«صرصار» كافكا يمنح ماركيز ريادة «الواقعية السحرية»
عندما يرحل الفنانون عن العالم، تمتلئ الصحف بمقالات وصور تتحدث عن إنجازات هؤلاء مثل ما حدث مع الرسام الهولندي فان جوخ الذي عاش فقيرا ومات مغمورًا، ليرث أحفاده ثروة مقابل ريشته.
يمكن أن نقارن بين مصير فان جوخ المعدم الذي حصد الشهرة والنجاح بعد رحيله، مع مصير الروائي الكولومبي جابريال جارسيا ماركيز، مع الفارق أن الأخير حاز جائزة نوبل في حياته، وكونه صحفيًا أسهم في انتشاره إلى حد كبير، كانت شخصيته معروفة «لدى المثقفين»، أما اقترانه بمصطلح «الواقعية السحرية» لم يكن يعرفه سوى النخبة المثقفة فقط الذبن كتبوا عنه بعد وفاته في أبريل من عام 2014.
ارتبطت الواقعية السحرية بماركيز وحده، وذاع صيته بها بعد وفاته، وإن لم يكن هو مبدعها الأول، إذ بدأ الوصف أكاديميًا أول مرة، في نيويورك عام 1954 على يد الناقد إنجل فلورز، وهي تقنية روائية غلبت على كثير من الأعمال الروائية في الأدب الألماني منذ مطلع الخمسينيات لتنتقل بعد ذلك إلى أدب أمريكا اللاتينية، ثم إلى آداب الشعوب الأخرى.
وتمزج الواقعية السحرية، أو ما سطلق عليه أحيانا «الفانتازيا» أو «العجائبية» و«الغرائبية» عناصر متقابلة في سباق العمل الأدبي، فتختلط الأوهام والمحاولات والتصورات الغريبة بسياق السرد.
«جورج لوي بورج».. أول كاتب عجائبي لاتيني
بعد الحرب العالمية الأولى أخذت «الفانتازيا» تتبلور نحو سحر الواقعية من خلال الروائي الألماني «كافكا»، والرسام «جورجيودي تشيليكو» وتأثر «جورج لوي بورج» في نهاياته بـ«كافكا» في عام 1935، من خلال كتاب «تاريخ عالمي من العار» كبداية للأسلوب في أمريكا اللاتينية.
اكتشف بورج «سحر الواقعية»، ليلتف حوله أسلوبه كثير من كتاب أمريكا اللاتينية ويصير تيارا عاما في الكتابة، وتنتقل الكتابة من العادي واليومي، إلى الخيال والغرائبية.
وفي أعوام الستينات ازدهرت الواقعية السحرية بين الكتاب اللاتين، بينهم «جابريال جارثيا ماركيز»،وماريو فارجاس لوكا، وكارلوس فوينتيس، وخوسيه ليزاما ليما، وخوسيه دونوسو الذي ألَّف عام 1972 كتاباً عن هذا الازدهار الذي جعل هذه الثورة الأدبية، أي سحر الواقعية تنطلق نحو العالمية.
لماذا ماركيز وحده؟
في عام 1982 فاز جابريال جارسيا ماركيز بجائزة نوبل عن رواية «مائة عام من العزلة» ليتوج رائدا للواقعية السحرية، ويصبح الروائي الأكثر تمثيلًا لهذا النوع الأدبي بسبب النجاح الكبير الذي لاقته روايته، وتم تعميم هذا المصطلح على الكتابات الأدبية بدءًا من سبعينيات القرن الماضي.
صرصور كافكا
رواية بالصدفة لفرانتس كافكا تنبأ بتأثيرها على عالم الأدب، لم يكن يعرف وقتها أن في القارة البعيدة في أقصى الغرب سيولد ماركيز وستقع بين يديه رواية «المسخ»، ليقرر بعد انتهاء القراءة أن يصبح روائيًا.
في عام 2003 نشر المجلد الأول من مذكرات ماركيز «عشت لأروي»، ويصف ماركيز الليلة التّي جاء فيها زميله في السكن بثلاثة كتب كان قد اشتراها للتوّ: «لقد أعارني أحدّ هذه الكتب عشوائياً لمساعدتي على النّوم كما أفعل بالعادة، ولكنّ حدث العكس هذه المرة. لم أنم بعدها مطلقاً بسكينتي السابقة. لقد كان كتاب «المسخ» لفرانتس كافكا، وكان بمثابة اتجاه جديدٍ لحياتي من سطره الأول القائل «استيقظ جريجور سامسا من أحلامه المزعجة صباح يومِ ما ليجد نفسه في سريره متحولاً إلى حشرة عملاقة»، حيث يعد هذا السّطر اليوم من أهم ما ورد في الأدب العالمي.
