رغم تأكيد مصادر فى البيت الأبيض، ومعها كبريات الصحف الأمريكي(واشنطن بوست، وول ستريت جورنال) إضافة إلى الإندبندنت البريطانية، عن مشروع كبير يهدف إلى بناء تحالف عسكرى بين الدول السنية تحديدا التى تستشعر خطرا من تمدد النفوذ الإيرانى الشيعى فى المنطقة ويتشكل فى الأساس من الدول المعتدلة (السعودية ومصر والأردن والإمارات) ثم تلحق بها تباعا دول خليجية أو عربية أو إسلامية أخرى ـ بحسب تقارير الصحف الغربية ــ أى على غرار حلف «الناتو» وأن صفقات السلاح العملاقة التى ستحصل عليها السعودية ستؤهلها لأن تكون القوة المركزية للحلف المقترح، الذى ستقدم له الولايات المتحدة جميع أشكال الدعم له .. ولكنها لن تصبح عضوا فيه.
فقد استبعد سياسيون مصريون، التوافق على حلف «ناتو عربي» سني، في ظل الخلافات في السياسات والمواقف العربية، وعدم التوافق حول مفهوم محدد للأمن القومي العربي .. وقال السفير نعمان جلال، للغد، إن فكرة «الناتو السني» تثير حساسيات وتخلق مناطق احتكاك مذهبي، أما «الناتو العربي» فهي فكرة من الممكن تحقيقها، ولكن تعترضها موانع وعقبات سياسية.
وأضاف مساعد وزير الخارجية السابق للتخطيط السياسي، للغد،إن الولايات المتحدة، لها أهداف ومصالح في تشكيل «ناتو سني» وهي الفكرة التي أكدها الجنرال مايكل فلين عقب إقالته من منصبه كمستشار للأمن القومى فى إحدى جلسات الاستماع بالكونجرس.. ومن الواضح أن خطاب الرئيس الأمريكي، ترامب، فى قمة الرياض العربية ـ الإسلامية ـ الأمريكية ، كان يشير إلى هذه الفكرة، حيث ركز بشكل رئيسى على إيران بإعتبارها المهدد المباشر للأمن والاستقرار الدوليين والإقليميين ومنبع الإرهاب فى العالم منذ الثورة الخومينية،وبالتالى فهى الهدف المشترك الذى ينبغى أن تتوحد الجهود لمواجهته
ومن جانبه يرى السفير عبد الفتاح راغب، عضو المجلس المصري للشئون الخارجية، أن تأسيس حلف «عربي ـ سني» على غرار حلف الناتو (منظمة حلف شمال الأطلنطى) الذى تأسس فى أعقاب الحرب العالمية الثانية ، مجرد فكرة أو مبادرة المفروض أن تخضع لدراسات موسعة، لأن هناك جوانب عديدة في أي حلف عسكري، يجب توافرها، وأبرزها الجانب الأمني ، وتوافق الفكر السياسي والعسكري للدول الأعضاء، بينما نجد أن الساحة العربية موزعة بين مواقف وسياسات متصادمة،
وأضاف «راغب» للغد: هذه الفكرة تتحدث عنها كثيرا في الوقت الراهن، الدوائر السياسية في واشنطن، وبشىء من التفصيل، بل أن مراكز الدراسات في الغرب، والمعنية بقضايا الشرق الأوسط ، ربطت بين قمة الريباض التي عقدت الشهر الماضي في العاصمة السعودية ، الرياض، بمشاركة الرئيس الأمريكي ،دونالد ترامب، وبين تأسيس الناتو السني، ولكن من المستبعد في ظل الأجواء والمناخ الراهن، وفي ظل النظم والسياسات لدول المنطقة، تحقيق فكرة «الناتو» العربي السني على الأرض.
وترى الدكتورة هالة مصطفى، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية، أن هناك ملاحظات أساسية تثيرها فكرة «الناتو العربي» وهي:
أولا : أن تركيز الإدارة الأمريكية بشكل شبه أحادى على إيران كداعم رئيسى فى تجنيد وتسليح وتدريب الإرهابيين دون تسمية دول أخرى تُسهم على الجانب المقابل فى القيام بنفس الدور أو توظيف الجماعات السنية المسلحة فى حروب بالوكالة، يحمل قدرا من الانتقائية، وهو ما عبر عنه الرئيس عبدالفتاح السيسى فى خطابه بنفس القمة حين أشار إلى (عدم إمكان اختصار المواجهة على مسرح عمليات واحد دون آخر) وأن هناك دولا بعينها توفر الغطاء السياسى لتلك الجماعات (كجماعة الإخوان التى لم يشر إليها الجانب الأمريكى من قريب أو بعيد) أو تشترى من بعضها الآخر البترول الذى تستولى عليه من مناطق تمركزها (مثل داعش)
ثانيا: إن نجاح أى حلف عسكرى يرتبط ارتباطا وثيقا بالوحدة السياسية والتوافق بين الأنظمة الحاكمة بحيث تتفق على تعريف موحد للأمن القومى ومصادر التهديد والتحديات التى تواجهه، أى لابد من رؤية مشتركة تسبقه، وهذه هى الخبرة الأولية لحلف الناتو، والتى لا تبدو متوافرة إلى الآن، وتكفى الإشارة إلى تصريحات أمير قطر التى دافع فيها عن إيران مناقضا ما جاء بقمة الرياض، قبل نفيه لها احتواءً للأزمة التى قد تنشب مع المملكة.
ثالثا: إذا كانت الولايات المتحدة هى القوة العظمى التى ستدعم مثل هذا الحلف فالمفترض أن تكون مواقفها وسياساتها متناغمة مع جميع أطرافه الإقليمية، وهو شرط مازال غير قائم، على سبيل المثال تعتبر مصر أن كلا من تركيا وقطر تنتهجان سياسات مناهضة لها ورغم ذلك أشاد بهما ترامب فى معرض خطابه حيث قال نصا (إن استضافة قطر للقاعدة المركزية الأمريكية يجعلها شريكا إستراتيجيا حاسما) مثلما أثنى على دور تركيا (لاستضافتها العدد الأكبر من اللاجئين السوريين)
وأضافت د. هالة ، في المقال الأسبوعي المنشور يصحيفة الأهرام القاهرية، هناك ما يتعلق بموقف روسيا، وهى القوة الدولية الفاعلة فى المنطقة، والتى سارعت بمهاجمة الفكرة برمتها، بل واعتبرتها مُفضية إلى مزيد من التوتر والحروب فى المنطقة خاصة مع استمرار تحالفها مع إيران، وليس خافيا أن الدول المفترض تأسيسها الحلف الجديد لا تقف على مسافة واحدة منها. بعبارة أخرى هناك الكثير من العمل قبل أن تتحول فكرة الناتو العربى إلى واقع فعلى.
