تشهد الجولة الأولى من المفاوضات السورية في جنيف، تعثرا كبيرا في ظل الشكوك المتبادلة بين وفدي النظام والمعارضة، وأصبحت توقعات فشل مباحثات جنيف هي الأعلى صوتا، وترتبط بفشل تقديرات السوريين «المعارضة والنظام» لمواقف الدول الكبرى، التي تفرض نوع الحل وتوقيته.
ويعتقد طرفا المفاوضات أن لغة الحرب هي نفسها لغة السياسة، رغم أن الوقائع تؤكد أن ما لم يتحقق من خلال الحرب، لن تستطيع السياسة أن تجعله ممكنا، ولذلك فإن آفاق الحل تبدو حتى اللحظة مغلقة.
ويرى خبراء سياسيون، أن مفاوضات جنيف مجرد «ترتيبات شكلية» على هامش مشروع حل سياسي سيطرحه المجتمع الدولي، ويسعى إلى تنفيذه، يكون بمثابة مقدمة لإعادة ترتيب الأوضاع في المنطقة بعد سنوات الفوضى، بحسب تعبير المحلل السياسي اللبناني فاروق يوسف.
ويرى يوسف أن معالجة المجتمع الدولي للمسألة السورية تبدو أشبه بالطبخ على نار هادئة، وفقا لقناعات لا تتعلق بسوريا وحدها.
ويتمثل الجانب الآخر من جوانب توقعات الفشل لمفاوضات جنيف، في أن المسافة بين فريقي التفاوض «كبيرة جدا»، ما يبدو التقريب بينهما أمرا ميؤوسا منه، حيث أن سقف مطالب المعارضة عالٍ فيما العروض منخفضة، وانطوت المطالب على شروط مسبقة ورغبة عارمة في التدخل الخارجي.
بينما يصر النظام السوري على مبدأ «من غير شروط مسبقة ولا تدخل خارجي»، وهذه فاتحة كتاب النظام، كما قال بشار الجعفري، رئيس وفد النظام، وسفير سوريا لدى الأمم المتحدة، وفي هذه الحالة لا تملك المعارضة سوى الرفض أو الانسحاب من المفاوضات، حيث لا يملك المعارضون حرية المناورة من خلال وفدهم المفاوض.
ويشير المراقبون إلى أن وفد المعارضة السورية في جنيف «غير متناسق»، وغير مؤهل لإدارة التفاوض، وأن اختيار بعثيين (سابقين) أعضاء في الوفد المعارض، هو إشارة إلى توقع حدوث الأسوأ، وأن وفد النظام لن يتعامل بشكل جاد مع مَن كان إلى وقت قريب جزءا من «ماكينة النظام البعثي».
ويتساءل المحلل السياسي، فاروق يوسف، ما الذي جرى خلال الخمس سنوات الماضية لكي تجعل المعارضة من «بعثي» منسقا عاما لهيئة المفاوضات، وهو رياض حجاب، وكان محافظا ووزيرا، ومن ثم رئيسا للوزراء، ما يؤكد نفعيته البعثية، وكذلك رياض نعسان الأغا، وهو السفير ووزير الثقافة السابق، وكان قبل سنوات مدافعا بطريقة عمياء عن النظام السوري؟
ولفت إلى أنه حين يطالب هؤلاء بإزالة نظام البعث فإنهم يزيلون ماضيهم الشخصي، رغم أن الخلاف بين المعارضة والحكومة السورية مع بداية الثورة كان يقوم على المطالبة بإلغاء المادة الثامنة من الدستور، وهي المادة التي تعطي حزب البعث العربي الاشتراكي صلاحيات الحكم المطلق.
وفي السياق ذاته، تؤكد الدوائر السياسية الغربية، أن المعارضة السورية دخلت مفاوضات جنيف وهي مترددة «تتقدم خطوة وتؤخر عشرة وبيد نصف ممدودة»، بحسب تعبير الدبلوماسي البريطاني، جوني آدمز، لوكالة أنباء تاس الروسية.
في حين ترى واشنطن أن المعارضة السورية، فقدت مع الوقت زمام المبادرة، إلى أن باتت لا تملك من يمثلها على أرض الواقع، وأن المعارضة التي تبنتها لن تكون هي الطرف الآخر في المعادلة السورية، وفي هذه الحالة فإن المعارضة السورية أمام حقيقة صادمة، وهي أن ما لم يتحقق من خلال الحرب لن تستطيع السياسة أن تجعله ممكنا، وما كان صادما بالنسبة للمعارضين السوريين، أن يكون للولايات المتحدة حساباتها وتقديراتها التي لا تنسجم مع حساباتهم وتقديراتهم.
ومع تعثر مفاوضات جنيف الأقرب إلى الفشل، بدا واضحا تحرك موسكو للبحث عن حليف عربي لرؤيتها لحلّ النزاع في سوريا، ويؤكد تقرير المركز الدولي للسياسات في موسكو، أن زيارة وزير الخارجية سيرجي لافروف إلى أبوظبي، أمس الثلاثاء، تأتي على مسار حلّ الأزمة السورية الذي تتوافق عليه أبوظبي وموسكو، وهو ذو بعدين، البعد الأول يقوم على مفاوضات مباشرة بين وفدي النظام والمعارضة، لتنفيذ تفاصيل الخطة التي أقرّها لقاء فيينا.
أما البعد الثاني فهو إجراء عملية فرز واضحة للفصائل المعارضة، ووضع قائمة بالمعتدلين وأخرى بالإرهابيين، وتعتقد الدبلوماسية الروسية أن دخول الإمارات كطرف معتدل ومحايد في الأزمة قد يسهم بشكل كبير في تقريب وجهات النظر وتوسيع دائرة التفاهم مع الطرف السعودي، الداعم الرئيسي للمعارضة والتي تختلف مع الموقف الروسي.