عاصفة الجدل أثارها ترشح رئيس الحكومة الليبية، عبدالحميد الدبيبة، إلى الانتخابات الرئاسية لأسباب تتعلق بعدم تطابق قانون الترشح عليه .
إلا أن آخر فصول هذا الجدل وصلت إلى محطة فاصلة بعد تسرب مراسلة موجهة إلى المستشارة الأممية، ستيفاني ويليامز، تفيد بأن الدبيبة لا يمتلك مؤهلًاً علمياً يؤهله لقيادة الحكومة أو حتى للترشح للانتخابات.
وكان الدبيبة قدم في ملف ترشحه مستنداً يفيد باعتماد شهادة ماجستير في تخصص الهندسة من جامعة “ريجينا” في كندا، إلا أن وسائل إعلام ليبية وباحثين ليبيين تواصلوا بشكل مباشر مع الجامعة التي أجابت بأن الإفادة التي قدمها الدبيبة في ملف ترشحه “مزورة”.
وقالت مصادر ليبية لقناة “الغد” إن الدبيبة زعم في ملف ترشحه لملتقى الحوار في جنيف بأنه خريج جامعة تورنتو، وفي ملف ترشحه للانتخابات بأنه خريج جامعة ريجينا، مؤكدة أن الأمر مثير للشبهات، وعلى النائب العام الليبي التحرك للتحقيق في الأمر .
وفي هذا السياق، قال منسق حراك “من نحن” من ستكهولم، حسام القماطي، إن الحراك بدأ خطواته بالتواصل مع جامعة “تورينتو”، والتي تتيح تقديم المعلومات للجميع عبر محركها للبحث، وتم تكرار البحث عن اسم الدبيبة بأكثر من صيغة، إلا أنه في كل مرة كان الإجابة أنه لم يتم العثور على أية بيانات بشأنه.
وأضاف القماطي، خلال لقاء على شاشة الغد، أن التركيز الحقيقي كان في جامعة ريجينا كون شهادتها هي التي تم تقديمها رسميا للدولة الليبية، لافتا إلى أن رئيس الحكومة عبدالحميد الدبيبة قدم الشهادة للمصادقة على المعادلة عليها بليبيا قبل تقديم ملف الترشح بخمسة أيام، رغم أنه قال إنه تحصل على الشهادة في التسعينيات.
وأوضح أن هذه الشهادة لم تر النور أمام الجهات الرسمية الليبية إلا قبل ترشح الدبيبة بخمسة أيام، وتم تقديم الشهادة واعتمادها في المحضر العاشر.
ولفت إلى أن هذا الأمر هو مسار جدل واسع، خاصة أن إجراءات التوثيق والمعادلة طويلة جدا وتستغرق وقتا للحصول على توقيعات من وزارة الخارجية والتصديق وتقديم الماجستير وتقديم صور من جواز السفر وما يثبت أن الشخص كان موجود أثناء ذلك الوقت.
وأوضح أنه تم التواصل مع جامعة “ريجينا” عبر البريد الإلكتروني للاستفسار عن شهادة تخرج الدبيبة، وتم البحث بأكثر من صية للاسم، إلا أن الرد كان يأتي دائما أنه لا وجود لشخص بهذا الاسم يحمل شهادة الجامعة.
وتابع القماطي: “في نفس التوقيت تسربت مراسلات بخصوص جامعة تورينتو، فبدأ المقربون من الدبيبة بتقديم شهادة جامعة ريجينا التي أكدت أن الورقة غير صحيحة وأن الدبيبة ليس موجود في سجلاتها”.
وأشار إلى أنه تقدم بطلب لرئاسة جامعة ريجينا بأن تعطي الأمر الأولوية وأن يتم البحث بطريقة يدوية للبحث بين أسماء الخريجين الحاصلين على الماجستير في عام 1990، وجاء الرد قاطعا أن الدبيبة لا يملك أي شهادة من الجامعة، وتم تقديم الرسالة.
واستطرد بأن الجامعة ردت كذلك على تساؤلات عشرات الشباب الذين بعثوا بالردود إلى صفحات رئيس الحكومة، وإلا أن صفحة الدبيبة على تويتر قامت بحظر التعليق بشكل متكرر، لافتا إلى أن هناك كذلك صمت من الوسائل الإعلامية المقربة من الحكومة فيما يتعلق بهذا الأمر.
وشدد القماطي على ضرورة وجود رد سريع وواضح من جانب الحكومة وتقديم المستندات اللازمة للرد، مشيراً إلى أنه تم التواصل مع مكتب النائب العام وإرسال المستندات، متابعاً: “طلبنا فتح تحقيق، ونبحث إمكانية تقديم بلاغ بالتزوير”.
وعن ردود الفعل الشعبية، أشار إلى أن العديد رأوا أن الأمر ليس غريب عن الدبيبة، والبعض الآخر تعجب واستنكر.
ودعا الحكومة الليبة إلى تقديم تصريح واضح وصريح والتفسيرات، لافتا إلى أن البعثة الدولية كان لها دور مهم في عملية البحث في المستندات المقدمة لتولي منصب رئاسة الحكومة.
وأكد القماطي أن التزوير، سواء كان هناك انتخابات أو لا، جريمة يعاقب عليها القانون الليبي.
في ذات السياق، قال الكاتب المختص بالشأن الليبي، أحمد جمعة، إن الأمر – إن صح – هو جريمة مكتملة الأركان، وللأسف نجدها على مستوى رئاسة الحكومة.
وأكد جمعة أن الأمر يتطلب تدخل النائب العام الليبي للتحقيق في الأمر لحسم الجدل، ومساءلة كافة الأطراف، من وزارة التربية والتعليم ومركز الجودة الذي اعتمد الشهادة دون التحقق من صحتها، ومخاطبة جامعتي “تورينتو” و”ريجين”ا للتأكد بشكل رسمي وإطلاع أبناء الشعب الليبي على حقيقة الأمر.
ولفت إلى مفارقة مشابهة، حيث خاطبت هيئة الرقابة الإدارية في مارس الماضي رئيس الحكومة بضرورة فتح تحقيق حول ما أثير بوجود شهادات جامعية مزورة لوزراء في حكومته.
وأوضح جمعة أنه على البرلمان اتخاذ خطوات لبحث الأمر وتداعياته، وسيعقد مجلس النواب جلسة الاثنين المقبل وعليه أن يحدد كيف سيتعامل مع الدبيبة، وما هي الصفة الاعتبارية التي يحملها الدبيبة الآن، وهل يتمتع بالحصانة التي تمنع أي شخص من مقاضاته أو تقديم شكوى قانونية ضده في مكتب النائب العام الليبي، مع الاعتبار أن الدبيبة متوقف عن العمل منذ 21 نوفمبر، وفقا لما أعلنه، لخوض انتخابات الرئاسة.
وأشار إلى أن فرص الفصل في القضية والكشف عن حقيقتها سيوضح مدى استقلالية القضاء الليبية ومدى تعرضه للضغوط، وأنه على مجلس النواب توفير الحماية الكاملة لكافة المؤسسات التي ستحقق في هذا الأمر.
وتابع جمعة: “يجب على البرلمان الذي منح الثقة للحكومة فتح تحقيق مع الدبيبة واستدعاء رئيس الحكومة المكلف بالتنسيق مع النائب العام الليبي”.
ولفت إلى أن هناك علامات استفهام كبيرة على شخصيات بعينها في البعثة الأممية في ليبيا متواجدة منذ سبع سنوات، وهو ما يتطلب تغيير طاقم البعثة والبحث في مدى ارتباط هذه الشخصيات التي تعمل داخل البعثة بمسؤولين أو قيادات سياسية في ليبيا.
وشدد على ضرورة استبعاد الدبيبة من قائمة المرشحين لعدم انطباق الشروط عليه، مؤكداً أنه على البعثة الأممية أن تحدد موقفها بشكل واضح من السلوكيات التي قام بها الدبيبة بعد التحقق فيما يتعلق بتزوير الشهادات.
فيما أوضح الكاتب الصحفي الليبي، عبد الباسط بن هامل، أن اللوم يقع على عاتق الفريق السياسي الذي عمل على انتاج حكومة الوحدة الوطنية، مؤكداً أنه لم تكن هناك أية معايير للاختيار بشكل واضح، وكانت هناك تفاهمات بين الأطراف وحسابات سياسية بين أطراف تآمرت على الشعب الليبي.
ووصف الأمر بأنه “أحد فصول الضحك على الليبيين”، مشيرا إلى أن الليبيين يبحثون اليوم عن أمور أهم وهي أمور حياتهم من قوت يومهم والخدمات والمرافق وغيرها.
وأكد بن هامل أن الأمر “جريمة”، وأن هناك أشياء أخرى قام الدبيبة بخرقها بشكل واضح، مثل ما ينسب لأسرته من تمويل التنظيمات في شرق ليبيا، وتقارير عن اختلاسات مالية وتهرب ضريبي، وتمكين شخصيات خطيرة من مؤسسات سيادية واختراق قانون المفوضية بالترشح للانتخابات.
وتابع أن المجموعة الدولية، التي من المفترض ضامنة للحوار، تتغاضي عن تلك الخروقات الجسيمة، والتي تبدأ من تقاعس البعثة الأممية عن دورها والدور الراعية.
وأعرب بن هامل عن اعتقاده بأن الذهاب إلى الانتخابات بهذه الوضعية سيكون خطير للغاية، متوقعاً عدم إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية في موعدها المقرر الشهر الجاري.