تكاد حرفة الخواصة، وهي صناعة منتجات باستخدام سعف النخيل أو ما يعرف بالخوص، أن تندثر في ظل مواجهة تطورات العصر.
وفي قطاع غزة تكافح السيدة فاطمة مصلح “أم منصور” وعائلتها ، لحماية حرفتها، التي ورثتها عن آبائها من الاندثار، كما تشكل آخر مصدر رزق لها ولأسرتها.
وتعتبر صناعة الأدوات من خوص النخيل من الصناعات الفلسطينية القديمة وهي حرفة تعتمد بشكل أساسي على أوراق السعف وعشبة الحلفاء.
من الأجداد للأحفاد
وعن آلية استخدام سعف النخيل في صناعة هذه المنتجات، أوضحت الخواصة مصلح في حديث لقناة الغد، أنها تستخدم سعف شجر النخيل الأخضر، الذي تجففه لكي يصبح سهل الاستخدام، وتحفظه في مكان جيد بعيدا عن الماء لكي لا يصبه العفن، وتؤخذ كمية على حسب ما تود إنتاجه سواء سلة أفراح أو طبق للخبز والفاكهة والمزهريات.
وتواصل أم منصور حديثها وهي تمسك مسلة بيدها: “هذه الكمية يتم غليها بالماء لمدة 45 دقيقة، ويتم وضعها في قطعة قماش قطنية، حتى تبقى مرنة وسهلة الطي في العمل”.
وحول توارث هذه المهنة قالت الخواصة مصلح: “هذه المهنة نعمل بها منذ عشرات السنين، تقريبا منذ أكثر من 70 عاما، وهي مهنة أبي وأمي، والآن ورثتها لأبنائي، وهم ورثوها لأبنائهم، وكما ترى من يعمل معي أحفادي وابني وزوجاتهم”.
ارتباط بالتراث
مواصلة حديثها: “الخواصة مهنة نعيش منها، وهي مرتبطة بالتراث الفلسطيني، ولا نريد لها أن تنقرض، فهي متوارثة من جيل لآخر، وقمت بتدريب العديد من الشباب من خلال المؤسسات التي تهتم بالتراث الفلسطيني، وهذه المهنة بها الكثير من الفن والتعب وليس سهلة كما يعتقد البعض”.
أما الحفيدة نسيبة مصلح التي كانت منهمكة في صناعة طبق كبير من الخوص فعبرت عن حبها لهذه المهنة التراثية لما بها من جماليات قائلة: “ما يميز هذه المهنة التراثية هي الحب لها، فلها ميزة وعبق خاص، في ظل التطور التكنولوجي الكبير الذي نعيشه حاليا، هذا التراث يمثل هويتنا الفلسطينية”.
وتابعت، “هناك جماليات عن طريقة استخدام الألوان الجذابة والجميلة، كل شيء يأخذ وقت، وهو متعب جدا، إلا أنك حينما تنتهي من صناعته تشعر بالرضا النفسي والسعادة، أنك أنتجت شيئا جميلا من تراث بلدك”.
زينة ومشغولات
وأضافت الفتاة نسيبة: “نواجه صعوبات حينما يكون هناك زبائن يريدون هذه المشغولات ولا يكون متوفرا لدينا سعف نخيل، نلجأ لشرائها وتكون في بعض أوقات العام مرتفعة الثمن، لكن بشكل عام هناك إقبال على هذا النوع من الصناعات التراثية، الذي نشارك به أيضا في العديد من المعارض، وهناك الكثير من الأسرة تستخدمها للزينة، لذا من المهم المحافظة على هذه المهنة حتى لا تندثر مع مرور الزمن “.
وتعد مهنة الخواصة واحدة من المهن التراثية القديمة التي ارتبطت بالفلاحين تحديدا، وتقوم على جمع أوراق النخيل التي تجدل مع بعضها البعض بطريقة تضيق أو تتسع حسب نوعية المنتج، وتقوم بها النساء غالبًا، وتتناقل بالوراثة، حيث تحرص الأم على تلقين أبنائها أصول الحرفة، وفى بعض المجتمعات يتشارك الرجال في التعلم والعمل.
ويكاد يقتصر بيع هذه المنتجات حاليا على السياح، أو المعارض التراثية، أو بغرض الزينة؛ حيث لم يعد السكان يستخدمونها بسبب ارتفاع ثمنها كونها “صناعة يدوية” تحتاج لجهد كبير.
صناعة يدوية
الخوص عبارة عن أوراق سعف النخيل تجمع وتصنع باليد بطريقة تجديلية عريضة تضيق أو تتسع باختلاف الإنتاج، وتتشابك أوراق الخوص مع بعضها في التجديلية بعد أن تتحول إلى اللون الأبيض نتيجة تعرضها للشمس.
والخوص نوعان: الأول هـو لبة الخوص، وتتميز اللبة بنصاعة بياضها وصغر حجمها، وسهولة تشكيلها، وتستخدم لنوعية معينة من الإنتاج، والثاني هو من بقية أوراق النخيل العادية، وهي أوراق أكثر خشونة وطولًا ويتم غمرها بالماء لتطريتها حتى يسهل تشكيلها.
ومن أهم أدوات عمل هذه المهنة: إبرة خياطة وتسمى “المسلّة”، وهي أداة رئيسة في هذا العمل، وبها مجموعة من نبات الحلفاء ذات اللون الأخضر، حيث يقوم العامل بطيها بيده مع سيقان سعف النخيل؛ ليصنع منها طبقًا دائريًّا بشكل محكم ومتقن.