شواهد التاريخ مع رحلة «المحمل» من المحروسة إلى مكة المكرمة

شواهد “كسوة الكعبة”  تسجل  فصولا من تاريخ العرب..  ما  قبل الإسلام وما بعده.. ما قبل  الميلاد وما بعده.. وربما منذ السنوات الأولى  بعدما  أوحى الله إلى أبو الأنبياء إبراهيم، وابنه اسماعيل عليهما  السلام «أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود» ثم أقاما القواعد من البيت.. ولم يستدل تاريخيا  ما إذا كان إسماعيل عليه السلام، أول من كسا الكعبة، وهل كساها جزئيا أم لم يتم كساؤها، على اعتبار أنه لم يؤمر بذلك، ولكن من الثابت تاريخيا أن الملك اليمني “أسعد تبع أبي كرب” ملك حمير، هو أول من كسا الكعبة المشرفة بشكل كامل في العام 220 قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم.

%d9%85%d9%83%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%83%d8%b1%d9%85%d8%a9

والثابت تاريخيا، أيضا ، أن قريشا تولت هذه المهمة أيضا، فيما بعد، وتقوم بكسوة الكعبة “يوم عاشوراء”، وكانت تقسم أموال كسوة الكعبة على بطونها الكبرى، باعتبار أن الكعبة كانت رمزا دينيا، يحفظ لقريش مكانة دينية دونها أي مكانة أخرى، ويجلب لهم الحجيج من جميع أنحاء الجزيرة  العربية وما حولها، وينشط حركة التجارة.. وبعد فتح مكة وفي أول عام يحج المسلمون، في العام التاسع من الهجرة، أصبحت كسوة الكعبة مهمة بيت المال في المدينة المنورة.

 

الشرف العظيم لمصر

وهنا بدأ  دور مصر يتولى هذه المهمة ، وينال الشرف العظيم، في عهد ثاني خلفاء المسلمين الصحابي عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حيث كان يوصي بكسوة الكعبة بالقماش المصري المعروف بالقباطي، الذي اشتهرت بتصنيعه في مدينة الفيوم.. والقباطي نسبة إلى قبط مصر، وكان المصريون ماهرين في نسج أفضل وأفخر أنواع الثياب والأقمشة.

%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ad%d9%85%d9%84-2

 وانتقل الشرف “مؤقتا” إلى الشام ، مع بداية الخلافة الأموية، حيث أصبح التركيز أكثر على أقمشة الشام التي كانت تكسو الكعبة مرتين في العام مرة في يوم عاشوراء، ومرة في شهر رمضان.. ثم عاد شرف الكسوة إلى مصر مرة أخرى، في عهد الدولة العباسية، وتحديدا مع بداية الخلافة الفاطمية..

وكانت الكسوة بيضاء اللون، أو هكذا أصر الخليفة الفاطمي العزيز بالله في عام 381 هجرية، فقد ارتبط تصرار الفاطميين، والمماليك من بعدهم،  بكسوة الكعبة لأسباب سياسية تتعلق ببسط النفوذ والسيطرة الذي يضمنهما وقوع الحرمين تحت سلطتهم، وقد برز ذلك في مواصلة مصر على إرسال الكسوة طوال عهد المماليك.

%d8%a7%d9%84%d9%83%d8%b3%d9%88%d8%a9

ثم حاول كثيرون أن ينازعوا مصر في هذا الشرف، مثل “المجاهد” ملك اليمن الذي أرسل محمل حج لكسوة يمنية للكعبة،  فأخبر أمير مكة، السلطة التابع لها في مصر (حيث كان يتم تعيين الأمير من القاهرة)  فتم القبض على “المجاهد”، وأوتي به مغلولا إلى القاهرة لاجترائه على عمل يهدد سلطة مصر في الجزيرة العربية.. وتكررت المحاولات بعدها بعشرات السنين، لكن أمير مكة كان يمنع دخول المحمل على اعتبار أن هذا الشرف خاص بالمصريين فقط.

كسوة الكعبة من خزينة الدولة المصرية
ولأن تكلفة كسوة الكعبة كانت مرتفعة للغاية، فقد أمر السلطان المملوكي الناصر محمد بن قلاوون، حاكم مصر، بوقف خراج قريتين بالقليوبية هم قرى “باسوس” و”أبو الغيط”، لهذا الشأن، ولكن العائد لم يعد يكفي بعده بسنوات طويلة .. ولذلك وأثناء زيارته لمصر،  أمر السلطان سليمان القانوني، سلطان الدولة العثمانية التى انتزعت مصر من المماليك،  بوقف خراج 7 قرى أخرى إلى جانب القريتين، ومع ذلك لم يكف العائد،  فتم رفع الضرائب على أهالي تلك القرى، إلى أن آل الحكم في مصر للوالي محمد علي باشا الذي أمر بأن تخرج نفقة تصنيع كسوة الكعبة من خزينة الدولة التي آلت إليها كل الأوقاف وتأسست لهذا الشأن “دار الخرنفش” بحي باب الشعرية بالقاهرة لتصنيع الكسوة.           

%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ad%d9%85%d9%84-%d9%84%d8%a78

تم منع إرسال الكسوة لأول مرة بسبب ما حدث من الوهابيين من اعتداءات على بعثة الحج، حيث كان موكب كسوة الكعبة المصري المعروف بمحمل الحج،  يصاحبه الطبل والزمر والاحتفالات الدينية، التي يقيمها أصحاب الطرق الصوفية وهو ما كان يثير حفيظة الوهابيين في السعودية والذين رأوا في ذلك بدعا وخروجا عن الدين، فتم العمل على إعاقة المحمل وقتها لدخول الأراضي السعودية ..وبعد فترة عادت مصر مرة أخرى لترسل الكسوة إلى مكة حتى عهد  الزعيم الراحل جمال عبد الناصر..  وفي عام 1962  تم وقف إرسال الكسوة وترك هذا الشرف للمملكة السعودية، التي انتهت من إقامة  مصنعي  أم الجود وأجياد  لصناعة كسوة الكعبة.

 

%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ae%d9%85%d9%845

سلاطين مصر “خدام الحرمين الشريفين “

ويذكر أن ارتفاع الكسوة يبلغ 14 مترا، ويحليها في الثلث الأعلى منها حزام يعرف بحزام الكعبة المطرز بالأسلاك المصنوعة من الفضة المحلاة بالذهب ونقش عليها، “لا إله إلا الله محمد رسول الله”.. و “الله جل جلاله”  .. و”سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم” .. “يا حنان يا منان” .. وتحتها مباشرة سورة الإخلاص داخل مربعات مطرزة بالطريقة نفسها.. ومع كسوة المقام الإبراهيمي، وستارة باب التوبة، ويتحرك الجميع في موكب ملكى مكون من (500) جمل يحمل الكسوة وينقش على قماش الهودج اّيات قراّنية ورسوم زخرفية مطرزة بخيوط من الحرير الذهبى فوق أرضية من الحرير الأخضر والأحمر والأسود، ويذكر أن تكلفة صناعة الكسوة في عهد الفاطميين ما يقرب من مائة وعشرين ألف دينار

%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ad%d9%85%d9%844

وربما لا يعرف كثيرون،  أن سلاطين مصر المملوكية، كانوا  يلقبون بـخدام الحرمين الشريفين، وكان المحمل المصرى يخرج فى صورة قافلة من الجمال والخيول تتجه نحو مكة من أجل كسوة الكعبة، وكان المحمل يطوف القاهرة يصاحبه الطبل والزمر، وكان يصاحب طوافه العديد من الاحتفاليات كتزيين المحلات التجارية والرقص بالخيول، وكان الوالى أو نائب عنه يحضر خروج المحمل بنفسه، الذي يطوف فى القاهرة نحو ثلاثة أيام، وموكبه عبارة عن جمل يحمل كسوة الكعبة وخلفه الجمال التى تحمل المياه وأمتعة الحجاج وخلفه الجند الذين يحرسون الموكب حتى الحجاز ومن ورائهم رجال الطرق الصوفية الذين يدقون الطبل ويرفعون الرايات.. والمحمل نفسه هو عبارة عن هودج فارغ يقال إنه كان هودج  السلطانة شجرة الدر (عندما ذهبت للحج فصنع لها هودج مربع عليه قبة جلست بها ومعها الكسوة، وخلفها تسير قافلة الحجاج ومنها أطلق عليها مسمى المحمل)  أما الكسوة فكانت توضع فى صناديق مغلقة وتحملها الجمال، ثم يتجه نحو أرض الحجاز.

 

%d8%b9%d9%85%d9%84-%d9%83%d8%b3%d9%88%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%83%d8%b9%d8%a8%d8%a9

 

حقيقة تقبيل “حافر” جمل “المحمل”

لم يكن المحمل ليخرج بالمصريين وحسب بل كان يصحبه سائر الحجيج من بلاد المغرب الإسلامى بما فيه الأندلس وبلاد أفريقيا أو القادمين عن طريق البحر من البلاد العثمانية وكذلك كان كثيراً ما يأتى أمراء وملوك تلك البلاد قاصدين الحج فكانوا جميعاً يجتمعون بالقاهرة ليتوقفوا بتلك المحطة الهامة التى كانت لها أثر كبير فى صورة وشخصية مصر بمخيلة زوارها، حتى أن التراث الإسلامى يحفل بالكثير من المؤلفات التى صنفها الرحالة والأدباء المارين بمصر .. وبعد الحج يعود المحمل حاملا الكسوة القديمة للكعبة بعد إبدالها بالكسوة الجديدة،  وتقطع إلى قطع وتوزع على النبلاء والأمراء،  وما زالت هذه القطع موجودة فى متحف كسوة الكعبة، وبعضها فى قبور العائلة الملكية فى مصر حيث زينوا بها أضرحتهم كنوع من التبرك.

20140312_133323_265

وكان يشرف على تصنيع وتطريز كسوة الكعبة مسؤول يسمى ” ناظر الكسوة”، ونقلها للحجاز كان يتم تحت إشراف أمير كبير يسمى “أمير الحج”، وعندما كان يقترب المحمل من مكة كان يخرج أميرها لاستقبال المحمل ويستقبل الجمل حامل الكسوة باحترام شديد، وتقول المصادر التاريخية أنه كان يقبل حافر الجمل احتراما لهيبة الكسوة ولتعظيم سلطان مصر.. وخروج المحمل المصرى من مصر المحروسة إلى مكة المكرمة، كان يتم فى احتفال كبير اسمه  “دوران المحمل”، و توضع الكسوة على جمل متزين بالحرير الملون والفضة وكانت الشوارع والدكاكين تزين، ويخرج الناس خلف وحول المحمل وبصحبتهم مهرجين يسمون “عفاريت المحمل”..وكان أول احتفال “دوران المحمل” فى عهد السلطان الظاهر بيبرس، وكان دورانه من الاحتفالات التى حضرها ابن بطوطة فى مصر ووصفه بأنه كان يوم مشهود.

%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ad%d9%85%d9%84-7

حكمة كسوة الكعبة

وحكمة كسوتها أن الكعبة من شعائر الله التي أذن بتعظيمها، وقد قال تعالى: ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ {الحج: 32} ، وفي ضمن ذلك إرهابٌ للأعداء وإظهارٌ لعز الإسلام وأهله .. وليس ذلك إحراماً للكعبة فإن الكعبة جماد لا تُحرم ولا تؤدي نسكاً، وإنما يكسوها المسلمون تعبداً لله عز وجل، وشكراً له على منته أن جعلها قبلةً يستقبلونها، وألّف بها بين قلوبهم على اختلاف الديار وتنائي الأقطار.. وما يفعل في موسم الحج من رفع كساء الكعبة المبطن بالقماش الأبيض إنما يفعل لكي لا يقوم بعض الحجاج والمعتمرين بقطع الثوب بالأمواس والمقصات للحصول على قطع صغيرة طلبا للبركة أو الذكرى أو نحو ذلك.

%d9%83%d8%b3%d9%88%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%83%d8%b9%d8%a8%d8%a9

وتغيير كسوة الكعبة، أمرٌ قديمٌ معروف ، وقد كُسيت الكعبة في الجاهلية ثم استمرت كسوتها في الإسلام، وقد ذكر البخاري في صحيحه في باب كسوة الكعبة أن عمر رضي الله عنه همَّ أن يقسم مال الكعبة بين المسلمين, فلما قيل له إن صاحبيك لم يفعلا ذلك، قال  هما المرءان بهما أقتدي ..  ونقل الحافظ في الفتح إجماع المسلمين على جواز ستر الكعبة بالديباج، وذكر آثاراً كثيرة تدلُ على أن كسوتها كانت معروفة بين السلف ..  وروى الواقدي عن إبراهيم بن أبي ربيعة قال‏:‏ كسي البيت في الجاهلية الأنطاع، ثم كساه رسول الله صلى الله عليه وسلم الثياب اليمانية، ثم كساه عمر وعثمان القباطي، ثم كساه الحجاج الديباج‏.

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]