواته على الجبهات ورفع القدرات العسكرية في أوروبا الشرقية، وإذا لزم الأمر، هزيمة أي هجوم روسي على إحدى دول الحلف”.

في مجال سياسات الاقتصاد والطاقة في روسيا، يعتبر بايدن “ان روسيا في وضع اقتصادي صعب” وأن “الاقتصاد الروسي يعتمد بشكل تام على صادرات الهيدروكربون، لذلك ترتبط صحة اقتصاده بسعر النفط والغاز؛ ولقد انخفضت هذه الأسعار في السنوات الأخيرة”. وهو يرى “أن روسيا تتلاعب في أسواق الطاقة وتستخدمها لإجبار جيران روسيا من القادة السياسيين ورجال الأعمال الأوروبيين على الخضوع لسياساتها.

ويبدو أن بايدن يرغب في شن حملة على علاقات رجال الأعمال الروس في كل من أوروبا وأمريكا والعالم. إذ يقول إن روسيا وسعت “نطاق عمل الفاسدين الروس بشكل واسع. حيث قاموا بإنفاق مبالغ ضخمة من المال على منظومة الفساد في أوروبا وغيرها على مدى العقود القليلة الماضية، بما في ذلك في أسواق الترف والعقارات في لندن وميامي ونيويورك. وقد استخدمت هذه المليارات من الدولارات من الاستثمارات في العديد من الحالات لتأمين الوصول إلى النخب السياسية والتجارية الغربية”.  ويقول بايدن “هناك أدلة وافرة على وجود أموال مظلمة تخترق الديمقراطيات الأخرى، ولا يوجد سبب للاعتقاد بأننا محصنون من هذا الخطر”.

 

برامج كوريا الشمالية النووية والصاروخية:

يعتبر بايدن “أن الولايات المتحدة وحلفاءها قد أصبحوا أقل أمانا”. وأن “ترسانة كيم من الأسلحة النووية والصواريخ الباليستية تواصل النمو”. ويقول “السؤال هو: كيف يمكن للولايات المتحدة إقناع كوريا الشمالية بعدم اختبار أسلحتها النووية والتخلى عنها؟” ويقول “سأعمل مع حلفائنا وشركائنا والدول الأخرى بما فيها الصين لمنع كوريا الشمالية من الاستمرار في اقتناء الأسلحة النووية، في حين علينا أن نقدم رؤية بديلة لمستقبل مزدهر لكوريا غير النووي”.

إيران:

في حين نتوقع أن تكون سياسة ترامب استمراراً لسياسة الضغط الأقصى فإننا نجد أن بايدن سيميل لموقف يجمع بين الإكراه والتفاوض.

إذ يقول “كيف يمكننا إقناع إيران بعدم السعي للحصول على أسلحة نووية، فلقد كثفت إيران نشاطها في مجال التخصيب النووي، بعد الغاء الاتفاق مما جعلها أقرب إلى القدرة على تطوير قنبلة نووية؟

ويقول بايدن إن “إيران أصبحت أكثر استفزازا في المنطقة، مما يزيد من الخطر على الأميركيين والقوات المتمركزة في الشرق الأوسط”. ويؤكد أنه “يجب على طهران العودة إلى الامتثال الصارم بالاتفاق”. وقال سنستخدم التزامنا المتجدد للعمل مع حلفائنا لتعزيز وتوسيع نطاق العقوبات، والمفاوضات، ردّاً على أنشطة إيران الأخرى المزعزعة للاستقرار”.

ولقد قالت هاريس عن ايران “تشكل إيران تهديدا حقيقيا للولايات المتحدة استنادا إلى قدراتها النووية”.

وفي الخلاصة فإننا نلاحظ أنه بالرغم من أن بايدن كان نائبًا للرئيس عندما أنجزت إدارة أوباما ملف الاتفاق النووي، لكن المبدأ هنا هو أن بايدن الرئيس سيكون مختلفاً في الممارسة عن بايدن نائب الرئيس، وهذا الأمر سيخلق موضوعياً فرقا في سلوك بايدن في حال نجاحه.

لكن، وعلى الرغم من هذه الحقيقة، فإن عقوبات إيران بعيدة كل البعد عن أن تكون في يد البيت الأبيض، وستكون العودة إلى الصفقة النووية بالتأكيد فكرة صعبة التحقيق. ذلك أن الكونغرس قد وضع سلسلة من الحواجز المعقدة أمام إعادة العلاقات مع إيران، ما لم يجرِ تبديل ملموس في السلوك الإيراني ومن دون حصول إجماع في الكونغرس وهو أمر يصعب تصوره حالياً.

ربما يحاول بايدن رفع بعض العقوبات ولكن ما الذي سيقدمه للكونغرس كتبرير، والأهم هو وما الذي ستكون ايران مستعدة لتقديمه في المقابل.

هنا نلاحظ أن إيران قد ضاعفت ثلاث مرات مخزونها من اليورانيوم منخفض التركيز، وثمة تسريبات عن احتمال إعلانها عن توصلها للمراحل النهائية في انتاج القنبلة النووية الأمر الذي يصِّعب بشكل كبير على أي كان في إدارة بايدن المحتملة تسويق أي تنازل جوهري تجاه ايران لا في البيت الأبيض ولا في الكونغرس بالطبع.

كما أننا نعتقد أنه خلافاً لإدارة أوباما، ستجد إدارة بايدن المحتملة ضرورة إدخال منظومات السلاح الصاروخي الإيرانية في صلب المفاوضات وكذلك لن يكون بالإمكان إعادة الاعتبار لأية صفقة جديدة مع إيران دون الأخذ بعين الاعتبار دور إيران في دعم الإرهاب ودعم الميليشيات الدينية والتي تعمل بالوكالة عن إيران.

وبالمقابل فإن اللوبي المناصر لإيران في واشنطن يروج لفكرة أنه “رغم كل العقوبات على إيران فإن الدول العربية لم تكن قادرة على توليد أي بديل يملأ الفجوة في حال انسحاب إيران من الشرق الأوسط. ذلك أن إيران قد تمكنت من شن حرب رخيصة التكاليف يدعي أنصار إيران أن العرب لم يتمكنوا من إنتاج بديل لها لملء الفراغ.

الصراع في سوريا:

يقول بايدن في هذا الصدد: “من أفغانستان إلى سوريا، لدينا داعش التي ستأتي إلى هنا. إنهم يريدون في الواقع إلحاق الضرر بالولايات المتحدة الأمريكية، ولهذا السبب كان انخراطنا في شمال شرق سوريا ولن نتنازل عن المنطقة للأسد وللروس”.

وتقول كامالا هاريس: “الرئيس السوري بشار الأسد هاجم بوحشية المدنيين الأبرياء، بمن فيهم عشرات الأطفال، الذين اختنقوا حتى الموت من الأسلحة الكيميائية. هذا الهجوم يعزز حقيقة واضحة أن الرئيس الأسد ليس فقط ديكتاتور يعامل شعبه بوحشية، بل هو مجرم حرب لا يمكن للمجتمع الدولي تجاهله.

 

خلاصة:

نستطيع القول باختصار، إن بايدن حال فوزه فإنه سيتخذ موقفًا أقوى بكثير لمناهضة الدور الروسي والصيني في الوضع الدولي، بالمقارنة مع ترامب، كما أنه من المتوقع أن يستخدم بايدن خطاب مكافحة الإرهاب وحقوق الإنسان بشكل أكثر من قبل في مقاربته للتدخل الأمريكي في مناطق مختلفة من العالم، بما في ذلك في الشرق الأوسط.

 

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]