لم تعد الحروب التقليدية الطريقةَ الوحيدة لرسم خارطة النفوذ بين الدول، بل أضحى سلاح المياه من الأسلحة الأبرز في هذا المضمار، حتى بات شبح نقص المياه في “الشرق الأوسط” لهيبا قد يشعل المنطقة بأسرها.
ومن أبرز هذه الأزمات، ما تعيشه بلاد الرافدين من جفاف بسبب التصرفات الأحادية من تركيا وإيران، حيث أقامت أنقرة سدودا على نهر دجلة الذي يصب في العراق، أبرزها “أليسو” الذي أدى إلى انخفاض منسوب نهر دجلة إلى النصف.
ولم ينج نهر الفرات النابع من أنقرة من تلك السدود، في إشارة إلى سد أتاتورك، إضافة إلى أن الجانب التركي أوقف إمدادات الفرات المائية بشكل أكبر عام 2020، ما اعتبره الجانب السوري انتهاكا لاتفاقية 1987 الموقعة بين سوريا وتركيا.
كما انخفض منسوب مياه الروافد الوافدة من إيران ما أثر في الطاقة التخزينية ما قد يؤدي إلى مخاوف من عدم تأمين مياه الشرب لمحافظة ديالى العراقية بالكامل بسبب قلة المياه.
أما الأردن، فيواجه أزمة مياه حقيقية من خلال بناء إسرائيل السدود على نهر الأردن، الأمر الذي قلل من حصص عمان المائية بذريعة موجات الجفاف المتعاقبة على النهر وبحيرة طبريا، إضافة إلى ضخ 25 مليون متر مكعب من مياه نهر الأردن إلى إسرائيل وفق اتفاقية السلام.
وهناك أزمة ليست تقل شيئا في هذا الخصوص وهي أزمة “سد النهضة الإثيوبي” حيث تواجه مصر والسودان مخاطر نقص المياه جراء بناء السد الذي يحتاج 74 مليار متر مكعب لملئه.
وأثار هذا الأمر مخاوف القاهرة والخرطوم من التأثير على حصتيهما من مياه النيل، إضافة إلى عدم وجود اتفاق ملزم لدولة المنبع في مصير المياه، لتشكل نفوذا جيوسياسيا لا يقل تأثيرا عن الحرب التقليدية.
نشوب نزاع
في هذا السياق، لم يستبعد أستاذ القانون الدولي العام، د. أيمن سلامة، نشوب نزاع مسلح في دول حوض النيل وتحديدا حول “سد النهضة” وذلك نتيجة التعنت الإثيوبي الذي ينتهك القانون الدولي.
وأضاف سلامة خلال مشاركته في برنامج (مدار الغد) الذي يعرض عبر شاشتنا أن حروب المياه غير مستبعدة، لا سيما أن مصر تعتبر رسميا أن بقاء شعبها يعتمد على نهر النيل.
وأوضح سلامة أن الدول لن تتشبث بحرفيات ولفظيات القانون الدولي ولا ميثاق الأمم المتحدة إذا تعرض أمنها المائي للتهديد المباشر.
اتفاقية وادي عربة
ومن عمان، قال مستشار وزير الشؤون السياسية والنيابية سامي محاسنة، إن الأردن يعاني أزمة مائية، ويحصل على الحقوق المائية فيما يتعلق بما تم تضمينه في اتفاقية “وادي عربة” لعام 1994.
وأضاف محاسنة أن هناك حلولا وإمكانية طرح مشاريع بديلة لمشروع ناقل البحرين، وهناك مشروع الناقل الوطني لتحلية المياه، وذلك من خلال تحلية المياه في مدينة العقبة الساحلية بحدود 250-350 مليون متر مكعب رغم كلفتها العالية.
كما أوضح محاسنة أن “هناك حلولا أردنية داخلية، كما أن هناك حلولا أيضا مع الجانب السوري”.
وأشار إلى أن “الأردن أعلن وقوفه بجانب مصر والسودان في أزمة سد النهضة”.
إيران وتركيا
من جانبه، قال الكاتب والباحث السياسي، فلاح المشعل، إن وزير الموارد المائية العراقي، أكد أن العراق سيتقدم بشكوى إلى الأمم المتحدة فيما يتعلق بأزمة نهر الفرات.
وأضاف فلاح المشعل أن هناك مساعي مع تركيا لكن الأخيرة هي الأخرى تعطي وعودا لكنها لا تستجيب، مشيرا إلى أن إيران وتركيا بدأتا تتعاملان مع المياه على أنها ثروات طبيعية لهما مع العراق.
وأوضح المشعل أن العراق يقع ضحية هاتين الدولتين (تركيا وإيران) والسبب في ذلك أنه لم يعد كما كان قبل 2003، مشيرا إلى وجود شكاوى عديدة من الدولتين.
علاقات متميزة
ومن طهران، يرى الباحث في الشؤون الإستراتيجية، مصدق بور، أن هناك علاقات متميزة بين العراق وإيران بعد انتهاء الحرب الأمريكية العراقية.
وأضاف بور، أن إيران لم تقم بضرر العراق، وأن طهران واجهت مشاكل عديدة، ولا تستخدم المياه كورقة ضغط سياسية ضد بغداد.